“البيوت أسرار”، واحدة من أكثر العبارات التي استخدمت لإخفاء جرائم عنف أسري ترتكب في حق النساء والأطفال داخل الأسر، في المنطقة العربية بشكلٍ خاص، فما إن تُقرر امرأة أن تُعلن أنها ضحية عنف وتُطالب بوقف الجاني، حتى تصفعها عائلتها وبيئتها بهذه الجملة، مع نصائح عن التحمل وعدم خراب البيوت وضرورة غض الطرف عن علامات العنف الأسري باعتبارها روتينًا يحدث في كل الأسر.
بحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، بتاريخ 25 نوفمبر 2019، فإن 34% من السيدات المصريات اللاتي سبق لهن الزواج تعرضن لعنف بدني أو جنسي من قبل الأزواج، 90% من السيدات المصريات تعرضن للختان، 27.4% من السيدات المصريات تزوجن قبل بلوغهن سن الثامنة عشر.
ويُمكن القول أن هذه الإحصائيات زادت في عام 2020، في ظل غياب التشريعات التي تُجرم العنف الأسري ضد النساء والأطفال في مصر، خصوصًا أن أزمة فيروس كورونا المستجد التي أثرت سلبًا على الأوضاع الاقتصادية للأسر المصرية، وأجبرت أفراد الأسرة على التزام المنازل تطبيقًا لإجراءات الوقاية، ساهمت في ارتفاع وتيرة العنف بين أفراد الأسرة الواحدة، وغالبًا ما تكون ضحاياه من النساء والأطفال، الحلقة الأضعف في دائرة العنف الأسري.
تعريف العنف الأسري عند علماء النفس
العنف أو الإساءة أو الإيذاء، بشكلٍ عام يُعرَّف على أنه استغلال شخص ما لقوته أو سلطته بطريقة مسيئة أو مؤذية في التعامل مع شخص آخر أقل قوة أو قدرة أو حيلة، بحيث يكون الأخير غير قادر على حماية نفسه من التعرض لهذا العنف أو الإساءة أو الأذى، ويصبح هذا العنف أسريًا، عندما يقع بين أفراد الأسرة الواحدة.
يرى د. محمد طه استشاري الطب النفسي، أن العنف غريزة أساسية ضمن غريزتين، هما: العنف والجنس، نُولد جميعًا بهما. وقد احتار العلماء في تصنيف العنف كغريزة حياة، كونه وسيلة للدفاع عن النفس أو غريزة موت باعتباره مسببًا للأذى، أما فرويد فقد وضع العنف كغريزة مستقلة بعيدًا عن التصنيفين.
ويتابع طه: إن أول أشكال العنف عند الإنسان تظهر من محاولات الرضيع لعض ثدي والدته أثناء الرضاعة، فأكثر وقت يُظهر فيه الإنسان ميله للعنف من عمر عامين وحتى 4 أعوامٍ، ويكون الأمر طبيعيًا ما لم يصل إلى الحد المرضي. ويقع على الأسرة والمدرسة والبيئة والمجتمع مهمة توجيه غريزة العنف في اتجاه التهذيب والإنتاج والإبداع، وإلا اتجه في طريق التدمير والخراب.
تعرفي على: الوقاية من العنف ضد المرأة: دليلك للخروج من دائرة العنف
أما العنف الأسري، فيُعرف على أنه أي فعل يؤدي إلى إلحاق أذى/ إساءة بين أفراد الأسرة الواحدة، كعنف الزوج ضد زوجته، وعُنف الزوجة ضد زوجها، وعنف أحد الوالدين أو كليهما تجاه الأولاد، أو عنف الأولاد تجاه والديهم، حيث يكون المُعنف هو الطرف الأقوى، الذي يُمارس العنف ضد الضحية الذي يُمثّل الطرف الأضعف.
عادةً ما يعتقد كثيرون أن العنف هو أي فعل يلحق أذى بالجسد ويترك عليه علامات، لكن العنف أنواع عدة، منها: العنف الجسدي، العنف اللفظي، العنف المعنوي، العنف الجنسي، العنف الاقتصادي.
أنواع العنف الأسري
ترى د. ايمان عبد الله أخصائية العلاقات الأسرية، أن ظاهرة العنف الأسري متجذرة منذ قديم الأزل، والدليل على ذلك قصة قابيل وهابيل التي ورد ذكرها بأشكالٍ مختلفة على مر العصور. وتشير إلى أن علماء الاجتماع يُطلقون مصطلح “الإرهاب الأسري” على ظاهرة العنف الأسري، التي عادةً ما تظل حبيسة جدران المنازل، لكنها تظهر بعد ذلك على الأفراد في شكل سلوكيات إجرامية ومنحرفة، تنضوي على عنف متكرر.
يتفق غالبية علماء النفس والطب النفسي على أن العنف الأسري لا يُفرق بين طبقة اجتماعية أو درجة تعليمية وأخرى، ولا يرتبط بسن محددة للضحية، ويُمكن أن يُصنف تحت 5 أنواع، هي:
العنف الجسدي
أكثر أنواع العنف المتعارف عليها، كونه يترك علامات ظاهرة على الجسد لا تخطئها العين، ويتضمن قيام الشخص المعنف بإيذاء الضحية جسديًا بفعلٍ ما، قد يتضمن: الضرب، جذب الضحية من شعرها، التقييد والحبس، الحرمان من الطعام والشراب والعلاج، الحرق والتشويه، التكسير، الإجبار على تناول مواد سامة/ ضارة/ مخدرات، الختان وتشويه الأعضاء التناسلية.
العنف اللفظي
أن يقوم الشخص المُعنف بإيذاء الضحية من خلال الألفاظ والكلمات، سواء فيما بينهما أو في حضور آخرين، فيقوم بإطلاق الكلمات والتهديدات المسيئة، معتمدًا على قوته وسيطرته على الآخر، مثل: الشتم والسب، الصراخ، الاحتقار والإهانة، التهديد بالقتل/ الطلاق/ الحرمان، اللوم المستمر، النقد الهدام، اطلاق ألفاظ التنمر.
العنف النفسي
يُعرف أيضًا بالعنف المعنوي أو العنف العاطفي أو العنف الروحي، وهو أكثر أنواع العنف الأسري خطورة، لأنه غير محسوس وغير ملموس بالنسبة للضحية والأشخاص من حولها، وهو كل فعل يؤثر سلبًا على الحالة النفسية للضحية، ويأخذ أشكالًا عدة
منها: الإهمال العاطفي، التجاهل، الابتزاز العاطفي، عدم السماح بالتعبير عن المشاعر والاحتياجات، العزل الاجتماعي، السيطرة على الأفعال، تحميل الضحية مسؤولية مشاعر الجاني.
العنف الجنسي
هو أي وضع يتم فيه استخدام القوة أو التهديد من قبل الجاني للحصول على مشاركة في نشاط جنسي غير مرغوب، أو إجبار الضحية على الانخراط في ممارسة الجنس رغمًا عنها، حتى لو كان هناك ممارسة سابقة للجنس بالتراضي بينهما، ومن أشكاله: الاغتصاب، الاغتصاب الزوجي، التحرش، رفض استخدام وسائل حماية سواء لمنع الحمل أو للوقاية من الأمراض الجنسية المعدية، إجبار الضحية على ممارسات جنسية لا ترغب بها، كشوف العذرية.
العنف الاقتصادي
ويُعرف أيضًا باسم العنف المالي، ويحدث عندما يتحكم أحد أفراد الأسرة بالموارد المالية والاقتصادية الخاصة بالضحية، ويمنعها من الحصول عليها أو التحكم تبعًا لرغبتها، ومن أشكاله: الاستيلاء على الراتب الشهري أو المعاش، المنع من العمل أو الدراسة، الإجبار على بيع أو التصرف في ممتلكات الضحية، الحرمان من الميراث.
تعرفي على: تأثير العنف الأسري على الأطفال: نفسيًا وصحيًا وعقليًا
علامات العنف الأسري الواقعة على المرأة والطفل
بحسب آخر إحصائية لمنظمة الصحة العالمية، فإن واحدة من بين ثلاث نساء هي عرضة للعنف الجسدي أو الجنسي، وأن 1 من كل 5 نساء و1 من 13 رجل يبلّغون عن تعرّضهم للإيذاء الجنسي في مرحلة الطفولة، و41 ألف طفل دون سن الخامسة عشر يُسجلون عالميًا كضحايا عنف وإهمال.
اليوم هو اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة.
1 من 3 نساء 👩🏽🧕🏽👩🏽🦱 في جميع أنحاء العالم يشهدن عنفاً بدنياً أو جنسياً 💔.
💟 فلنعمل من أجل القضاء على #العنف_ضد_المرأة 💟 pic.twitter.com/FWuHt8OnKn
— WHO EMRO (@WHOEMRO) November 25, 2020
في غياب النص القانوني الذي يُجرم العنف الأسري الواقع على النساء والأطفال، يظل التصدي لظواهر العنف الأسري مبادرات فردية ومجتمعية من قبل منظمات المجتمع المدني، التي تُحاول بالوعي أن تكسر دائرة العنف من خلال مساعدة المرأة على معرفة حقوقها وتقديم الدعم اللازم لتكون قادرة على رفض كل أشكال العنف الواقعة عليها. ولأن التشخيص أول خطوة في العلاج، فمعرفة علامات العنف الأسري ضرورة ملحة.
تعرفي على: التخلص من العلاقات المؤذية: تعريف العلاقة المسيئة وعلاماتها
علامات العنف الأسري الجسدي
- الضرب: بالأيدي أو الركل، الصفع، شذب الضحية من الشعر، استخدام آلات حادة، الحرق، التكسير.
- الحرمان من الطعام والشراب والعلاج.
- الختان وتشويه الأعضاء التناسلية.
- الإجبار على تناول مواد سامة/ ضارة/ مخدرات.
- الإجبار على المبالغة في تنظيف المنزل أو تقديم خدمات للآخرين من شأنها الإضرار بالصحة.
- العقاب الوحشي للأطفال: التقييد للأثاث، اللسع/ الحرق، غياب الرعاية الصحية، عدم توفير الاحتياجات الأساسية مثل الطعام والملابس.
- جرائم الشرف.
علامات العنف الأسري اللفظي
- الشتائم والسباب
- التحقير من الشأن والمقارنة بالغير: “إنتِ ولا حاجة”، “إنتِ فاكرة نفسك ست!”، “شوف ابن خالتك/ ابن عمك/ صديقك عمل إيه”.
- التهديد والضغط على نقاط الضعف، مثل: التهديد بالطلاق/ بالقتل/ بالحرمان من الأطفال، أن يهدد الجاني بالانتحار في حال أقدمت الضحية على خطوة لتنقذها.
- النقد الهدام واللوم المتكرر، مثل: “إنتِ السبب في كذا”، “إهمالك السبب”، “أم فاشلة”.
- تهديد وتخويف الأطفال: “هحبسك في أوضة ضلمة”، “هحبسك في أوضة الفئران”، “هضربك”، “هسيب البيت وأمشي”.
- الاستخفاف بالطفل وتحقيره والسخرية منه وإطلاق ألقاب تقلل منهم أو تسيء إليهم.
- التنمر.
علامات العنف الأسري النفسي
- الحرمان والإهمال العاطفي، والتحقير من الاحتياجات العاطفية للمرأة والطفل، مثل: حاجتهم للكلمة الحلوة، العناق، التشجيع.
- عدم السماح للمرأة والطفل بالتعبير عن مشاعرهم واحتياجاتهم العاطفية، مثل القول للطفل الذكر “مفيش راجل بيعيط”، وإنكار حق المرأة في طلب العلاقة الجنسية من الشريك.
- فرض عزلة اجتماعية على الضحية بالحرمان من الأهل والأصدقاء.
- التجاهل والإهمال والتعامل مع المرأة كأنها شيء وليست إنسانًا له حقوق واحتياجات.
- تحميل الضحية مسؤولية مشاعر وتصرفات الجاني، مثل: “إنتِ اللي عصبتيني”، “إنتِ خلتيني أضربك”، “إنتِ السبب عشان كدا خنتك”.
- الحرمان من العلاج النفسي.
- تحميل الطفل مسؤولية أكبر من عمره، مثل: مسؤولية الشقيق الأصغر، رعاية وتنظيف المنزل، أن يُترك وحده في المنزل في سنٍ صغيرة.
- مطالبة الطفل/ المراهق بتحقيق الأحلام التي عجز الوالدين أو أحدهما في تحقيقها، مثل: “أنا عايزك تطلع الأول على فصلك”، “أنا عايزك تطلع دكتور/ مهندس/ ضابط”.
علامات العنف الأسري الجنسي
- الاغتصاب، الاعتداء الجنسي، والذي غالبًا ما يتضمن إيلاج جنسي أو أي أشكال أخرى من الاختراق الجنسي التي ترتكب تجاه المرأة دون موافقتها.
- الاغتصاب الزوجي، من خلال إجبار الزوج لزوجته على علاقة جنسية دون رضاها.
- التحرش الجنسي باللفظ أو الفعل أو عرض مواد إباحية أو قص حكايات جنسية للأطفال.
- كشوف العذرية.
- اغتصاب الطفل من خلال الإجبار أو الخداع أو التهديد أو الإلزام.
- رفض استخدام وسائل حماية سواء لمنع الحمل أو للوقاية من الأمراض الجنسية المعدية.
- إجبار المرأة على أي ممارسة جنسية دون رضاها.
علامات العنف الأسري الاقتصادي
- منع المرأة من العمل أو الدراسة.
- التحكم في راتب المرأة أو المعاش المقرر لها بعد وفاة أحد الوالدين.
- إجبار النساء على بيع مصاغهم/ ممتلكاتهم.
- فرض قرارات مالية من شأنها تحويل المرأة إلى تابع ومعتمدة اعتمادًا كليًا على الآخر.
- إجبار المرأة على العمل وتقديم خدمات أخرى في أعمال تخص الأسرة دون أجر، مثل استغلال الريفيات في أعمال الفلاحة ورعاية الحيوانات الداجنة.
- الحرمان من الميراث.
- التمييز في الإنفاق على أساس الجنس بين الأبناء.
- حرمان الطفل من المصروف.
