مؤخرًا كان هناك عروس في عائلتي، فتاة ناضجة جميلة من أسرة طيبة ومعها ما يكفي من مال لتجهيز بيتها الجديد مع زوجها المرتقب. في جلسة عائلية حميمة كانت تقسم المال اللازم للجهاز على البنود التي يجب أن يغطيها المبلغ، تربع على رأس القائمة مصروفات كثيرة كلها مخصصة للأطباء، طبيب الأسنان وطبيب التغذية وطبيب جراحة تجميل، اكتشفت بعدها أن هذا إجراء متبع لدى العرائس الجديدات، أن يذهبن لطبيب أسنان متخصص في تجميل الأسنان ليبيضن أسنانهن، ويذهبن لطبيب تغذية كي يتبعن حمية قاسية قبل الزفاف، وطبيب جراحة التجميل كي يقمن بحقن البوتوكس والفيلر لرفع الخدود أو إجراء عدد من التغييرات والتعديلات، واقتراح روشتة طويلة من الكريمات الموضعية لمعالجة آثار أي خطوط في الجسم، ولتفتيح مناطق بعينها، هذا إلى جانب جلسات إزالة الشعر الزائد بالليزر، ميزانية ضخمة جدًا أصبحت تقليدًا جديدًا للعرائس، يقمن بها فقط إذا اقترب الزفاف، خوفًا من ألا تكون العروس على المستوى المتوقع شكلاً منها عند ممارسة العلاقة الحميمة.
العلاقة بين شكل الجسم وممارسة الجنس
الخطوط الناجمة عن محاولات التخسيس أو علامات التمدد بعد الحمل والولادة، المناطق الداكنة في بعض أجزاء الجسم، أو الوزن الزائد كلها عوامل تحبس عقل المرأة في منطقة ضيقة، تجعلها ترى أنها لا تستحق جنسًا ممتعًا، لأنها تعاني من عيوب جسدية، في حين أن هذه الأمور لا تؤثر بشكل حقيقي في الممارسة الجنسية الفعلية
تؤثر الصورة الذهنية على إقبال النساء على ممارسة الجنس، ففي حين تقبل النساء ذوات الصورة الذهنية الذاتية الجيدة عن أنفسهن واللاتي يشعرن برضا عن شكل أجسادهن على ممارسة الجنس مع شركائهن، ويحظين بعلاقة حميمة مشبعة، ويصلن لذروة الجماع بسهولة، فإن النساء اللاتي يمتلكن صورة ذهنية سلبية عن أنفسهن ولا يتمتعن بالرضا النفسي عن شكل أجسادهن، يحظين بعلاقة جنسية محبطة، بغض النظر عن أداء الشريك، ويفضلن ممارسة الجنس في الظلام، ولا يصلن لذروة الجماع بسهولة، بل يصل الأمر في بعض الأحيان إلى تجنب العلاقة الجنسية بالكامل، خجلاً من شكل أجسادهن، ولأنهن يرين أنفسهن أقل استحقاقًا لعلاقة جنسية مرضية، بناءً على صورتهن الذهنية السلبية عن شكل أجسادهن.
هذه المشكلة لا تؤثر فقط في أفكار المرأة، بل في تصرفاتها أيضًا، فقد صادفت منذ أيام منشورًا على إحدى المجموعات النسائية تسأل صاحبته عن مدى جودة شكل جزء معين من أعضائها الحميمة، وتسأل كيف تعالج هذا المظهر غير المرغوب، الجزء الذي كانت تسأل عنه بالمناسبة كان طبيعيًا تمامًا غير مشوه وغير متضرر، المشكلة الوحيدة أنه فقط لا يشبه الشكل الذي تظن النساء أنه سائد لدى الغالبية، والذي تظن أيضًا أن الرجل يفضله عن غيره.
هذا الحديث متكرر جدًا في المجموعات النسائية وفي الأحاديث العائلية الحميمة، دومًا ما يكون هناك جزء يجعل السيدة أو الفتاة تشعر أنها تحمل وصمًا من نوع ما، وأنها ليست مقبولة بسببه، وأن هذا الجزء الصغير سوف يجعلها غير جيدة في الفراش، ولن يشعر زوجها بالإشباع بسببه، الخطوط الناجمة عن محاولات التخسيس أو علامات التمدد بعد الحمل والولادة، المناطق الداكنة في بعض أجزاء الجسم، أو الوزن الزائد كلها عوامل تحبس عقل المرأة في منطقة ضيقة، تجعلها ترى أنها لا تستحق جنسًا ممتعًا، لأنها تعاني من عيوب جسدية، في حين أن هذه الأمور لا تؤثر بشكل حقيقي في الممارسة الجنسية الفعلية.
منتجات وعمليات التجميل لتحسين صورة الجسم
لا نستطيع أن نلوم المرأة وحدها في تبنيها لهذه الأفكار السلبية عن جسدها، ولا في أفكارها المغلوطة حول ضرورة أن تمتلك جسدًا مثاليًا ليس به أي عيوب، وكأنها تمثال شمعي جميل موضوع في واجهة عرض، لم يتعرض لأي عوامل تعرية ولم يمسه بشر، بل أن المرأة واقعة تحت ضغط مجتمعي هائل يصدر لها الصور المثالية لموديلات الإعلانات، ويلومها على كونها لا تشبههم.
في عيد الحب مثلاً انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي إعلان لإحدى عيادات التجميل، عبارة عن دعوة للرجل أن ينفق أمواله في عمليات تجميل لزوجته، بدلاً من أن يتزوج بأخرى، تحت شعار “ظبّط القديمة بدل ما تصرف عالجديدة”، وبغض النظر عن الامتهان الواضح للمرأة في الإعلان، إلا أن هذا الإعلان على فجاجته كان مؤشرًا حقيقيًا جدًا على كيف يتعامل المجتمع مع جسد المرأة، وكم الضغط الذي تتعرض له السيدات كي يظهرن في أبهى شكل وكأنهن لسن بشرًا.
فالكثير من المجلات الخاصة بالمرأة والإعلانات والبرامج الموجهة للمرأة، توجه السيدات والفتيات نحو ضرورة إجراء عمليات التجميل قبل الزفاف، ولم تعد عمليات التجميل تقتصر على سن معينة أو ضرورات محددة، أنا مثلاً زرت طبيبة جلدية منذ فترة وسألتها عن كريم العين المناسب الذي يجب أن أستخدمه، كوني تخطيت الثانية والثلاثين وأرغب في الحفاظ على شكلي، فكان أول ما نصحتني به الطبيبة هو حقن الفيلر كي أخفي الخطوط تحت العين، هذا مع كوني لا يظهر تحت عيني أصلاً سوى خطوط قليلة ورفيعة جدًا، وأنا أصلاً لم أطلب إزالتها.
اقرأ أيضًا: عمليات التجميل: لماذا انتشرت لهذا الحد؟ وما مخاطرها؟
الثقافة الجنسية الصحيحة
هوس المجتمع بالشكل المثالي للمرأة يمتد ليحكم على العلاقة الحميمة بين الأزواج، ويحصرها في إطار من عدم الرضا والتكتم الشديد، فنجد مشكلات متكررة لسيدات يشتكين من أزواجهن، لأنهم يشاهدون المواد الإباحية، حتى لو لم تكن الزوجة رافضة للعلاقة الحميمة أو مقصرة فيها، ولكن الرجل الذي يستقي ثقافته الجنسية من الأفلام الإباحية لن يشعر بالإشباع غالبًا من علاقته الزوجية فقط، بل يحتاج دومًا إلى تعزيز خياله بصور حسية لسيدات لا يمتلكن أي غلطة في أجسادهن المعروضة على الشاشة أمامه.
