حقيقة 1: العنف الاقتصادي أحد أهم أسباب قبول النساء/الفتيات للعنف الأسري
أيهما جاء أولاً.. البيضة أم الدجاجة؟ سؤال لطالما حيَّر الكثيرين، أظنني وقعت بالحيرة نفسها حين شرعت في القراءة عن العنف ضد المرأة، فهو على اختلاف أشكاله وأسبابه وحتى نتائجه، رُبما يكون لأحد أنواعه أسبقية على الآخر، وعلاقة سببية تجعل أشكال العنف تترتب على بعضها. أغلب الظن، أن العنف الاقتصادي جاء أولاً، كونه يتسبب بشلل تام لأجنحة النساء، فيمنعهن من التحليق عاليًا ويُقَوِّض آمالهن العريضة، ولا يلبثن أن يرضخن لحياة أسوأ من الموت.
ما هو العنف الاقتصادي؟
في البداية مصطلح “العنف الاقتصادي”، هو نوع من العنف أو الأذى تتعرض له المرأة نتيجة وقوعها أسيرة تَحَكُّم الأهل أو الزوج، هؤلاء مَن يمنعونها أن يكون لها موردًا اقتصاديًا مُستقلاً لتظل مُعتمدة عليهم، وبالتالي خاضعة لهم بالحاضر والمستقبل.
تعرفي أيضًا على: العنف الجسدي: علامات تدل على عنف الشريك وكيف تنجي بنفسك
حقيقة 2: النساء أكثر عرضة للعنف الاقتصادي، لأنهن يعتمدن على العائل (الأب أو الزوج) كمصدر للدخل والموارد
ما هي أشكال العنف الاقتصادي؟
للعنف الاقتصادي أشكال عديدة وطُرق مختلفة لممارسته، لإحكام الخِناق حول رقبة المرأة، مثل:
- الحرمان من التعليم بالصغر أو استكماله بالكبر (قبل أو بعد الزواج)، سواء كنوع من التفرقة بين الجنسين من حيث الفرص وأوجه الإنفاق، أو لتمكين الرجل على المرأة اقتصاديًا، ومن ثَمَّ اجتماعيًا ونفسيًا.
- الحرمان من العمل، إما بسبب العادات والتقاليد أو لفرض السيطرة وإجبار المرأة على قبول ما لديها، دون أن تملك أي تطلعات لمستقبل أفضل، وبالتالي لا يُمكنها الفكاك من براثن الحياة القاسية التي تعيشها.
- الحرمان من الميراث، أو لنكون أكثر دقة، حرمانها من حرية التصرُّف بهذا الإرث، والإبقاء عليه تابعًا للملكية الجماعية أو تحت سطوة رب الأسرة، بل أن في بعض الأحيان قد تُجبر النساء على التنازل عن نصيبهن، بدون مقابل أو بمقابل زهيد خلاف القيمة الأصلية.
- وضع النفقات النسائية قَيد التدقيق، ورفض دفع أي مصروفات تخصهن، أو الحَد منها لأقصى درجة.
لأن العنف الاقتصادي لا يُمارس على المرأة التي لا تعمل فقط، وإنما كثيرًا ما تقع في براثنه النساء العاملات أيضًا، يحدث أن نشهد له بهذه الحالة أشكالاً مُختلفة تُستَحدث مع الوقت، منها على سبيل المثال:
- العمل دون أجر أو بأجر بخس، بحال انخراط النساء في العمل بمشاريع عائلية.
- فرض أن تكون مسؤولية المصاريف المعيشية كاملةً على المرأة، دون أي مساهمة ذكورية.
- منع المرأة من التصرّف بحرية في مواردها الاقتصادية، سواء بتوفيرها أو استغلالها بالشكل الذي تراه هي مُناسبًا.
- الإجبار على الاقتراض بضمان الوظيفة أو المرتب، أو الإمضاء على أوراق لضمان أفراد آخرين من الأسرة وتجهيز البنات، فإذا فكرت المرأة بالرفض عُنِّفت وهُدِّدَت بالطلاق أو المنع من العمل.
اقرئي أيضًا: التخلص من العلاقات المؤذية: طريق الخروج ورحلة التعافي
حقيقة 3: المرأة المُعَنَّفة لا تظن أن أمامها فرصًا للنجاة
لماذا تقبل النساء بهذا النوع من العنف؟
بالرغم من أنه قد يبدو مُستبعدًا أو غير منطقي قبول المرأة مثل هذا العنف المُمنهَج، الذي تظل آثاره النفسية والمُهينة باقية وموجعة، إلا أن بعض السيدات يضطررن للرضوخ لذلك الوضع والاستمرار بقبول الأذى، والسبب:
- الأمل في أن يتغيَّر الشخص المُسيء أو تتغير الظروف.
- إجبار الزوج زوجته بالتنازل عن كل حقوقها المادية للتطليق، مما يضع عقبة في طريقها بحال كانت لا تملك عائلاً غيره.
