بقلم: كرستينا ناجي
مجتمع مُتديِّن بطبعه
كان اختيار حشو الساندويتش في تلك الأيام أمرًا يجب وضعُه في الاعتبار، كثيرًا ما كنت أحاول تلاشي تلك النظرات التي يرمقني بها أصدقائي بعد رؤية الجبنة البيضاء في كيس الساندويتشات الخاص بي، ولسان حالهم يقول: “جبنة بيضا في الصيام؟..ربنا يسامحك”.
لم أكن أفهم بالضبط أين المشكلة؟ فأنا لم أتدرب على الصيام بهذه الطريقة في وقت مبكر مثلهم، وكانت نظراتهم لي تجعلني أتساءل في حيرة هل أنا أقل منهم في الإيمان؟ أمْ هل عدم اتباعي لطريقة متفق عليها من الأغلبية لعبادة الله -سبحانه وتعالى- تجعلني في الصفوف الخلفية من طرق التقوى والتقرب إلى الله؟
مرَّتْ سنوات، ثم تراءت لي فكرة طفولية خبيثة لأحصِّن نفسي من تلك النظرات والتساؤلات، ماذا لو قررت التأقلم وسط الناس، وتقليدهم فقط أثناء وجودي معهم. وقمت باختيار المسموح أكله في هذا الوقت لتجنب إثارة الجدل والمشاكل، لا عن اقتناع بأن هذا هو الأفضل وليس عن رغبة في تدريب لصوم مُقدَّس أتقرب به أكثر إلى الله!
وبالفعل، قمت لفترة ما بتطبيق هذه الحيلة الماكرة وقد نجحت .. ظاهريًّا!
تجنبت كل التساؤلات والنظرات التي لم أقوَ على مواجهتها .. لكنني شعرت بالنفاق!
فلقد خضعت بالفعل لضغط المجتمع المتدين بطبعه، وليس لنداء داخلي يهمس لي أن أقدم قربان صومي لله .. فلقد صمت ظاهريًّا وقدمت صومًا منافقًا للناس لا إلى الله!
في الخفاء
لطالما كان ضغط المجتمع شيئًا مستفزًا، تشعر به وكأنه جبل ضخم يجري بأقصى سرعته خلفك، وإنْ لم تجرِ هربًا منه أو في نفس اتجاهه سيقضي عليك. وأعتقد أن كلمة السر أن أدرك أن الجبل لن يقضي عليّ، والأهم أنه ليس الهدف لابتغي رضاه.
حسنًا، لا أراها مشكلة إذا كانت نقطة البداية مؤقتًا هي ضغط المجتمع، ولا بأس إن عشت لفترة أفعل الشيء الجيد؛ سواء كان صومًا أو فروضًا وطقوسًا خوفًا من نظرة الآخرين القاسية إلى أن أعتاد ممارستها، لكنني بلا عذر إذا استمر هذا الشيء في تحريكي ودفعي لفعل هذه الأمور المقدسة.
أعتقد أن النقطة الفاصلة هي سؤال جوهري صعب، أحتاج أن أسأله دائمًا مع محاولتي لممارسة أي سلوك جيد: ما هو دافعي الخفي من فعل هذا الأمر؟ أو ببساطة ما هو الهدف؟
هل رغبةً وشوقًا في التقرب إلى الله؟ هل حبًّا وطاعة لأوامر أمرني بها؟ أم هو فقط خوفًا وتجنبًا لنظرات قاسية من بشر مثلي؟
كلنا يصوم أيًّا كانت طريقته، ولكن تختلف دوافعنا .. هل فعلي هذا نابع من داخلي أم نابع من ضغط خارجي. في الخفاء داخلي أجد الإجابة الحقيقية إذا حاولت الإجابة بأمانة.
الله ينظر إلى القلب
وسط عيون كثيرة حركتني لفترة ليست بقليلة، غيرت هذه الجملة أفكاري: الله ينظر إلى قلبي!
شعرت بالخوف حينها، ثم بعد فترة تحول خوفي إلى شعور بالمسئولية والرغبة الداخلية في إرضاء الله وحده.
شعرت بالمسئولية في الصيام بأفضل شكل لله. لكنْ لم يحركني مدح أو نقد الناس.
شعرت بالمخافة والمهابة في كل مرة أصلي لا رغبة في سماع تصفيق بشر لالتزامي.
شعرت بتأنيب ضمير كل مرة سعيت لأنال الثواب والعقاب من بشر مثلي؛ وكأنهم آلهتي، وكأن المقاييس البشرية هي ما تحركني في عباداتي!
حاشاك يا الله، فأنت وحدك جدير بكل سعي واجتهاد للقرب منك.
صومًا مقبولًا
وسط أجواء رمضانية، والصيام الكبير عند المسيحين .. تتسنى لنا كل الفرص للتقرب إلى الله. فلا تجعل صومك يا عزيزي فقط لإرضاء الضمير أو هربًا من لوم الآخرين.
وقبل أن تفعل أي شيء ادعُ في قلبك: اجعلني يا رب أفعل هذه الفروض والطقوس حبًّا وتقربًا يقربني لك لا نفاقًا ورياءً يقربني لمدح بشر ويبعدني عنك بعيدًا في داخلي.
لك أصوم يا الله
لك وحدك أصلي
ورغبة في قربك ومخافتك وحبًّا لمن خلقتهم أعطي أموالي للمساكين.
ووسط كل هذه الأحداث نقِّ دوافعي الخفية؛ فأفعل هذا لك وحدك.
عالمًا أنك تنظر إلى قلبي في كل لحظة؛
فاجعل قلبي عابدًا قبل سلوكي،
واجعل نفسي بسيطة لا أحكم ولا أدين أحد،
فتقبل عبادتي،
ويصبح صومي مقبولًا عندك وحدك يا الله
آمين..
المراجعة اللغوية/ عبد المنعم أديب.