الثقافة الجنسية ضرورة لتجنب العذاب الذي يعانيه الزوجين، جراء حصولهما على معلوماتهما المتعلقة بالممارسات الحميمة من مصادر خاطئة، الكثير من المواقع الآن تقدم هذه المعلومات بمصادر موثقة ولغة سهلة وبسيطة
يتجاهل الجميع أن المواد الإباحية صناعة ضخمة، يضخ فيها كم هائل من الأموال، وأن الممثلة التي تقوم بالأداء في هذه الأفلام لا يجب أن تكون بالضرورة كاملة في الحقيقة، ولكن هناك جيش من أطباء التجميل وخبراء الماكياج، إلى جانب الإضاءة المدروسة وزوايا التصوير، والتي تنتج في النهاية صورة مثالية ليست حقيقية بالمرة، عن ممارسة الجنس وعن جسد المرأة المثالي، وأن ما يحدث على الشاشة لن يحظى به الزوجين في الغالب، لأن معظمه أصلاً سكريبت مكتوب يتبعه المؤدين على الشاشة.
الثقافة الجنسية ضرورة لتجنب العذاب الذي يعانيه الزوجين، جراء حصولهما على معلوماتهما المتعلقة بالممارسات الحميمة من مصادر خاطئة، الكثير من المواقع الآن تقدم هذه المعلومات بمصادر موثقة ولغة سهلة وبسيطة، ولكنها علمية، والأهم أنها حقيقية لا شبهة فيها للخداع ولا لتزييف الحقائق. القراءة هي أول خطوات علاج أي مشكلة خاصة بالتثقيف، والتثقيف الجنسي أحد أهم العوامل التي تساهم في بناء علاقة زوجية ناجحة.
اقرأ أيضًا: الهوس بالجمال: أشكاله وأسبابه وكيف تتخلصين منه
عوامل نجاح العلاقة الجنسية بين الزوجين
في مقال منشور على موقع جامعة هارفارد، إحدى أعرق الجامعات الأمريكية، عن أهم العوامل التي تؤثر في جودة العلاقة الحميمة، وكيف يمكن أن يحصل الإنسان على جنس ممتع. المقال مكون من إحدى عشرة نقطة، ليس من بينها أي نقطة تتحدث عن ضرورة امتلاك جسد مثالي أو خالٍ من العيوب، بل تتمحور النقاط غالبا حول التثقيف الجنسي، واستخدام وسائل تساعد في تسهيل العملية الجنسية بين الشريكين، والاهتمام بما يسعدك ويسعد شريكك في الفراش.
أيضا من أكثر العوامل أهمية في إنجاح العلاقة الجنسية بين الشريكين عامل الكلام، فالحديث عن الأمور التي تسعد كل طرف والحديث عن المشكلات التي تواجه الزوجين في الأمور الحسية، وما يفضله كل منهما وما يرغبان في تجربته معًا، من أكثر العوامل أهمية في جنس مشبع، أيضًا الحديث بعد إتمام العلاقة الجنسية وتقييمها بحرية، وإخبار الطرف الآخر بأكثر ما كان ممتعًا، وإذا ما كان هناك شيء مؤلم أو غير مريح، والحديث عن التخيلات الجنسية والرغبات المخبأة بين الشريكين، واختيار أكثر السيناريوهات توافقًا بين الطرفين لتنفيذه أيضًا من عوامل نجاح العلاقة الجنسية.
كل هذا لا يعني أننا نروج لإهمال الجسد أو عدم إيلاؤه العناية، بل فقط نحن نركز على أن شكل الأجساد مختلف من إنسان لآخر، وأنه مهما كان شكل جسدك فهذا لا يعني أبدًا أنه قبيح، وأن الصورة الذهنية التي تتكون داخل عقول السيدات في الغالب ليست حقيقية، ولكنها تكونت بسبب الكثير من العوامل الضاغطة التي لم تساعد المرأة في قبول نفسها، بل ألقتها في دوامة تدور بلا نهاية ولا توصل إلى أي شيء، جسدك جميل أيًّا كان شكله، والعيوب التي تراها عينيك لا يجب أن تحرمك من علاقة جنسية مشبعة وممتعة، فهناك الكثير جدًا من العوامل الأكثر أهمية من بعض الخطوط البيضاء أو البقع الداكنة، إذا أعطيتها الفرصة فلن تتذكري أصلاً أنك تمتلكين أي عيوب شكلية.
اقرأ أيضًا: لماذا نكره أجسادنا: كيف تحددين المشكلة؟ وكيف تواجهينها؟
جميل أوي.. وحقيقي جدا
مقال عظيم ومهم جدا
حقيقي مقال جميل جدا شكرا لكي