- الشعور بالذنب تجاه الأبناء، بسبب انخفاض مستوى المعيشة الذي سيتعرضون له بسبب الطلاق.
- عدم الثقة بأن باستطاعتهن الاعتماد على أنفسهن، والمُضي قدمًا دون العائل الخاص بهن.
- عدم دعم أسرهن لهن متى عدن إلى بيت العائلة، خصوصًا في حالة وجود أطفال، وما من ملاذ آخر لديهن للجوء إليه.
- القلق من النظرة المجتمعية وقبول الآخرين سواء للمطلقة أو المرأة المستقلة.
- الخوف -بحال الاقتراض ووصولات أمانة- من عدم القدرة على الالتزام بالسداد، كونهن قد يدفعن الثمن فيُسجَنّ، الأمر الذي يُفسِّر زيادة أعداد الغارمات ووصول نسبتهنّ إلى ما بين 20% – 25% من السجناء في مصر.
نتائج العنف الاقتصادي
اختبار النساء للعنف الاقتصادي، واستمرارهن في ذلك سرعان ما يَنتُج عنه تهميش دورهن مُجتمعيًا، ومُساهمتهن اقتصاديًا، بالإضافة لانتهاك حقوقهن العمالية ورفع نسب البطالة النسائية. كل ذلك يُرافقه الكثير من المشكلات المجتمعية والنفسية، سواء للمرأة المُعَنَّفَة أو أطفالها، خصوصًا أن قبول المرأة الوضع عادةً ما ينتج عنه تمادي المُعَنّف بالقسوة، وممارسته أشكالاً أخرى من العنف تجاهها.
وهو ما يُحبط باقي أفراد الأسرة، ويُحَوِّلهم لأفراد مُنسحقين أو عنيفين، بل أن بعض الأبناء يشعرون بالنقمة تجاه الأم لتحمُّلها الإهانة وتركهم يعيشون في بيئة مريضة، فيتحول الذكور منهم لنسخة من الأب العنيف، والفتيات لجيل جديد من المقهورات.
حقيقة 4: الحياة في فقر أفضل من الحياة دون كرامة
كيف يُمكن للمرأة المُعنَّفة مواجهة العنف الاقتصادي والتَصَدّي له؟
- لا تتحرجي من طلب الدعم من أسرتك، فأنتِ بأمس الحاجة لكل ما يمكنهم تقديمه لكِ سواء ماديًا أو نفسيًا على الأقل خلال الفترة الانتقالية الأولى وحتى تستطيعين تجميع قواكِ والوقوف على قدميكِ بخطة وأهداف واضحين. وهذا ليس مِنَّة منهم عليكِ وإنما هو حقك كابنة، لكن بالوقت نفسه لا تكتفي بما يمنحونك إياه حتى ولو كان كل شيء، تعلمي الدرس وابدئي الاعتماد على نفسك.
- إذا خذلك الأهل عن قصد أو قلة حيلة، لا تيأسي أو تقبلي بالعودة لتجرَّع الذل وقبول الإهانة، ابحثي بين معارفك وأصدقاءك عمن يستطيعون مَد يَد العون لكِ ولو بالمشورة.
- ابحثي على الإنترنت عن مجموعات الدعم للحالات المشابهة، على الفيسبوك مثلاً يمكنك الانضمام إلى جروب “Egyptian Single Mothers (أمهات مصر المعيلات)” وهناك ستجدين الكثيرات ممن هن مثلك، أو من نجحن في اجتياز الصعاب كلها أو بعضها. وبالتالي سيمنحنك شعورًا بالوَنَس وأملاً في العبور من عنق الزجاجة، والأهم قد يلهمنك أفكارًا جيدة للبدء منها، ناهيكِ بترشيح محامين لمساعدتك بأي إجراء قانوني عليكِ فعله.
- يمكنك أيضًا البحث عن جروبات تتعلق بنوعية فرص العمل التي تبحثين عنها. ونصيحة تعلقي بأول فرصة مناسبة لمنحك بعض الشعور بالأمان والاستقرار، وبالطبع يمكنك تركها بأي وقت حين تجدين ما هو أفضل منها.
- أما إذا كان لديكِ وظيفة مناسبة بالفعل، قد تضطرين للضغط على نفسك من أجل التركيز بالعمل والإنجاز، أعلم ما تمرين به وحاجتك الكبرى للابتعاد عن كل شيء لبرهة والتقاط أنفاسك، لكن للأسف ليس هذا هو الوقت الأمثل للتقصير بالعمل أو طلب إجازة، إلا إذا كنتِ تملكين تلك الرفاهية، على كل حال يمكنك اعتبار العمل وسيلتك لتشتيت قلبك عن الوجع وعقلك عن القلق.
مؤسسات دعم المرأة المعنفة داخل الوطن العربي
تستطيعين كذلك اللجوء للمنظمات المناهضة للعنف ضد المرأة أو الجمعيات الحقوقية التي تهدف لتقديم الدعم للنساء المُعنَّفات، وهي مُتاحة في مختلف بلدان الوطن العربي. على سبيل المثال:
في مصر:
هناك “مؤسسة قضايا المرأة المصرية” وهي مؤسسة حقوقية تنموية تساند النساء قانونيًا وتساعدهن على الوقوف بكل أوجه العنف، وهناك أيضًا “جمعية نهوض وتنمية المرأة” كونها تُخصص كل جهودها لإعالة الناجيات من العنف، وخصوصًا محدودات الدخل وساكنات العشوائيات.
في لبنان:
أما الأشهر في لبنان فهما منظمة “كفى” غير الحكومية والتي توفِّر استشارات قانونية وعلاجًا نفسيًا وجسديًا للمُعنَّفات، بجانب تدريبهن مهنيًا ومنحهن سكنًا مناسبًا. و”الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة” التي تدعم المُعنَّفات وأطفالهن طبيًا ونفسيًا واجتماعيًا وقانونيًا، والأهم أنها تهدف إلى نشر الوعي بالمجتمع المدني سواء لمحاولة الحد من ممارسة العنف أو توعية النساء بحقوقهن.
في السعودية:
هناك الكثير من الجهات التي تهدف لمساعدة المرأة على استعادة ثقتها بنفسها والوقوف على قدميها في السعودية، أهمها “برنامج الأمان الأسري الوطني” الذي يهتم بكل قضايا العنف الأسري، مُوفرًا دعمًا شاملاً من متخصصين، نخص بالذكر أهم برامجه وهو “مشروع تمكين المرأة بنجاح” الذي يوجه كل جهوده للمرأة المُعنَّفة، مُقدمًا لها الدعم النفسي والقانوني والحقوقي والاجتماعي والاقتصادي.
في الأردن:
تضم الأردن الكثير من الجهات الحقوقية المختصة بقضايا المرأة ودعمهن بكل ما يحتجنه للنجاة بأنفسهن من براثن الأذى، بجانب توعيتهن مجتمعيًا بأهمية الحفاظ على كرامتهن والإيمان بأحقيتهن في فرص متكافئة وعدالة اجتماعية. ولعل أشهر هذه الجهات: “جمعية معهد تضامن النساء الأردني” و”شبكة مناهضة العنف ضد المرأة “شمعة”.
في الإمارات:
أما في الإمارات فهم يقدمون الدعم بطريقة مختلفة، وذلك من خلال “مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال” التي تُعَد أول دار رعاية وإيواء لا تهدف إلى الربح تقدم خدماتها للناجيات من النساء والأطفال ضحايا العنف الأسري.
في تونس:
لن يكون غريبًا إذا أثبتت الإحصائيات أن تونس هي الدولة العربية الأكثر اهتمامًا بشؤون المرأة، وبالتالي الأكثر دعمًا وتوفيرًا للجهات الحقوقية. على رأس الجهات النسوية هناك: “مراكز الإصغاء” التي وفرها الاتحاد الوطني للمرأة التونسية من أجل الاستماع لحكايات النساء المُعنَّفات ومنحهن الشعور بالتضامن اللازم لدعمهن نفسيًا، بجانب توجيههن سواء لتلقي المساعدات القانونية أو مراكز الاستضافة المختلفة أو الأخصائيين الاجتماعيين. ولمزيد من المنظمات التي تدعم المرأة والطفل يمكنك النقر (هنـا).
ضل رجل أم ضل حيطة؟
بالطبع كل ما سبق لا يَعني أو ينفي أن الزواج هو علاقة مقدسة وحميمية بين طرفين، يفترض كل منهما بالآخر حُسن النية والعشرة، واضعًا هدف الاستمرار للأبد نَصب عينيه. لكن، لأن الرياح قد تأتي بما لا تشتهي السفن، تصبح توعية النساء بأفضلية التمسُّك بالعمل والذمة المالية المُنفصلة أمرًا حتميًا، لحمايتهن ومنحهن وثيقة نجاة وأمان تؤهلهن للمواصلة والشعور بالاستقرار.
وإن كان التشديد على استقلال ذمة المرأة المالية لا يعني أبدًا تحريضها على عدم المساهمة بالنفقات المعيشية، ومنح أسرتها أفضل حياة ممكنة طالما تستطيع ذلك، خصوصًا في ظل الغلاء المعيشي الذي نعيشه.
فنحن لا نطالب بأن تقف المرأة مكتوفة الأيدي فيما يبذل الزوج قصارى جهده وحده لإعالة أسرته، وإنما بأن تأتي الإسهامات المادية التي تضعها الزوجة بين يدي عائلتها طواعية، وفقًا لرغبتها وتقديرها الشخصي، وأن تتمتع بحرية التصرّف بما تبقى لها من أموال أو أملاك، بما يُساعدها على تأمين نفسها وتمكينها اقتصاديًا في الظروف الصعبة.