تأثير الطلاق على الأطفال: ما الذي سيفكر فيه ابنك؟

2184

عادة لا نتذكر أيامنا الأولى في الحياة، إلا أن هناك وجبة غداء في طفولتي المبكرة، لن أنساها ما حييت، كنت في السادسة من عمري وقضيت وجبة الغداء مقيدة بالحبال إلى كرسي خشبي لا ظهر له، بعد “علقة” معتبرة، لم أكسر شيئًا أو أكذب على أحد، لم أرسم على دولاب جدتي أو أقص ملابسها، وهي أفعالي المفضلة، بل كانت جريمتي الكبرى أن جلست على حجر زوجة أبي!

لعلك قرأت عشرات المقالات العلمية عن تأثير الطلاق على الأطفال، لعلك حفظت الأعراض كلها التي قد يمر بها طفلك للتعبير عن الحزن، كيف أنه قد يواجه صعوبات في تكوين صداقات أو تأسيس أسرة، ولعلك تشعرين بالذنب والأنانية، لأنك تفكرين في هدم بيته وتغيير شكل الحياة كما يعرفها.  كل من حولك يتشدق بجملة “عشان ولادك” مبررًا وابل التغييرات والتضحيات والتعديلات التي يمليها عليك، لكي تستقر حياتك ولا تقدمي على الطلاق، أما أنا فلست هنا لأشجعك أو لأمنعك، أنا هنا لأنقل لك تجربتي عن الطلاق، وليس من وجهة نظر أم استطاعت أن توفر طلاقًا صحيًا لأولادها، بل من وجهة نظر طفلة، انفصل والداها بينما كان عمرها عامين ونصف العام.

تأثير الطلاق على الأطفال

لطالما شعرت أنني غريبة، ينقصني شيء ما، لا أشبه الأطفال من حولي، وفي منزل والدي كنت أشعر بغرابة أكبر، أنا لا أشبه أبي ولا أحب رائحة منزله، زوجته لطيفة ولكن أمي أجمل منها، أخي لا يشبهني ولا أستمتع باللعب معه، الأمر كله يجعلني أشعر بعدم الانتماء. كطفلة مرت بالطلاق، شعرت كمثل وفاة الأب أو الاغتراب عن الوطن والتنقل من دولة إلى أخرى، مثل التعرض لحادث ترك أثرًا جليًا، عليك شرحه لمن حولك ولا تعرف كيف! تجربة مؤلمة ضمن العديد من التجارب المؤلمة المقدر لأي طفل أن يمر خلالها. أعرف أن غريزتك كأم تدفعك لحمايته، ولكنك تعرفين أنك لست قادرة على منع الحياة من تربية طفلك وسحق عواطفه في تلك الأثناء، ولكن يظل الاختلاف الوحيد بين الطلاق وكل التجارب المؤلمة الأخرى، أنه بأمكانك أن تسهليه على طفلك، وتساعديه على تخطي الألم.

اقرأ أيضًا: 15خطأ شائعًا في حق الأبناء بعد الطلاق

هل الزواج الفاشل أفضل من الطلاق؟

ربما تتساءلين: هل التحمل والتكملة بعلاقة زواج غير صحية تعيسة وبائسة، أفضل لصحة طفلك كما نستمع دائمًا “استحملي عشان ولادك”. ليس بالضرورة، لأن الطلاق في حد ذاته لا يشكل الفارق الجوهري بين طفل سوي وآخر تعيس أو فاشل أو مريض نفسي، بل البيئة المحيطة هي التي تفعل، في النهاية الطفل شخص فاقد للسيطرة على الأحداث من حوله، سواء كان يعيش مع كلا والديه، أو برفقة أحدهما. يمكن للزواج التعيس أن يحدث نفس الأثر أو أسوأ على نفسية الطفل، ويمكن لطلاق صحي أن يمر بسلام وينتج عنه أطفال سعداء وأسوياء، كيف يعيش الطفل بين والديه وكيف نشرح له علاقتنا هو الأهم.

أبوكي وأمك لسة بيضربوا بعض؟

لن أنسى هذه الجملة ما حييت، كنت أتسكع مع صديقتي في النادي، نتبادل حكايات المدرسة والصبيان والدراسة، في أثناء مرور مدير النادي على الكانتين، وما أن رآني حتى تذكر وجهي جيدًا، تلك هي الفتاة التي تنفذ حكم رؤية والدها في النادي هنا، فأقبل إليّ كنائب دائرة يطمئن على ناخبيه، حوله رجلان يختصر لهما تعريفًا ما عني لكني أتوقعه، سألني عن أحوالي وسني وفي أي صف صرت، وهل لا زال أبي وأمي يضربان بعضهما؟ لا أعرف كم عدد الأشهر التي بكيتها وأنا أفهم أخيرًا أن كل التحيات التي أتلقاها في النادي من العاملين والمشرفين، لم تكن حبًا في، بل كان مصدر شهرتي حينها هي مشادة حادة دارت بين والديّ في النادي، صرت بعدها معروفة بالفتاة التي ضرب أبواها بعضهما هناك!

اقرأ أيضًا: الارتباك العاطفي للأبناء بعد الطلاق

ما الذي يطبله منك طفلك؟

أعرف السيناريوهات التي تدور في رأسك، وأستطيع أن أوكد لك، لن يلومك طفلك أبدًا على قراراتك الشخصية وخصوصًا الطلاق، ما  دمتِ استطعتِ أن توفري له التالي، والذي يندرج تحت بند بيئة معيشة صحية وآمنة:

  • حياة مستقلة: غرفة خاصة ومدرسة واحدة وبيت هادئ، خصوصية لحياته بعيدًا عن تدخلات المحيطين، أيًّا كانت درجة قربهم، بدافع معرفة مصلحته أو محبته أو لأنه لأبوين منفصلين.
  • صورة ذهنية صحية عن والديه، لا يوجد فيها ملاك ولا شيطان، ولا طرف أفضل من الآخر، لا تحملي أطفالك فوق طاقتهم النفسية، لا تجعليهم طرفًا في الصراع من الأساس.
  • جبهة تربية موحدة: نفس القواعد في البيتين، تواصل حقيقي، ووقت هادئ بلا توتر مخصص للطفل يكون فيه برفقة كلا والديه.
  • طفولة خالية من الذنب: تقديم باقة ورد لبابا لا تعني أني أكره أمي، وتقبيل خالي لا يعني أنني استبدلت أبي.
  • لا تستعلمي أطفالك كوسيلة ضغط على طليقك، أو مكافأة للسلوك المرغوب فيه منه، وعقاب للتقصير في المصروفات الشهرية كذلك، تذكري.. لا تجعليهم طرفًا في الصراع.
  • لا تحكّمي أطفالك في علاقتك الزوجية وتطالبيهم بالانحياز إلى صف دون الآخر. وربما عليكِ أن تتحدثي إليهم لاحقًا بمجرد أن تسمح أعمارهم بذلك عن أسباب الانفصال، دون تجميل أو تهويل وبطريقة مناسبة لجميع الأطراف.
  • لا تتنقلي كثيرًا ولا تترددي في قراراتك، لا يحتاج الطفل لأكثر من الاستقرار للشعور بالأمان، سواء كان بين أبوين منفصلين أم لا، الاستقرار هو ما يضمن لكِ أكبر قدر من الاتزان النفسي لطفلك.
  • لا تهملي صحتك النفسية أو الجسدية، لأنه ينعكس ذلك على طفلك بصورة واضحة.
  • لا تمني على أطفالك بتضحياتك من أجلهم، التي لم يطلبها منك أحد.
  • هيئي طفلك نفسيًا للتعامل مع أي نوع من المستجدات قبلها بفترة، خيريه بين أمرين مناسبين لك، ليشعر بشيء من السيطرة على حياته، حتى لو بين لونين لطلاء غرفته الجديدة.

اقرأ أيضًا: لماذا لم يخبرنا أهلنا عن الطلاق؟

نحن نكبر، ونعذر آبائنا، نفهم صعوبة الحياة الزوجية واستحالتها في بعض الأوقات، ويسهل علينا رؤية المحبة والخوف الكامنين خلف أسوأ تصرفات آبائنا نحونا، ولكننا لا ننسى دموع آبائنا وصرخاتهم وتعاستهم، لذا.. افعلي ما يجعلك أمًا سعيدة ومرتاحة، أمًا حاضرة وحنونة وفي قلبها ما يكفي من الحب لنفسها ولأولادها.

اقرأ أيضًا: كيف يمكن استكمال العلاقة بين الأطفال ووالديهم بعد الطلاق؟

المقالة السابقةالرومانسية المفقودة
المقالة القادمةالحرب الوهمية لاختيار شريك الحياة
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا