تربية طفل اجتماعي وواثق من نفسه هو حلم كل الآباء والأمهات، لكن أحيانًا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن خلال رحلة التربية، فيظهر على الطفل علامات الخجل أو علامات الخوف من التعامل مع المحيطين به، ثم تدريجيًا يتطور الأمر ويبدأ الطفل في الخوف من تكوين صداقات أو الخوف من التفاعل مع الأصدقاء والخوف من المواقف الاجتماعية المختلفة التي قد تجعله يشارك في أي أحاديث مع الآخرين، فيخشى من التقييم والحكم السلبي أو الإحراج، فيظهر على الطفل أعراض القلق والخوف الشديد.
الفرق بين الخوف المرضي والخوف الطبيعي
من الطبيعي أن يشعر الأطفال الصغار بالخوف من الغرباء، فعندما يكمل الطفل 10 أِشهر يستطيع أن يميز وجوه الغرباء من الوجوه التي يعرفها، فيبدأ في الصراخ عندما يحمله شخص غريب، ومن الطبيعي أن يخاف الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة (الفترة من 2-5 سنوات) من تكوين صداقات في الحضانة أو المدرسة، لكن في بعض الأحيان يتحول هذا الخوف إلى فوبيا أو رهاب، فيشعر الطفل بقلق شديد من التحدث أمام الآخرين، وفي كثير من المواقف الاجتماعية المختلفة خوفًا من تقييم الآخرين له أو الحكم عليه. فكيف تستطعين التفرقة بين الخوف الطبيعي والخوف المرضي؟ ولماذا يحدث هذا؟
ما هو اضطراب القلق الاجتماعي
بحسب موقع معهد تشايلد مياند المهتم بالأطفال الذين يعانون من الاضطرابات العقلية، فإن اضطراب القلق الاجتماعي يشير إلى خوف شديد مستمر وملحوظ من المواقف الاجتماعية، وحساسية مفرطة في التعامل مع الآخرين، التي تشكل عائقًا أمام الأطفال في إقامة علاقات صحية مع المحيطين بهم، أو المشاركة في أي أنشطة اجتماعية خاصة بهم، وهو عكس الخوف الطبيعي الذي يعد ضروريًا وأساسيًا في مرحلة تطور وتعلم الطفل، ولا يعيقه عن ممارسة حياته الطبيعية. وينقسم اضطراب القلق الاجتماعى إلى الخوف من التفاعل مع الآخرين بشكل مباشر، مثل التحدث مع الغرباء، والخوف من المواقف الاجتماعية بشكل عام، مثل الذهاب إلى المدرسة ومشاركة اللعب مع الأطفال الآخرين.
اقرأ أيضًا: اضطراب القلق عند الأطفال: أنواعه وأعراضه وعلاجه
أعراض اضطراب القلق الاجتماعي على الأطفال
من الضروري جمع معلومات عن سلوك الطفل الاجتماعي سواء من الوالدين أو من المدرسة لإجراء التشخيص بشكل صحيح، خصوصًا أن بعض الأطفال والمراهقين يسعون لإخفاء علامات وأعراض القلق التي تظهر عليهم بدافع الخجل
عادة تظهر علامات اضطراب القلق الاجتماعي مع بداية مرحلة الطفولة المتوسطة في الفترة ما بين 6 إلى 9 سنوات، وبداية سن البلوغ في الفترة ما بين 10 إلى 14 عامًا، إلا أنه لا يتم تشخيص الطفل بأنه يعاني من اضطراب القلق الاجتماعي إلا إذا ظهرت عليه بعض الأعراض الفسيولوجية والسلوكية والمعرفية، لأكثر من ستة أشهر، وأصبحت عائقًا أمام ممارسة الطفل حياته بشكل سلس وطبيعي.
قد يعاني الأطفال المصابون باضطراب القلق الاجتماعي من أكثر من اضطراب قلق واحد، لذلك قد يكون تشخيص اضطراب القلق الاجتماعي أمرًا صعبًا. من الضروري جمع معلومات عن سلوك الطفل الاجتماعي سواء من الوالدين أو من المدرسة لإجراء التشخيص بشكل صحيح، خصوصًا أن بعض الأطفال والمراهقين يسعون لإخفاء علامات وأعراض القلق التي تظهر عليهم بدافع الخجل. فما هي أعراض اضطراب القلق الاجتماعي إذًا؟
الأعراض الفسيولوجية:
والتي تظهر على شكل زيادة معدل ضربات القلب، والتعرق، والاحمرار، والغثيان، ومشكلات في البطن، وتوتر العضلات. في البداية لن يكون الأمر مفهومًا بالنسبة لك، ما الذي يجعل طفلك يتعرق ويشعر بالغثيان في تجمع عائلي أو حفلة ما؟ انتبه! قد تكون هذه الأعراض هي بداية طرف الخيط لتقديم المساعدة لطفلك. من الأفضل أن تهدئه ولا تلمه على مشاعره، وتخبره بأنك في مثل سنه كانت لك مخاوفك الخاصة بشأن التجمعات وأعياد الميلاد، ولكنك بمساعدة المحيطين بك تغلبت عليها، وأنت بدورك الآن ستقدم له المساعدة.
الأعراض السلوكية:
تظهر على شكل سلوكيات غير مفهومة أو مبررة، كالبكاء والخوف المبالغ فيه ونوبات من الغضب والتعلق الشديد بالوالدين، غالبًا ما يتصرف الطفل بهذا الشكل في الأماكن التي سيذهب إليها لأول مرة، كالمدرسة أو عيادة الطبيب. من الأفضل إخبار الطفل ومده بمعلومات كافية عن المكان، سواء بمشاركته في البحث عن معلومات على الإنترنت أو تقديم المعلومات له في شكل قصه شيقة تُثير فضوله للذهاب إلى المكان واستكشافه بنفسه، أو حتى بمحاكاة الموقف قبل الخروج وتمهيد ما سيحدث له.
من الناحية المعرفية:
فإن الأطفال الذين يعانون من القلق الاجتماعي لديهم العديد من المخاوف بشأن تقييم الآخرين لهم، لذلك يتجنبون المواقف التي يكونون بها محور الاهتمام أو الحديث، خوفًا من إطلاق الأحكام السلبية عليهم، كأن يخاف الطفل من تكوين صداقات جديدة خوفًا من عدم تقبل الأطفال الآخرين له، يجب إخبار الطفل بأنه محبوب وتذكيره بمواقف لطيفة له مع أطفال آخرين، وكيف شاركهم اللعب بشكل رائع.
اقرأ أيضًا: علامات الاكتئاب وأسبابه عند الأطفال والمراهقين والنساء
أسباب الإصابة باضطراب القلق الاجتماعي
لم يحدد العلماء أسبابًا جذرية لاضطراب القلق الاجتماعي، ولكن أرجعت الكثير من الدراسات الأمر لأسباب وراثية، بيئية، بيولوجية، نفسية، اجتماعية، بالإضافة إلى مجموعة متعددة من العوامل الأخرى، وتشمل ما يلي:
- تاريخ العائلة: تلعب الوراثة دورًا كبيرًا في الإصابة باضطراب القلق الاجتماعي، فالآباء المصابون باضطراب القلق الاجتماعي بنسبة كبيرة ينجبون أطفالاً يعانون من نفس الاضطراب.
- خلل في آليات التكيف: الخوف هو استجابة تكيفية ليحافظ الطفل على نفسه من الغرباء، تتناقص هذه الاستجابة تدريجيًا مع التقدم في العمر، إلا في بعض الحالات، ومع تقدم الطفل في السن لا تختفي هذه الاستجابة، بل تزداد بسبب تطور مفرط لآلية التكيف.
- مواقف الوالدين: سلوك الوالدين مثل الحماية المفرطة، والتي يمكن أن تكون بسبب مخاوف الوالدين مثل القلق من الانفصال.
كيف تساعد طفلك على مواجهة اضطراب القلق الاجتماعي
أول خطوة في علاج اضطراب القلق الاجتماعي لدى الأطفال هي الاعتراف بوجوده، ومحاولة التعامل معه بصبر وحكمة، ومن ثم استشارة الأخصائيين لتحديد أفضل طرق العلاج. عٌمر الطفل كذلك عامل مهم في سبل علاجه من اضطراب القلق الاجتماعي، بالإضافة لما يلي:
تجنب وصف طفلك بأنه خجول. إذا علق أشخاص آخرون على سلوك طفلك في المواقف الاجتماعية، فيمكنك أن تقول شيئًا مثل “في الواقع إنه منفتح تمامًا مع الأشخاص الذين يعرفهم جيدًا”. بغض النظر عن مدى شعورك بالإحباط ، تجنب انتقاد طفلك أو التصرف بشكل سلبي بشأن الصعوبة التي يواجهها في المواقف الاجتماعية.
أخبر طفلك عن سبب معاناته
أفضل خطوة لدعم طفلك ومساعدته هي إخباره بحقيقة الأمر الذي يعاني منه، فالطفل يعرف أنه يخاف لكن لا يعرف السبب، ولكن عليك اختيار الطريقة المناسبة لعمر الطفل، وكذلك شخصيته دون تسفيه أو ترهيب. إعطاء اسم للحالة التي يعيشها الطفل ومساعدته على ربط ردود أفعاله العاطفية من خوف وقلق بالمواقف الاجتماعية المختلفة يساعده على تعلم التأقلم والتكيف.
حيل للتغلب على القلق
- لا بد من تعليم الطفل طريقة لتهدئة نفسه حتى يقلل من استجابة القلق التي يشعر بها في المواقف الاجتماعية التي توتره. يمكن أن تكون تمارين ضبط التنفس هي الحل المثالي، أو استخدام إستراتيجية العد، أو إلحاقه برياضة بدنية تساعده على التخلص من القلق والتعامل مع مشاعره.
- شجع طفلك برفق على الانضمام إلى المواقف الاجتماعية وبدء أنشطة جديدة. تجنب المواقف الاجتماعية سيجعل المشكلة أسوأ.
- لا تجبر طفلك على التحدث أو القيام بأشياء أمام الآخرين. استخدم التشجيع اللطيف. عندما تكون مع أشخاص آخرين، تجنب قول أشياء مثل “تعال. قل مرحبًا لفلان. لا تخجل”. إذا كان لدى طفلك رد فعل قلق تجاه موقف ما فلا داعي للتوتر. جرب الموقف مرة أخرى مع مزيد من الاستعداد. لا تعاقب أو تؤنب طفلك على الفشل.
- حاول تجنب التحدث نيابة عن طفلك، لأن هذا قد يزيد المشكلة سوءًا.
- أخبر معلمين طفلك في المدرسة التمهيدية أو روضة الأطفال أو المدرسة عن قلقه. أخبرهم أيضًا بما تفعله لمساعدة طفلك في المنزل. بهذه الطريقة يمكن للأشخاص الآخرين في بيئة طفلك أن يقدموا له دعمًا مستمرًا.
- علم طفلك الحديث الذاتي الإيجابي: يقصد بالحديث الذاتي الايجابي تعليم الطفل التفكير بشكل إيجابي في المواقف التي تثير في نفسه مشاعر سلبية حول نفسه، مع التكرار وبمرور الوقت تساعده هذه المهارة في الحد من هجمات القلق التي تفاجئه في المواقف الاجتماعية المختلفة، فيكف عن النظر لنفسه بشكل سلبي. أخبر طفلك عن الأوقات التي شعرت فيها بالقلق أيضًا في المواقف الاجتماعية، وكيف واجهت مخاوفك. سيساعده هذا على فهم أنه لا بأس من التحدث عن مشاعر القلق. سيشعر أيضًا أنك تفهمه وتدعمه.
- إذا فعل طفلك شيئًا يجعله يشعر بالقلق عادة ولكنه تشجع وفعله (على سبيل المثال: التحدث عبر الهاتف) فاعترف بشجاعته مع الكثير من الثناء. أخبره أنك فخور بأنه يبذل قصارى جهده. هذا يساعد على تعزيز احترام طفلك لذاته.
- تجنب وصف طفلك بأنه خجول. إذا علق أشخاص آخرون على سلوك طفلك في المواقف الاجتماعية، فيمكنك أن تقول شيئًا مثل “في الواقع إنه منفتح تمامًا مع الأشخاص الذين يعرفهم جيدًا”.
- بغض النظر عن مدى شعورك بالإحباط ، تجنب انتقاد طفلك أو التصرف بشكل سلبي بشأن الصعوبة التي يواجهها في المواقف الاجتماعية.
العلاج السلوكي المعرفي
تسعى هذه الإستراتيجية إلى حث الطفل على التحدث عن المواقف الاجتماعية التي تُثير في نفسه مشاعر الخوف والقلق، مثل الحفلات أو حضور اللقاءات العائلية أو تكوين صداقات جديدة، ثم يتم تعليم الطفل كيفية التعامل خلال هذه المواقف بشكل تدريجي، باستخدام مهارات معينة، كأن يتم تدريبه على التصرف وفقًا لشكل معين قبل التعرض للموقف الاجتماعي، يجب أن يتم هذا العلاج تحت استشارة ومتابعة المختصين والمهنيين حتى يؤتي بنتائج مرضية ويتم متابعة تطور الطفل خلاله.
العلاج الدوائي
هناك بعض الحالات التي قد لا تستجيب للعلاج السلوكي، ولكنها تحتاج إلى تدخل دوائي تحت إشراف طبيب متخصص، الأدوية التي تستخدم في الغالب لعلاج اضطراب القلق الاجتماعي تؤثر على الناقلات العصبية (الخلايا العصبية في الدماغ التي تحمل الإشارات) المرتبطة بالقلق فتقلل من ظهور استجابة القلق.
وأخيرًا اضطراب القلق الاجتماعي يمكن علاجه والتغلب عليه بمساعدة الأسرة التي تعتبر خط الدفاع الأول للأطفال، فالدعم والحب والصبر والتقبل، أهم أسلحة الأسرة للتصدي لأي صعوبات قد تواجه الأبناء في مسيرة نموهم وتطورهم.
المصادر: