التربية الجنسية للبنات: ما أهميتها ومتى تبدأ؟

5805

عندمت أخبرت طفلتي أن جسمها غالٍ وخاص بها، فقط كنوع من التوعية، سألتني في المقابل عن أعضاء هذا الجسم ولماذا هي خاصة، لأكتشف أن الوقت قد حان لنبدأ نوعًا آخر من التربية، التربية الجنسية للبنات. أن نخبر الصغيرات بطبيعة أجسامهن، التي لا يجب أن تخجلهن يومًا حين تبدأ تغيراتها الطبيعية، أظن أنه آن الأوان لتربية جيل واعٍ من البنات، على علاقة صحية مع أجسادهن، أيًّا كان شكل هذا الجسم وطبيعته.

ما هي التربية الجنسية؟

تحدثنا حول ماهية التربية الجنسبة للبنات وأهميتها مع الدكتورة “رنا هاني ياسين”، مدربة وعضو المؤسسة الأمريكية والعربية للتربية الإيجابية، ممارس معتمد لعلم النفس الإيجابي من الاتحاد الدولي للكوتشينج، ومؤسسة ورش “مش حاجة عيب” للتوعية الجنسية للطفل من التحرش.

نحن لا نعلم أطفالنا الجنس، ولكننا نعلمهم حقائق عن أجسامهم، لحمايتهم وتوعيتهم بطبيعة هذا الجسم وخصوصيته.

هكذت بدأت د. رنا حديثها حول أكثر الأسئلة المثيرة للجدل، التي تلقتها عن ورش التربية الجنسية التي تقدمها للأمهات. البعض يعتقد أن التربية الجنسية هي تعليم الأطفال الجنس والعلاقة الحميمة، ولكن الحقيقة أن ذلك اعتقاد خاطئ تمامًا. فالتربية الجنسية هي عملية معرفة تدريجية لتعليم الأطفال، منذ سن عامين حتى مرحلة البلوغ، تعريف الطفل بجسمه وأعضائه والتغيرات التي تحدث لجسمه لاحقًا، بالإضافة إلى خصوصية الأعضاء الجنسية وحدود جسمه وأجسام الآخرين، حتى يصبح قادرًا أولاً على حماية نفسه من أي انتهاك أو تحرش أو لمسة مسيئة.

ماذا نعلم الطفل عن جسده؟

تبدأ عملية التربية الجنسية بتعريف الطفل بأعضائه التناسلية، أسماؤها الصحيحة المستخدمة باللغة العربية الفصحى أو الإنجليزية (حسب طبيعة ثقافة الطفل)، أو بالإشارة إليها بلفظة “جزء خاص”، حسب سن الطفل واستيعابه، ووظائف هذه الأعضاء وكيف تقوم بها، والتغيرات التي تحدث لها في مرحلة البلوغ.

تضيف د.رنا، خلال جميع مراحل التربية الجنسية للبنات نؤكد مرارًا وتكرارًا أن هذه الأعضاء الجنسية التناسلية “مش حاجة عيب”، سواء بلفظ اسمها أو وظائفها، ليست مكانًا يدعو للخجل أو الشعور بالخزي أو المداراة أو التقزز، بل على العكس، هي أعضاء مهمة جدًا كسائر أعضاء الجسم، لها وظائف خاصة بها، لا تختلف في شيء عن بقية الأعضاء سوى في خصوصيتها الكاملة لنا.

ما أهمية التربية الجنسية للبنات؟

1. التربية الجنسية تؤهل ابنتك لمرحلة البلوغ

تخيلي أن طفلة لا تعرف شيئًا مطلقَا عن أعضائها التناسلية، تم تربيتها منذ سنوات الطفولة الأولى على أن هذا الجزء في الجسم عيب، نطلق عليه أسماء مستعارة، نشير إليه بالكناية، نشعر تجاهه بالاشمئزاز والقرف، وعند مرحلة البلوغ تفاجأ الطفلة التي على أعتاب المراهقة الآن بتغيرات جذرية في أعضائها الجنسية، الدورة الشهرية على سبيل المثال، والصدمة التي تمر بها بعض البنات اللاتي تعاملن منذ الطفولة على أن هذا المكان عيب، فتتكون صورة ذهنية مشوهة عن أعضائها وجسمها، وهكذا نعرف لماذا التربية الجنسبة منذ سن عامين مهمة للبنات والبنين على السواء.

2. تقبل الجسد يعزز الثقة بالنفس

تستكمل د. رنا هاني ياسين حديثها قائلة: الطفل الذي تربى تربية جنسية صحيحة، يصبح قادرًا في سن البلوغ على تقبل جسمه وتغيراته، والتأقلم معها بسهولة، دون الركض وراء هوس الجمال والمثالية. خلال مرحلة التربية الجنسية للبنات نتحدث عن الدورة الشهرية وكيف تصنع أرحامهن معجزات في مرحلة الحمل والولادة ، كيف تُخلق وتولد الحياة من داخل أجسامهن، فبدلاً من نظرة الخزي والعار والعيب، تصبح نظرة البنت لجسمها نظرة فخر وثقة وتقبل، فيختفي حاجز الخجل بين الأم والبنت بعد ذلك عند التحدث عما تشعر به من تغيرات جسمانية، وعن صورتها الذهنية تجاه جسدها.

3. الطفل الواعي بجسمة يحمي نفسه من التحرش

التربية الجنسية تساهم بشكل كبير في الحماية من الانتهاك والتحرش وتخطي الحدود. الطفل الواعي بجسمه يعرف كيف يحميه وكيف يطلب المساعدة إذا تعرض لحادث تحرش أو لمسة سيئة، ويعرف كيف يعبر عما حدث بلغة واضحة وصحيحة، كما يعلم تمامًا أن الخطأ ليس بجسمه هو، بل فيمن اعتدى عليه.

متى تبدأ التربية الجنسية للبنات؟

تبدأ التربية الجنسية للبنات بصورة علمية منذ سن عامين، وبصورة تدريجية منذ الميلاد، بالحفاظ على الخصوصية التامة لجسم الطفل. على سبيل المثال، تبدأ التربية الجنسية بإخبار الأطفال بأسماء الأعضاء الجنسية الحقيقية والمستخدمة في بيئته وليست بأسماء مستعارة، ونوم الطفل في سرير منفصل عن سرير الأم والأب، وعدم السماح لأي شخص بتغيير ملابس الطفل أو لمس أعضائه التناسلية.

الفضول يفتح مدارك الطفل واستيعابه، وهنا يجب الإجابة عليه بطريقة علمية، في حدود السؤال الذي سأله دون تفاصيل متخصصة للغاية، أو بأن نخبره إذا كنا لا نعلم بأننا سنبحث ونجيب سؤاله في وقت محدد

ربما تجد بعض الأمهات حرجًا في تسمية الأعضاء بأسمائها، مثل: قضيب، مهبل، خصية، مؤخرة، ولكن في حقيقة الأمر فإن قول هذه المسميات بصورة طبيعية وصحيحة دون خجل أو ضحك، يجعل الأطفال يتقبلونها ويقولونها في إطار طبيعي، كما يطلقون على بقية الأعضاء أسمائها الحقيقية، مثل يدي، ذراعي، أنفي، فمي… وهكذا، ومع ذلك تسميتها بـ”الجزء الخاص Private part” في سنوات الطفولة الأولى يعتبر حلاً عمليًا كذلك.

أشهر الأسئلة عن التربية الجنسية

من أكثر الأسئلة التي واجهتها د. رنا من الأمهات خلال ورش التربية الجنسية، كانت:

هل التربية الجنسية تفتح مدارك الأطفال؟

أما عن الرد فكان: الفضول ليس سيئًا، من الطبيعي عندما تتحدثين مع طفلتك عن الفرق بين جسم الولد والبنت والتغيرات الجسدية، أن يكون لديها تساؤلات وأفكار، والمهم أن تحصل عليها في الإطار المناسب لسنها واستيعابها من جهة موثوقة، وهي الأهل، وألا تواجه هذه الأسئلة بالصمت أو التردد أو النهي عن التساؤل، لأنهم سيبحثون عن الإجابات في الخارج لدى الآخرين.

كيف أجيب أسئلة طفلي؟

الفضول يفتح مدارك الطفل واستيعابه، وهنا يجب الإجابة عليه بطريقة علمية، في حدود السؤال الذي سأله دون تفاصيل متخصصة للغاية، أو بأن نخبره إذا كنا لا نعلم بأننا سنبحث ونجيب سؤاله في وقت محدد، بهذه الطريقة يكتسب الطفل ثقة بنفسه، يعرف المعلومة من مصدر موثوق، ولا يشعر بالخجل تجاه جسمه أو أسئلته إطلاقًا.

هل يجب أن أجيب أسئلة طفلي؟

تستكمل د. رنا، تأكدي عزيزتي الأم أن الطفل لا يشتت، ولا يمكن إلهاؤه عن أي سؤال يدور بذهنه عن الأعضاء الجنسية، بالعكس هذه الطريقة ربما تفلح مع الأطفال الصغار في أي شيء آخر، ولكن سيذهب طفلك ويبحث عن المعلومة، وربما يتلقاها بطريقة خاطئة أو غير مناسة لسنه.

نصائح مهمة في التربية الجنسية للبنات

اختتمت د. رنا هاني حديثها بنصائح مهمة للأمهات في التربية الجنسية للبنات من الطفولة للبلوغ:

  • لا تتحدثي لابنتك أن جسمها مخجل أو أن التغيرات التي تحدث لها بمرحلة البلوغ محرجة أو عيب، بالعكس عززي فكرة الفخر والثقة بالنفس وادعميها بالمعلومات اللازمة.
  • مصاحبة البنت منذ الطفولة، وإنشاء علاقة صداقة وثقة وأمان بين الأم وابنتها منذ الولادة، مع وجود مساحة حديث مع البنت وتقبل لأفكارها ومشاعرها وأسئلتها حول جسمها.
  • تجنب النقد الدائم وإلقاء اللوم على البنت في أي شيء يتعلق بشكل جسمها أو مظهرها، يجب أن تشعر الطفلة أنها مقبولة دون تعليقات لاذعة أو منتقدة حول شكل جسمها.
  • تجنب التعليق السلبي حول شكل الجسم، أخبري ابنتك يوميًا أنكِ تحبينها كما هي، وأننا جميعًا مختلفون في الأشكال والأجسام وذلك لا يعيب أيًا منا، وأننا مميزات بهذا الاختلاف.
  • كوني قدوة لابنتك، الطفلة التي تكبر وهي ترى أمها تحترم خصوصيتها وتفخر بجسمها ولديها مقدار من الثقة بالنفس، تصبح هي أيضًا كذلك.

وأخيرًا عزيزتي الأم.. التربية الجنسية للبنات ليست رفاهية، لا يمكن التغاضي عنها أو تأجيلها لمرحلة الزواج، بل هي واجب على كل أم وأب تجاه أطفالهم، وجزء لا يتجزء من تربية الأطفال بشكل عام، أن يعرف طفلك جسمه لا يقل أهمية عن معرفته العلوم واللغة، بل يمكننا أن نطلق عليها تعليمه كيف يستمع لجسمه ويفهمه ويتقبله ويتواصل معه، ليصبح لديه صورة سليمة سوية ومتزنة تنعكس على روحه لاحقًا.

المقالة السابقةمشكلات العلاقة الحميمة وعلاقتها بصورة الجسد
المقالة القادمةكيف أجعل نفسي جميلة: جمال الروح والشكل في 4 خطوات
كاتبة وصحفية مصرية

2 تعليقات

  1. مقال اكثر من رائع بصراحه، ربنا يبارك فيكم وفي جهودكم المستمره، عندي تعليق بسيط على جملة الكاتب نحن لا نعلم اطفالنا الجنس بل نعلمهم حقيقة أجسامهم، أنا مش عارفه فين العيب أو العار في تعليم الجنس للاطفال وإن اشرحلهم ان دي علاقه حب خاصه بتحصل بينتج عنها الطفل للحياه، وبعد شويه عند سن ٦ ممكن اشرحله ازاي بتتم في اطار علمي، فالحديث عن الجنس مع الأطفال من سن صغير لا يقل أهميه عن الحديث في جسم الطفل، وشكرا جدا لحضراتكم بحبكم اوي اوي

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا