ما هو القلق ؟

687

بقلم: ياسمين غبارة

يقولون إن القلق هو: مجموعة من العناصر الإدراكية والجسدية والسلوكية لخلق شعور غير سار، يرتبط عادة بعدم الارتياح…

لم أقرأ تتمة الكلام، فعندما وصلت إلى كلمة “عدم الارتياح” توقفت، لأنني وجدت ضالتي، فمهما قالوا وكتبوا عن القلق ستظل هذه الكلمة هي أفضل ما يعبر عما بداخلى: عدم الارتياح.

ما هو القلق؟ وكيف أشعر به؟

هل عدم الارتياح هو شعور في حد ذاته، أم هو نتيجة لشعوري بالقلق؟ هل هو مرادف للقلق، أم من أسبابه؟ لا أعلم، فالقلق كلمة ترديدها يصيبني ويصيب من حولي بالارتباك، حرف القاف بما فيه من لقلقة وقلقلة يقلقني، فأكتمها ولا أقولها، فينطق بها جسدى، أعبث في أصابعي، أحرك ساقي في ذبذباتٍ منتظمة، أجلس على حافة الكرسي، فتقول لي صديقة: “مالك قاعدة مُتأهبة كده ليه؟ إنتي قلقاني!”، فتصطدم الكلمة التي أهرب منها بأذني، مما يدفعنى إلى الابتسام والجلوس مسترخية، في محاولة لطرد القلق عن جوارحي، فلا ألبث إلا أن أجد شابًا لطيفًا يسألني عما سأطلبه في الكافيه.

 يعود ظهري إلى الاعتدال في وضعٍ مستقيم، وتبدأ عيني في التحرك بمؤشر التفكير، أطلب أي شيء فيه شوكولاتة وقهوة، مع مليون فكرة عن كيف لا أجعل صديقتي تدفع الحساب بعد أن ننتهي، وما الموضوعات التي من الممكن أن أتحدث فيها معها، دون أن يسبب ذلك لي ضيقًا عندما أعود للمنزل، وأمارس هوايتي باسترجاع كل ما قلته وقالته لي مرارًا وتكرارًا في الوعي واللا وعي، أنتبه لكلمتها بـ”ها؟ وإيه كمان؟”، فأبحث في ذهني عن تلك الأخبار التي يمكن أن أحكيها، يكاد القلق يتملكني. تأتي القهوة فأتنفس الصعداء. ها هو المشروب الذي ترتبط رؤيته ورائحته بكل ما يمكن أن يعتريني من استرخاء وسعادة.

هل تنقذني القهوة من القلق؟

القهوة بالنسبة لي ليست مجرد مشروب، فأنا لا أحب أن أشرب القهوة في ظروف عادية أبدًا، فليس هدفي هو أن أُدخِل الكافيين جسمي فقط،  بل يجب أن أتهيأ له، فأختار الجلسة المريحة، وضوء الشمس المبهج غير المزعج للعين، موبايل مغلق، هدوء نسبي وبعض الشوكولاتة، وأفق ما أتأمله ولو كنت سأضطر للنظر إلى أعلى لأجد تلك السماء التي لا نهاية لها، أتأملها للحظات، ثم أعاني من آلام الرقبة بعد ذلك، أو أحتسيها مع أمي، فتعادل هي كل ذلك دون أن تفعل أي شيء سوى أنها أمي، أشعر بأني أرتشف لحظات شرب القهوة لا القهوة ذاتها، ولم أعد أعلم هل ما أحتاج إليه هو القهوة فعلاً لأحارب قلقي بشجاعة، أم لحظات من السلام أقتنصها من الدنيا بحجة القهوة؟ وهل أحتاج إلى حجة حتى أحظى بعملية نفسية تدويرية تدخل فيها كل مسببات القلق وتخرج منها سرابًا يتطاير كالسحاب؟!

كيف أتخلص من القلق؟

أنظر أحيانًا إلى كل ما حولي من نِعم، فيترجمها عقلي إلى مسببات للضغوط والقلق، كم أتمنى لو أننى جهازًا له قابس أنزعه وأرتاح! كم أتمنى لو أتمسك بتلك اللحظات التي يبدو فيها كل شيء أمامي واضحًا لا يحتمل التباسًا! وغالبًا تكون لحظات تتملكني فيها حالة بأن الموت قريب، وقتها فقط يبدو كل قلقي سرابًا يركض خلفي، يقيدني حينًا، يعطلني كثيرًا، ولكنه أحيانًا يدفعني دفعًا إلى البحث والاجتهاد والتفكير والطرق المستمر لباب الحقيقة.

لم أتخلص من القلق وإن كنت لا أكف عن المحاولة، أنا بشر مخلوق أحمل قلقي على ظهرٍ محنٍ، ولا أعلم أين أضعه، أجلس قليلاً لأحتسي القهوة وأضعه بجانبي، ثم أعود لأحمله مرة أخرى، أسير به إلى بيتي، أقوم بكل ما يجب وأنا أحمله، ثم أجلس آخر الليل أتنفس الصعداء مع مشروب ساخن، ثم أنظر بجانبي فأرى قلقي وهمّي بجواري، أحملهم لأنام بهم نومًا عميقَ الاضطراب، وما زلت أسير وكل أملي أن يتساقط مني حِملي شيئًا فشيئًا، فلا أريد أن أصل به إلى باب الحقيقة، أريد أن أدخل وأترك قلقي خارجًا وحيدًا يتلاشى كما سيتلاشى كل ما هو غير حقيقي يومًا ما.

المقالة السابقةعلامات العنف الأسري: كيف تعرفين أنك وطفلك ضحايا ؟
المقالة القادمة15 خطوة عملية: كيف تخرجين من بيت عنيف؟
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا