أنواع العنف الأسري كثيرة، ولكن أحد أكثر أنواع العنف الأسري خطورة هو العنف الجنسي، فالمفترض في العلاقة الحميمة بين الزوجين أن تكون نوعًا من صناعة الحب، أن تقرب بين الزوجين وتضفي الراحة والسعادة على طرفي العلاقة. إلا أن في ظل العنف الأسري يتحول الجنس من تتويج لنجاح العلاقة الزوجية إلى عقاب للزوجة في الأغلب.
ما هو العنف الجنسي ؟
تعريف العنف الجنسي وفق American Psychological Association، هو أي علاقة أو نشاط جنسي غير مرغوب فيه، يتم بدون تراضٍ، ويستخدم به المعتدي القوة أو التهديد أو الاستغلال للضحية بدون موافقتها، أو استغلال عدم قدرتها على إعطاء موافقة واضحة.
وفقًا لهذا التعريف فإن العنف الجنسي لا يشمل فقط الاغتصاب، وهو الصورة الأفدح للعنف الجنسي والأكثر شهرة، فكثيرون يعتبرون أن الصورة الوحيدة للاعتداء الجنسي هو الاغتصاب، إلا أن طيف الاعتداء الجنسي واسع للغاية، يبدأ من النظرة المسيئة، أو اللمسة المتجاوزة، وهي أمور يجيد في الأغلب المستغلون جنسيًا استخدامها بشكل يجعل الضحية تشك في تعرضها للاستغلال.
اقرأ أيضا: العنف ضد المرأة: حكايات ضحايا العنف الجنسي
الفئات المعرضة للعنف الجنسي
بشكل عام فإن كل الفئات يمكن أن تتعرض للعنف الجنسي، سواء كان رجلاً أو أنثى أو طفلاً وفي أي سن، ولكن هناك نمطًا محددًا من العنف الجنسي نلقي عليه الضوء، وهو العنف الجنسي في نطاق الأسرة، لذا فإن الفئات الأكثر عرضة له هم:
- الزوجة
- الأطفال
ومن أكثر المفاهيم الخاطئة هو عدم اعتبار إجبار الزوجة على العلاقة الحميمة عنفًا جنسيًا، خصوصًا في الثقافات الشرقية، حيث تعتبر العلاقة الحميمة حقًا من حقوق الزوج، التي يتغاضى المجتمع عن قيام الزوج بانتزاع -ما يعتبره حقه- بالقوة.
الاغتصاب الزوجي عنف جنسي
صفحات الإنترنت ملأى بمشكلات لزوجات يشتكين من إجبار الزوج على العلاقة الحميمة، وفي هذا النوع من المشكلات نصطدم بكم الردود التي تسخر أو تستنكر قول الضحية، والسخرية من مصطلح الاغتصاب الزوجي. ففي الثقافة الشرقية لا يعتبر إجبار الزوجة على العلاقة الحميمة بالقوة ودون رضاء وقبول من جهتها، عنفًا جنسيًا، بل إن القوانين ذاتها في أغلب الدول العربية لا تجرم الاغتصاب الزوجي ولا تعتبره أحد أنواع العنف الأسري أو العنف الجنسي. إلا أن الواقع أن أي علاقة جنسية بين طرفين يجب أن يشملها مفهوم التراضي، وهو أساس أي علاقة، وإن غاب تحولت العلاقة إلى اغتصاب، والعلاقة الزوجية ليست بمعزل عن هذا.
عقد الزواج ليس صك استعباد يبيح للزوج جسد الزوجة بشكل دائم حتى دون موافقتها، بل هو عقد اتفاق على قبول الحياة معًا بين طرفين، أهم أركان هذا الاتفاق هو الإيجاب والقبول. والمشكلة الأكبر هو اعتقاد الزوجة ذاتها أن إجبارها على ممارسة العلاقة الحميمة ليس عنفًا جنسيًا لعدم فهمها موضوع التراضي، لذا كثيرًا لا تكتشف الضحية كونها معنفة من الأساس، بل يتم لومها لكونها تمتنع عن حق زوجها، ليبدأ نوع آخر من العنف الأسري عليها، وهو العنف النفسي، وجعلها هي المخطئة وليست الضحية.
لذا على الفتاة أن تدرك أن الرضاء والقبول هو أساس أي علاقة جنسية، وأن أي رفض يعني أنها تتعرض لعنف جنسي غير مقبول أيًا كان نوع هذه العلاقة. فإن كانت الزوجة تشعر بالإرهاق، أو بالمرض، أو تعاني من الاكتئاب أو سوء المزاج، أو حدث شجار مع زوجها، وترفض ممارسة علاقة حميمة مع الزوج لأي من هذه الأسباب، فذلك حق من حقوقها التي لا يمكن التهاون بها. كما أن قلب الآية واعتبارها ظالمة للزوج ومضيعة لحقوقه هو مغالطة يتم استغلالها بها، سواء تحت ستار العرف، أو العادات الاجتماعية أو المزاعم الدينية غير الصحيحة.
أنواع العنف الجنسي
العنف الجنسي يمكن تقسيمه إلى نوعين رئيسيين:
- الاعتداء الجنسي Sexual Assault
- التحرش الجنسي Sexual Harassment.
أولاً: الاعتداء الجنسي Sexual Assault
الاعتداء الجنسي مصطلح يشمل جميع الجرائم الجنسية. وأي عمل أو فعل له طبيعة جنسية ويتم بدون موافقة الطرفين.
– الاغتصاب: وهو يعرف قانونًا وطبيًا بإدخال العضو الذكري أو أي جسم آخر في العضو الجنسي الأنثوي دون موافقتها. ويشمل ذلك الحالات التي تكون الضحية غير قادرة على الموافقة لأيً من الأسباب (صغر السن، المرض، الغياب عن الوعي، تعاطي الكحول أو المخدرات الطوعي أو القسري).
– الاغتصاب الشرجي: وهو إدخال عضو ذكري أو أي من أعضاء الجسم، أو أي جسم آخر في فتحة الشرج، وأضيف إليه مؤخرًا الجنس الفموي، وأن يتم أي من ذلك دون موافقة الشريك.
– الممارسة العكسية: إجبار الضحية على الممارسة الجنسية لشخص آخر، وهو استغلال القوة أو التهديد لإجبار الضحية على الممارسة الجنسية لطرف ثالث، أو إجبارها على إيلاج عضو من أعضاء الجسم أو أي جسم آخر في أعضاء المعتدي الجنسية.
– هتك العرض: محاولة إدخال عضو أو جسم ما في العضو الجنسي للمرأة دون موافقتها.
– الاغتصاب الجماعي: هو اغتصاب قام به أكثر من معتدي.
– زنا المحارم: هو الاعتداء الجنسي على يد أحد أفراد الأسرة.
اقرئي أيضًا: حوار حول توازنك النفسي وسط قصص الاعتداءات الجنسية
ثانيُا: التحرش الجنسي Sexual Harassment
– لمس أي منطقة من الضحية سواء ذات طبيعة جنسية أو غير جنسية بدون إرادتها.
– الابتزاز الجنسي بطلب أفعال جنسية مقابل الصمت عن تهديد ما.
– أي فعل مخل بالآداب، مثل الاستنماء أمام الضحية أو إخراج العضو الذكري، أو جعل الضحية تلمس الأماكن الحساسة في جسد المعتدي بشكل مباشر أو من فوق الملابس.
– اقتراحات متكررة وملحة ذات طبيعة جنسية، موجهة إلى شخص سبق أن أظهر رفضه.
– تكرار الملاحظات المتعلقة بحياة الشخص الجنسية، عندما يكون هذا الشخص قد أظهر للمتحرش رفض الحديث.
اقرئي أيضًا: فيلم Pink.. دليل حماية النساء من التحرش
أسباب العنف الجنسي
وجد أن العنف الجنسي لا يكون بمعزل عن أنواع العنف الأسري الأخرى، وغالبًا ما يكون الاعتداء الجنسي والجسدي مصحوبًا بسلوكيات مرضية أخرى، منها:
1. التحكم وإثبات القوة
في دراسة استقصائية أجرتها منظمة الصحة العالمية لأكثر من 24000 امرأة في عشرة بلدان، تراوحت النسبة المئوية لأولئك الذين مروا بواحدة أو أكثر من سلوكيات السيطرة والتحكم، بين 20% من إجمالي العينة في بعض دول العالم الأول، إلى 90% في بعض الدول الإفريقية، ومن مظاهر التحكم المصاحبة للعنف الجنسي:
- منعها من رؤية الأصدقاء.
- تقييد الاتصال بأسرتها.
- الإصرار على معرفة تحركاتها وتعنيفها إن رفضت.
- الغضب والعنف عند التحدث مع رجال آخرين.
- إجبارها على ارتداء ملابس محددة.
لذا فإن الزوج في هذه الحالة يتحكم في العلاقة الحميمة ويمارس العنف الجنسي لإثبات قوته وتحكمة في الزوجة بشكل كلي.
2. الإجبار على الزواج
من أهم أسباب العنف الجنسي، هو إجبار الفتيات في كثير من دول العالم على الزواج قصرًا ممن لا يرتضونه، وهو ما يؤدي إلى رفض الزوجة للعلاقة الحميمة مع الزوج، ويلجأ الزوج إلى العنف الجنسي في هذه الحالة لإتمام العلاقة الزوجية.
3. زواج القاصرات
عند تزويج فتاة صغيرة السن، فإن العلاقة الحميمة بالنسبة لها تبدو نوعًا من أنواع العنف والاعتداء، وهكذا مع رفض الفتاة لهذا النوع من العنف، يزداد عنف الزوج لإتمام العلاقة الحميمة التي تتحول لعلاقة غير رضائية وعنف جنسي ضد الزوجة القاصر.
4. الممارسات الجنسية المختلفة
بعض الأشخاص لا يشعرون بالمتعة الجنسية إلا في ظل ممارسات جنسية عنيفة، ويفضلون ممارسة جنسية أكثر عنفًا، إن كان هذا النوع من الممارسات الجنسية يتم بالتراضي بين طرفين يريدونه، وباتفاق سابق بين الشريكين، فهو لا يدخل ضمن العنف الجنسي، ولكنه يتحول لأحد أخطر أنواع العنف الجنسي عندما يتم من طرف دون موافقة الأخر، وبإجباره على الممارسات العنيفة قسرًا.
العنف الجنسي ضد الأطفال
كما أوضحنا سابقًا ليست الزوجة فقط المعرضة للعنف الجنسي، ولكن الأطفال كذلك يمكن أن يتعرضوا للعنف الجنسي داخل نطاق الأسرة، سواء بالاعتداء الجنسي الكامل أو التحرش.
كيف تكتشفين تعرض طفلك للعنف الجنسي؟
- إذا وجدت الطفل يخاف البقاء مع أحد أفراد الأسرة.
- إذا أصيب طفلك بالتلعثم في الكلام بشكل مفاجئ.
- عندما تجدين طفلك أكثر انطوائية وبعدًا عن نشاطه الاجتماعي المعتاد.
- إذا لاحظت تبول طفلك لا إراديًا بشكل لم يحدث من قبل.
- إذا اكتشفت وجود مواد مثيرة للشك في الملابس الداخلية لطفلك.
- في حالة وجود دماء ولو بسيطة في الملابس الداخلية لطفلك.
- في حالة تكرار إصابة طفلك بالكدمات والخدوش دون مبرر.
إذا ظهرت أي من هذه الأعراض على الطفل فيجب أن الحذر من إمكانية تعرضه للعنف الجنسي، خصوصًا في حالة وجود شخص مستغل جنسيًا أو جسديًا، كالأب أو الجد أو أحد الأقارب، كذلك في حالة وجود متعاطي للكحوليات أو المخدرات في الأسرة.
أضرار العنف الجنسي النفسية والجسدية
للعنف الجنسي على الزوجة أو الأطفال أضرار جسيمة نفسيًا وجسديًا، نعدد منها:
- خطر فقدان الحياة أثناء مقاومة المعتدي، بضرب الضحية وممارسة العنف الجسدي عليها لإجبارها.
- خطر النزيف، فإن النزيف بسبب عنف الممارسة الجنسية أمر شائع، ويمكن أن يؤدي إلى أضرار جسيمة، قد تصل لفقدان الحياة إن كان المتعرض له طفلاً صغيرًا أو شخصًا ضعيفًا، أو إلى أذى دائم كحدوث النزيف نتيجة تهتك في المهبل أو ضرر في الرحم لدى الزوجة المعنفة.
- خطر الإصابة الجسدية بالكسر أو الجرح أثناء عنف العلاقة الجنسية الجبرية.
- الاكتئاب، حيث تعاني الضحية من شعور الامتهان والتقليل من شأنها مع تعرضها للعنف الجنسي، وتصبح نظرتها الشخصية لذاتها متدنية.
- كرب ما بعد الصدمة، وهو الأكثر حدوثًا لدى ضحايا العنف الجنسي، ويحتاج إلى علاج مطول في الغالب، لإعادة الثقة للضحية.
اقرأ أيضًا: ما هي أضرار ختان البنات؟
كيف تواجهين العنف الجنسي؟
إن تعرضت الزوجة أو أي من أفراد أسرتها للعنف الجنسي، فهناك بعض النصائح لمواجهة ما يحدث:
- في بعض الأحيان قد لا يعرف الشخص أنه يمارس العنف الجنسي، لذا يجب الشرح له وتوضيح رفض طريقة الممارسة الجنسية، والطلب بوضوح وشرح تفضيلات العلاقة الحميمة.
- في حالة استمرار العنف الجنسي، يجب التواصل مع طبيب نفسي، وطلب استشارة زوجية، خصوصًا إن كان لدى الشريك الرغبة في التغلب على مشكلة العنف لديه.
- في حالة رفض اعتراف الزوج بوجود مشكلة، فعلى الزوجة التخطيط للرحيل، بأن تتواصل مع أحد مراكز دعم المرأة، ولا تتسرع إن كانت حياتها ليست في خطر.
- في حالة كان العنف موجهًا لقاصر أو طفل، فيجب التواصل مع أحد مراكز دعم المعنفين، للتعرف على كيفية التعامل مع الضحية وكيفية إنقاذها من المعتدي.
- إن لم يكن الرحيل متاحًا في وجود عنف جنسي للأطفال أو القُصَّر، فيجب عدم تركهم وحدهم مع المعتدي، وعدم إتاحة الفرصة للاختلاء بهم أبدًا.
- في حالة وجود تهديد لحياة الزوجة أو الأطفال فيجب اللجوء للشرطة المحلية، ويفضل اللجوء لها بشكوى عن العنف الجسدي، لعدم اعتراف قوانين بعض الدول بالعنف الجنسي الأسري، وخصوصًا ضد الزوجة.
وكما هي العادة فإن الخطوة الأهم للتخلص من العنف الجنسي هو أن الاعتراف بحدوثه، والإيمان بأن الضحية أقوى من المعتدي، ويمكنها أن تخرج من دائرة العنف سالمة.