الهوس بالجمال: أشكاله وأسبابه وكيف تتخلصين منه

6461

يقول المثل الشعبي “إذا زاد الشيء عن حده انقلب لضده”. وفي المثل إشارة إلى أن ثمة حدًا فاصلاً في كل شيء، إذا تجاوزه المرء دخل في مرحلة الإفراط، وإذا أغفله صار في مرحلة التفريط. وبين الإفراط والتفريط تقع المنطقة المعتدلة التي تشير للاتزان. ويكاد المثل السابق ينطبق على سلوكياتنا الحياتية كافة، بما فيها حتى تلك الأوقات التي نقضيها في تهذيب مظهرنا حتى نبدو بشكل لائق. لكن كيف يتحول الاهتمام بالمظهر من فضيلة إلى لعنة ونصاب بلعنة الهوس بالجمال ؟ ومن قيمة حميدة إلى وحش يهدد صاحبه بالدخول في طور اضطراب سلوكي؟

ما هو الهوس بالعناية بالمظهر؟

يشير معجم المعاني الجامع إلى إن الهوس بالشيء هو عشق الشيء لدرجة الجنون، فيقال مثلاً فلان مهووس بالنساء، أو بالمسرح، أو بالحياة الأوروبية… إلخ. كما نطالع منذ طفولتنا عبارة “إن الله جميل يحب الجمال” مدونة على جدران مدارسنا أو في خلفية كراسات المدرسة، مع غيرها من العبارات الحكيمة، حتى صارت عقيدة في الأذهان. إلا أن تلك العقيدة تحولت في عقول البعض إلى مبرر للإفراط في العناية بالمظهر. حيث يُخيل للبعض أن المبالغة في الاعتناء بالمظهر تعد شطرًا من الجمال، دون وعي بأن ذلك يعد ضربًا من ضروب الهوس بالجمال.

أما من منظور علم النفس، فقد فرّق مدحت عبد الرازق الحجازي في معجم مصطلحات علم النفس بين ثلاث درجات من الهوس:

  1. الهوس المزمن الذي يسيطر تمامًا على المرء فيصل إلى حد الخبل بالشيء.
  2. الهوس الحاد الذي يجعل المرء في حالة حركة دائمة، كغناء أو صياح أو تكسير.
  3. الهوس الخفيف الذي يشبه حالة النشوة التي يصاب بها المرء عند حضور فرح على سبيل المثال.

ويمكن استخلاص أن الهوس يعني الانفعال تجاه شيء ما، بما يصل إلى المبالغة التي تخرج عن الإطار الطبيعي. وبالتالي، فإن هوس العناية بالمظهر يعني الاهتمام الزائد بهيئة المرء، بما يفوق الدرجة الطبيعية التي تجعل المرء مقبول الشكل. بل تزيد عليها لدرجة المبالغة الناتجة عن عدم رضا المرء عن مظهره، والتوهم بصورة سيئة غير حقيقية عن الشكل الخارجي.

صور الهوس بالجمال

يمكن رصد بعض صور هوس العناية بالمظهر فيما يلي:

1. عمليات التجميل غير الضرورية

لا يقصد هنا العمليات التي غرضها إصلاح ومعالجة ضرورية، أو تشوهات ناتجة عن حوادث كالحروق مثلاً. وإنما يقصد بها تلك الجراحات التجميلية التي تجرى لمسايرة معايير شكلية سائدة، دون حاجة حقيقية لإجرائها سوى التوهم بأنها ضرورة، وأن بدونها المرء قبيح. وتاريخ الفن مليء بمشاهير عرب وأجانب ممن عانوا من هوس العناية بالمظهر، للدرجة التي جعلتهم يفرطون في إجراء عمليات تجميل، طمست ملامحهم الأصلية تماماً. ولعل نجم البوب الراحل مايكل جاكسون يعد مثالاً صارخًا على الهوس بعمليات التجميل.

أما في العصر الحالي فيمكن التدليل على الهوس بعمليات التجميل التي لا غرض من إجرائها سوى اتباع مقاييس محددة، بالتشابه الكبير بين كثير من الفنانات، للدرجة التي تجعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مثلاً يخلطون بين أكثر من فنانة عند مطالعة صورة لنجمة ما. بخلاف أن الهوس بعمليات التجميل لم يعد حاليًا حكرًا على المشاهير فحسب.

اقرأ أيضًا: عمليات التجميل: لماذا انتشرت لهذا الحد وما مخاطرها؟

2. اتباع حمية قاسية أو المبالغة في الذهاب لصالات التدريب الرياضي

كعمليات التجميل التي انتقلت من إطار المشاهير للأفراد العادية، بات أيضًا الهوس باتباع حميات غذائية قاسية، أو المبالغة في الذهاب لصالات الچيم لأداء التمرينات الرياضية شبحًا يطارد قطاعات كبيرة من الأفراد. فلم يعد الهدف هو المحافظة على الصحة باتباع نظام غذائي محدد أو الانتظام في أداء رياضة ما للاستثمار في الصحة على المدى الطويل. وإنما أصبح الهدف يُختزل في المظهر الخارجي فحسب، بدلاً من الهدف الأهم، وهو الحفاظ على الصحة العامة،حتى وإن كان للوصول لهذا المظهر تبعات صحية سلبية. يكفي هنا الإشارة فقط إلى تجويع بعض العارضات لأنفسهن بصورة مبالغ فيها بما يؤدي إلى اضطرابات شهية قد تصل إلى الوفاة. وكذلك تناول بعض رواد الصالات الرياضية للمكملات الغذائية بدون رقيب، أو حقن أنفسهم بمواد ضارة لتبدو عضلاتهم أضخم.

اقرأ أيضًا: فقدان الشهية العصبي: لماذا نعذب أجسادنا؟!

3. الهوس بجمال الأطفال

قد ينتقل في بعض الأحيان هوس العناية بالمظهر من الذات، ليُمارس بصورة ما على الأطفال من جانب بعض الأمهات. ولا يقصد هنا درجة الاهتمام الطبيعية التي تدفع الأم للعناية بمظهر صغيرتها لتبدو جميلة. وإنما المقصود مبالغة بعض الأمهات في مظهر طفلاتهن بالصورة التي تجعل الطفلة تبدو كفتاة عشرينية، رغم أن سنوات عمرها لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. فبنظرة على بعض مواقع التواصل الاجتماعي يمكن إيجاد صور لأطفال تتبارى أمهاتهن في جعلهن يرتدين أزياءً تحاكي الأزياء النسائية، مرورًا بتصفيف الشعر بقصات شبابية، ووصولاً لوضع مساحيق التجميل والتصوير بأوضاع تصوير تشبه أداء العارضات المحترفات.

4. استهلاك وقت طويل لترتيب المظهر عند مغادرة المنزل

ربما قد يكون أمرًا طبيعياً أن يهتم المرء بمظهره بشكل أكبر من المعتاد عند الذهاب لموعد مهم كمقابلة عمل، أو لقاء أصدقاء قدامى. وكذلك الحال عند التوجه لحضور مناسبة مهمة كحفل زفاف مثلاً. أما حينما تكون مغادرة المنزل لأي سبب تستدعي مشاعر القلق والتوتر لدى الفرد بشأن مظهره، وتدفعه لاستهلاك وقت طويل لتجهيز ما يرتديه. والتردد المطول والدائم بشأن المظهر قبل الخروج في كل مرة، فهو يعكس بلا شك درجة من درجات الهوس بالعناية بالمظهر.

5. الاعتقاد الدائم بأن محتويات خزانة الملابس غير كافية

تُتهم المرأة كثيرًا بادعاء أنها لا تمتلك قطع ملابس كافية، في حين أن خزانتها تكون ممتلئة عن آخرها. صحيح أن الأمر قد يرجع إلى طبيعة المرأة التي تميل نحو التزين والتجمُّل، بما قد يدفعها لحب التجديد في مظهرها، ويجعلها سريعة الملل من قطع الملابس التي تمتلكها. عكس الرجال العمليين للغاية في مظهرهم، والقادرين على استثمار عدد قليل من قطع الملابس في مناسبات عديدة بأريحية تامة. إلا أن برغم طبيعة المرأة المُحبة للتجديد في مظهرها، فالمبالغة في شراء قطع ملابس في كل موسم دون حاجة حقيقية، قد يعكس هوس العناية بالمظهر، وهوس الشراء في الوقت ذاته. كما قد يتجلى الهوس بالعناية بالمظهر هنا في الشعور بفقدان الثقة بالنفس حال تكرار ارتداء نفس قطع الملابس لمرتين متتاليتين، بما يولد الشعور بالحاجة لشراء مزيد من الملابس.


أسباب هوس العناية بالمظهر

يمكن رصد عدة أسباب وراء هوس العناية بالمظهر، ومنها:
• المحيط الاجتماعي والضغوط التي تؤدي إلى قولبة المظهر اللائق، ووضع معايير شكلية محددة للجمال.
• السينما والميديا والإعلانات، خصوصًا إعلانات التجميل، حيث تُصدر فيهم صورة نمطية عن المرأة الجميلة، بمواصفات شكلية محددة، فيُهيأ للمشاهدين أن الجمال ينحصر فقط في هذه الصورة النمطية وحسب.
• الضغوط النفسية الناتجة بشكل غير مباشر عن تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، التي ينشر مستخدموها صورًا منمقة للغاية.
• قلة الثقة بالنفس، ومحاولة تعويض ذلك بمظهر لافت للأنظار.

كيف تتغلبين على الهوس بجمالك؟

دائمًا هناك خط فاصل بين التهويل في العناية بالمظهر، والتهوين من أهميته، وحتى يمكن تحقيق معادلة الوصول للجمال المعتدل، تحتاجين في المقام الأول إلى رفع ثقتك بنفسك، ويمكنك الاسترشاد بالآتي:

1. عددي صفاتك الجيدة، اكتبيها في ورقة وأخبري نفسك أن لديك مميزات يحبك الناس من أجلها بخلاف ما تبدو عليه هيئتك. فمهما كنتِ جميلة لن يسعد الناس بصحبتك إن لم تتحلي بقلب طيب نقي.
2. زودي من ثقتك بنفسك من خلال تنمية معارفك واطلاعك لتشعري بعدم الخواء، الذي قد يجعلك ضحية لهوس العناية بالمظهر.
3. برمجي عقلك بأنه يكفي أن يبدو المرء نظيفاً، غير منفر للآخرين، وأنه ليس مطلوبًا أن نبدو كالفنانات أو من تظهرن على أغلفة المجلات.
4. تذكري دومًا أن تلك الصور البراقة الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ما هي إلا مجرد لقطة مقتطعة من حياة أفرادها، بخلاف أن معظم هذه الصور يتم معالجتها ببرامج أو فلاتر.
5. سيطري على نفسك في كل مرة تشعرين فيها بأنك على وشك شراء ملابس دون حاجة حقيقية. قد يفيدك في ذلك تدوين الاحتياجات الأساسية وعدم الخروج عن القائمة المدونة. كذلك قد يساعدك تأجيل شراء القطعة التي أعجبتك، للتفكير أولاً في مدى احتياجك لها، فقد تصرفين نظر عن الشراء حينها.

6. إلغاء أو تقليل متابعة صفحات عيادات التجميل التي تقنعك طوال الوقت أن ثمة تعديلات عليكِ إجرائها بشأن مظهرك. وكذلك الحال بالنسبة لمتابعة حسابات “البلوجرز” المتخصصين في الموضة والجمال، إذا كانوا يتسببون لكِ في الإحساس بأن هيئتك تحتاج إلى بذل مجهود كبير حتى تصبحين جميلة المظهر. وتذكري فقط في كل مرة تشعرين فيها بالهوس تجاه ما يقدمونه أن ثمة أغراض تجارية وتسويقية وراء ما يقدمون.

أنتِ أجمل مما تظنين

هل تذكرين ذلك الإعلان الشهير لإحدي ماركات صابون البشرة، حينما طُلب من نساء وصف أنفسهن لرسام لا يراهن؟ هل تذكرين كيف وصفن عيوبًا فيهن، ليرسم الفنان ما يسمعه من أوصاف، لنفاجأ برسم قبيح في ضوء الأوصاف المعطاة للرسام، في حين كانت صاحباتها في الحقيقية فتيات جميلات؟

أرجوكِ تذكري هذا في كل مرة تشعرين فيها أنك بحاجة لبذل مجهود مبالغ فيه بشأن مظهرك. فقط تذكري أنكِ أجمل مما تظنين.

مصدر: www.skynewsarabia.com

المقالة السابقةفقدان الشهية العصبي: لماذا نعذب أجسادنا؟!
المقالة القادمةنحيفة وبشعر لا يطول وأحب نفسي وابنتي

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا