في طفولتنا علمتنا القصص والحكايات أن البيت والأسرة مرادفان للأمان.
قدمت القصص الخيالية صورةً لبيتٍ دافئ يسوده الحب والمودة، نهرب إليه من الوحوش الموجودة خارجه.
يصبح الوضع معكوسًا على أرض الواقع في بعض الأحيان. وتتحول البيوت لأماكن مخيفة، نود أن نهرب منها.
طبقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية يأتي إقليم شرق المتوسط في المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث انتشار العنف ضد المرأة (بنسبة تصل إلى 37%)
كما أن حالات العنف الأسري ضد المرأة بأنواعه المختلفة ازدادت خلال جائحة كورونا بنسبة تتراوح من 50% إلى 60%. فما هي أسباب تصاعد العنف الأسري؟ وما هي طرق الوقاية من العنف ضد المرأة ؟
أسباب زيادة العنف الأسري خلال جائحة كورونا
تتعدد مظاهر العنف الأسري الذي قد يكون عنفًا جسديًا أو نفسيًا أو لفظيًا أو جنسيًا أو اقتصاديًا. وقد يكون المعنف هو الزوج أو الأخ أو الأب. وهناك أسباب متعددة لزيادة العنف الأسري خلال جائحة كورونا من بينها:
الضغوط النفسية لوضع الإغلاق، والضغوط المادية نتيجة التعثر المادي الذي تعرضت له العديد من الأسر، بالإضافة إلى تفكك شبكات الدعم الاجتماعي، وعدم القدرة على التواصل مع دوائر العائلة والأصدقاء والمدرسة بشكل سلس خلال فترات الإغلاق الطويلة، لتنغلق البيوت على النساء مع دوائر العنف دون منفذ.
تعرفي على: العنف ضد المرأة: معنفات عالقات في البيوت بسبب كورونا
لماذا يصعب الخروج من دائرة العنف الأسري
على الرغم من وضوح مظاهر العنف الأسري في أغلب الأوقات، في الكثير من الأحيان يصعب كسر حلقة العنف والخروج منها، للعديد من الأسباب، من بينها:
1. القبول المجتمعي للعنف الأسري ضد المرأة
“اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24”.. مثل شعبي شائع ينبئ بشكل كبير عن منظور المجتمع للعنف ضد المرأة، سواء كانت ابنة أو زوجة أو أختًا.
عبارات مثل: “أبوها ومن حقه يربيها”، “ما كلنا اتضربنا”، “إنتي اللي استفزيتي جوزك/ أبوكي/ أخوكي”، كلها عبارات تكرِّس لقبول العنف الأسري ضد المرأة والتعامل معه كأمر عادي.
تعرفي أيضًا على: أنواع العنف الأسري وكيفية حماية ذاتك وأطفالك من الشريك المسيء
2. الاعتماد المادي
اعتماد المرأة الاقتصادي على الزوج، وعدم قدرتها على الاستقلال المادي قد يصعب قرار الانفصال والخروج من المنزل، خصوصًا في حالة وجود أطفال.
“منذ أن انفصلنا أواجه صعوبات في الحصول على كل مليم من حقوق الأولاد. أنا مستقلة ماديًا منذ ما قبل الزواج، يمكنني القيام بإعالة أبنائي، لكن تظل هذه حقوقهم. كل خطوة تحتاج لقرار من المحكمة، الحصول على نفقاتهم الشهرية، أو مصاريف المدرسة، كلها أمور تحتاج للكثير من الإجراءات والأوراق والضغوط النفسية والمادية. أتساءل أحيانًا عما كنت سأفعله إن لم أكن مستقلة اقتصاديًا، ربما كنت سأضطر للرضوخ للعنف”.
تعرفي على: العنف الاقتصادي: ما هو؟ وما أشكاله ونتائجه وطرق مواجهته؟
3. عدم وجود مأوى أو مكان مرحب
“إلى أين أذهب؟! لقد تزوجت كي أخرج من حالة العنف والفقر التي واجهتها في بيت أسرتي، فهل أعود إليه مع 4 أطفال؟”.
الكثير من النساء تخشى من صعوبة أو استحالة العودة إلى بيت الأسرة بعد الطلاق، خصوصًا إذا لم تكن الزوجة قادرة على الاستقلال المادي.
وذلك على الرغم من وجود بيوت آمنة للنساء Shelters في مصر منذ عام 2003، يقدر عددها بتسعة بيوت آمنة في محافظات مختلفة.
4. الخوف من الوصم المجتمعي
هناك نوع من الوصم الاجتماعي للمطلقات، وأيضًا للفتيات اللاتي اخترن الخروج من بيت العائلة والاستقلال، مما يتسبب في شعورهن بالاغتراب عن المجتمع وانعدام التوازن النفسي والمجتمعي.
5. وهم الفرصة الثانية
“في كل مرة يعدني أنه سيتغير، من أجل بيتنا، من أجل الأبناء، من أجل الحب. كلها أشياء تدفعني للعودة ومنحه فرصة ثانية. لكن لا شيء يتغير”.
عادة ما يصبح السلوك العنيف أكثر شدة وتكرارًا بمرور الوقت، والفرص الثانية لا تذهب بنا سوى لنفس المكان.
كيف تتمكنين من الخروج من دائرة العنف الأسري؟
1. تكلمي
ربما تكون الخطوة الأولى هي الإفصاح والحديث عما تواجهينه؛ تعاني الكثير من النساء ممن يواجهن العنف الأسري من عدم القدرة على الإفصاح. أخبري شخصًا موثوقًا، قد يكون هذا الشخص من الأصدقاء أو الأقارب، أو الجيران أو مختص الشؤون الاجتماعية في المدرسة أو مرشد ديني.
“في وقتٍ ما لم يكن أمامي حل سوى الصراخ، شعرت أنني سأموت تحت الضربات التي تأتيني من كل اتجاه إن بقيت صامتة، ظللت أصرخ بأعلى صوتي حتى قاطع ضرباته طرق الجيران على باب الشقة”.
2. لا تحملي نفسك اللوم
“إنتي السبب”، “إنتي عصبتيني ولما بتعصب مبشوفش قدامي”.. عبارات كثيرًا ما تواجهها المرأة عند تعرضها للعنف، يرفض الشخص المسيء غالبًا تحمل مسؤولية أفعاله. لكن ما يحدث أحيانًا أن المرأة نفسها تتبنى نفس وجهة النظر، وتبدأ في لوم نفسها على ما يحدث.
3. وضع خطة سلامة
حتى تستطيعين الحصول على خروج نهائي من هذا الوضع، تحتاجين إلى وضع خطة للسلامة، خصوصًا في حالة العنف الجسدي، للحفاظ على حياتك وسلامتك. فآثار العنف الأسري وخصوصًا الجسدي لا تقتصر على الأضرار النفسية، لكنه قد يشكل خطرًا على حياتك، وسلامتك الجسدية. تجنبي المواجهات في الغرف التي لا تحتوي على متافذ للهروب، وفي الأماكان الضيقة، او التي تحتوي على أسطح وآلات حادة، مثل الحمامات والمطابخ.
ضعي خطة سلامة تتضمن تحديد شخص تستطيعين الوصول إليه في حال تصاعد العنف ضدك أو ضد أطفالك، قد يكون هذا الشخص من الجيران أو الأصدقاء أو الأقارب. جهزي أيضًا خطة للوصول إلى هذا الشخص، واحرصي على تجهيز أشيائك الأساسية في مكان واحد يسهل الوصول إليه في حالة الطوارئ (أوراق الهوية والهاتف وأموال احتياطية وملابس).
4. حماية اتصالاتك
استخدمي الهاتف بحذر، تأكدي من أن الشخص المعنف غير قادر على متابعة اتصالاتك ورسائلك.
5. الإبلاغ
في الكثير من الأحيان الإبلاغ قد يعرضك لخطر أكبر، لذلك ينبغي أن تعدي خطة واضحة للنجاة. في بعض الأحيان قد يكون الإبلاغ والحصول على وثيقة تفيد عدم التعرض، خطوة تساعد على حمايتك، عندما تقررين الخروج من دائرة العنف الأسري. وقبل اتخاذ هذه الخطة بإمكانك استشارة محامٍ، وهناك العديد من الجهات التي تقدم لك المشورة القانونية المجانية.