الحدود في العلاقات: ما أهميتها وكيف تضعها؟

5929

إذا كنت تدير رشاش الماء الخاص بك فتسقي حديقة جارك، فتذبل حديقتك وتزدهر حديقته، فإن هذا يجعله يعتقد أن كل شيء على ما يرام. هذا التشبيه يلخص الفكرة الأساسية للحدود. إن الحدود تساعدنا على تمييز مسؤولياتنا من مسؤوليات غيرنا، ما لنا وما علينا. ولذلك فإن أي تشوش في معرفتنا لمسؤوليتنا، أو امتلاك زمام الأمور في حياتنا، هي مشكلة الحدود في العلاقات.

ما أهمية الحدود في العلاقات ؟

الحدود في العلاقات تعرف الشخص حدود الخصوصيات والمسؤوليات وتمنحنا حرية التصرف. فتحمل مسؤولية حياتنا يمنحنا العديد من الخيارات. كما تحمينا الحدود من العلاقات المسيئة وتساعدنا على الإبقاء على العلاقات الإيجابية في حياتنا. فليس من المفترض أن تستمر في تعريض نفسك للأذى والإحباط في علاقة مسيئة. يجب عليك الابتعاد والانتظار حتى ترى سمات حقيقية للتغيير. فالكثيرون يتسرعون بدعوى الغفران في الوثوق بشخص، دون أن تكون هناك علامات للتغيير. فلتغفر، ولكن احرس قلبك إلى أن ترى تغييرًا مؤكدًا.

أشكال الخلل في الحدود الشخصية والحدود النفسية

هناك عدة أشكال للخلل في الحدود:

1. عدم القدرة على قول “لا”: هكذا يستغلك الآخرين

الذين لا يملكون القدرة على قول “لا” يحملون أنفسهم فوق طاقتهم. المشكلة أننا عندما نعطي أكثر مما نستطيع، يتحول الأمر إلى عبء نفسي. والعطاء الحقيقي يثمر السعادة وليس الكآبة. كما يذوب هؤلاء في مطالب الآخرين، ولا يستطيعون الاستقلال عن الذين يستغلونهم. لذا يقللون من قيمة اختلافهم، ويتظاهرون بمحبة نفس الأشياء التي يحبها الآخرون لمجاراتهم. وهذا يعوقنا عن معرفة مشاعرنا واحتياجاتنا الحقيقية.

اقرأ أيضًا: علم طفلك قول “لا”

2. العجز عن طلب الدعم: اعرف احتياجاتك

يعجز هؤلاء الأشخاص عن إدراك احتياجاتهم، ويجدون صعوبة في طلب المساعدة. فهي في نظرهم ضعف أو إثقال على الآخرين. ولأنه لا أحد يستطيع أن يعيش بمعزل عن الآخرين، فإن هذا التوجه يجعلهم دائمًا مستنزفين وغير قادرين على التقاط أنفاسهم.

3. السيطرة على الآخرين: أنت عدواني

يجد هؤلاء الأشخاص صعوبة في تقبل كلمة “لا”، لأنهم لم يتعلموا السيطرة على شهواتهم أو تحمل مسؤولية حياتهم. ويميلون إلى فرض رغباتهم على الآخرين، والضغط عليهم، عن طريق:

  • العدوان المباشر (سلاح الخوف): كالعنف والتهديد والإساءة للآخرين، غير مستجيبين لحدودهم، ومتجاهلين إمكانيات الآخرين واحتياجاتهم. 
  • المناورة (سلاح الذنب): هي استدراج الآخرين للتنازل عن حدودهم، وتحمل مسؤولياتهم نيابة عنهم. وذلك من خلال طرق غير مباشرة كالتلاعب بملابسات الموقف، واستخدام وسائل تدفع الآخرين للشعور بالذنب، واللطف والعطاء الزائدين وتوقع المثل في المقابل.

4. عدم الاستجابة لحدود الآخرين

على الرغم من أننا لسنا مسؤولين عن مشاعر الآخرين، إلا أننا مسؤولون عن مساندتهم. يعكس هذا النوع من مشكلات الحدود عدم استجابة هؤلاء الأشخاص لاحتياجات الآخرين والتماسهم للدعم. وينقسم هؤلاء إلى مجموعتين:

  • من ينتقدون ويدينون احتياجات الآخرين: حيث يسقطون كرههم وعدم قبولهم لاحتياجاتهم على الآخرين. فيصفون تلك الاحتياجات مثلاً بأنها ضعف وأنانية.
  • الغارقون في احتياجاتهم نتيجة لعدم شعورهم بالأمان، وهو ما يجعلهم غير قادرين على رؤية مشاعر أو احتياجات الآخرين والتجاوب معها. وهذا يختلف عن الاهتمام بالذات، حتى نكون قادرين على العناية بالآخرين.
لا يستطيع القول  لا يستطيع لسماع
لا الطيعون

يشعر بالذنب و/أو الوقوع تحت سيطرة الآخرين

لا يستطيع وضع الحدود

المسيطرون

يخترق حدود الآخرين بشكل عنيف وعدواني ومناور

نعم غير المتجاوب

يضع حدود ضد مسؤوليته في تقديم المحبة 

المتحاشي

يضع الحدود ضد قبول عناية واهتمام الآخرين. 

ملخص لمشكلات الحدود “منقول من كتاب الحدود”


لماذا نخشى وضع الحدود؟

هناك عدة أسباب محتملة تحول بيننا وبين وضع الحدود، منها:

  • الاعتقاد بأن الحدود تهدد العلاقة، مما يدفع الشخص إلى الرضوخ بسلبية لكنه يستاء نفسيًا.
  • الاعتقاد بأنك يجب أن تكون متاحًا طوال الوقت، معطاءً دائمًا، معتمدًا على نفسك في جميع الأحوال.
  • الاعتقاد بأن الحدود تعني الوضاعة والأنانية، مما يؤدي إلى الشعور بالذنب.
  • الرغبة في الاعتماد كليًا على الآخرين، وعدم ثقة الشخص في قدرته على تحمل مسؤولية حياته.
  • الاعتقاد بأن طلب المساعدة ضعف.
  • الخوف من الوحدة والهجر والانفصال.
  • الخوف من إيذاء مشاعر الآخرين، والحساسية المفرطة تجاه خسارتهم. فبعض الناس لم يواجهوا إحباطاتهم، فلا يتحملون أن يواجه الآخرون ذلك.
  • الخوف من غضب الآخرين أو عقابهم.
  • الخوف من الإحراج.
  • الشعور بأن عليك أن تدفع مقابل ما يُعطَى لك.

اقرأ أيضًا: الخوف: ما فعله بحياتنا

مقاومة الحدود.. وكيف تتعامل معها؟

من الطبيعي عندما تبدأ في وضع الحدود أن تحدث خلافات وأن تجد مقاومة من المحيطين. لا يعني هذا بالضرورة أنهم سيئون. فبوضعك للحدود تطالب الآخرين أن يسلكوا بطريقة مختلفة عما ألفوه، وتعرضهم للخسارة الظاهرية لمزايا اعتادوا عليها. من أساليب مقاومة الحدود:

1. الغضب: أول مقاومة لرسم حدودك

هو أكثر ردود الأفعال شيوعًا تجاه وضع الحدود بغرض السيطرة على سلوك الآخر. الشخص الذي يغضب من حدود الآخرين يحتاج إلى تعلم احترام رغباتهم وتأجيل إشباع رغباته. فكيف تتعامل معه؟

  • اعلم أن المشكلة لديه هو، وأن استخدام حدودك سيفيده في تعلم ما لم يتعلمه في أسرته.
  • دع الغضب يبقى عند الشخص الآخر، فله الحق في غضبه حتى يستريح. محاولة إنقاذه لن تريحه، كما أنها ستقيدك. اسمح له بالغضب، وقرر لنفسك ما تحب فعله غير متأثر بغضبه.
  • تأكد من وجود علاقات داعمة، لأنك قد تشعر بالخوف أو الشك.
  • توقع ما سيقوله أو يفعله الشخص الغاضب، وكيف ستتعامل معه.
  • استعمل المسافة الجسدية أو غيرها من الحدود التي تفرضها الظروف.

2. تصدير الشعور بالذنب: لا تبرر نفسك

يحاول البعض دفعك إلى التراجع عن حدودك عن طريق ملئك بالشعور بالذنب بسبب اختياراتك. قد يرجع ذلك إلى عدم قدرتهم على التعبير عن شعورهم بالغضب الذي سيفضح رغبتهم في السيطرة. وقد يرجع إلى شعورهم بالحزن والألم. ولأن مواجهة مشاعرهم ستدفعهم إلى تحمل مسؤوليتهم، فإنهم يركزون على أفعالك. فكيف تتعامل معهم؟

  • كن واضحًا مع نفسك ومعهم بشأن مسؤولية كل منكما عن مشاعره وأفعاله. إذا استطاعوا التأثير عليك فهي مشكلتك.
  • لا تحاول التبرير. أخبرهم فقط بسبب اختيارك إن كنت تريد مساعدتهم على الفهم، ولكن دون أن تتوقع منهم أن يغيروا موقفهم أو يتوقفوا عن دفعك لعدم الارتياح.
  • تجنب الانفعال لأنه يعني اقتحام حدودك.
  • كن متعاطفًا، دون أن تشعر بالذنب. فأحيانًا كل ما يحتاجه هؤلاء هو التعبير عن مدى الصعوبة التي يواجهونها.

اقرأ أيضًا: 5 أنواع للشعور بالذنب وكيف تتعامل معها

3. العواقب والتحركات المضادة: اعرف أولوياتك

قد يتعدى البعض درجة الكلام إلى الأفعال المؤذية من أجل إثنائك عن حدودك. وذلك كحرمانك من حقوقك المادية أو العاطفية، أو الطرد من المنزل، أو السعي إلى فصلك من العمل. فكيف تتعامل معهم؟

  • قارن بين تكلفة الإبقاء على غياب الحدود وتكلفة وضع الحدود.
  • كن متأكدًا من قدرتك على تحمل عواقب وضع الحدود.
  • خطط للحصول على الدعم المادي أو المعنوي الذي تحتاجه لمواجهة تلك الأفعال المضادة.

4. المقاومة البدنية: واجه العنف

قد يتعرض البعض للاعتداء البدني نتيجة وضع الحدود. وعادة ما يخشى هؤلاء البوح بما يواجهون خوفًا من الفضيحة، ومن زيادة الأذى إذا تحدثوا عما يتعرضون له. وعلى هؤلاء أن يحاولوا طلب المشورة النفسية المتخصصة والدعم اللازم. كما عليهم أن يخططوا لكل السبل الممكنة التي تساعد في حمايتهم من الأذى.

5. احتياجات الآخرين: لا تدعها توقفك

احتياجات الآخرين المشروعة قد تكون إحدى طرق مقاومة الحدود حينما تكون غير قادر على تسديدها. فكيف تتصرف في هذه الحالة؟

  • تفهم أنه من الطبيعي أن نكون في أوقات غير قادرين على العطاء، حتى مع كون احتياجات الآخرين مشروعة.
  • أظهر تفهمك لاحتياجاتهم، ووجههم لمن يستطيع المساعدة.
  • قول “لا” للبالغين القادرين على تسديد احتياجاتهم بأنفسهم ربما يضايقهم، ولكن ربما يدفعهم إلى محاولة تسديد احتياجاتهم من جهة أخرى. لذلك، فإن وجود أكثر من صديق في حياتنا يمنح الآخرين فرصة لالتقاط أنفاسهم والاهتمام بمشاغلهم. وهذا يساعدنا على تقبل حدود الآخرين.

كيف نضع الحدود في العلاقات؟

الوعي والتعبير: افهم نفسك

الخطوة الأولى هي أن يكون الشخص واعيًا باحتياجاته ومشاعره وخصوصياته ومقاصده ومسؤولياته، واعيًا بما يحب وما لا يحب، ثم يعبر عن ذلك بالكلمات. فمن الصعب على الآخرين معرفة مقدار ما يمكن أن تتحمله إن لم تستخدم الكلمات. يوصل الكلام للآخرين رسالة واضحة عن الكيفية التي تتعامل بها، وتلك التي تحب أن يعاملوك بها.

الابتعاد جسديًا: اعتزل ما يؤذيك

أحيانًا يكون الابتعاد جسديًا عن موقف ما يساعد على صيانة الحدود، حيث تعيد ملء نفسك جسديًا وروحيًا وعاطفيًا. كما يكون ضروريًا لحماية نفسك في بعض الأحيان.

الابتعاد بعض الوقت: راجع نفسك

الابتعاد فترة عن شخص أو مشروع يمكن أن يكون طريقًا لمراجعة نفسك، واستعادة السيطرة على بعض جوانب حياتك.

قانون الزرع والحصاد: السبب والنتيجة

الحدود تجبر الشخص غير المسؤول على تحمل تبعات أفعاله. فالمواجهة وحدها غير مؤثرة. على الجانب الآخر، فإن العواقب هي بمثابة الأسلاك الشائكة التي تحمي الأسوار. فهي تعطي الآخرين دلائل واضحة على جدية واحترامنا لأنفسنا. كما تعلمهم أن القيم التي نتبعها هي شيء عزيز علينا، وأننا مستعدون لحمايتها. كما أنه ليس من الصالح تجنيب الآخرين نتائج أفعالهم لأنك بذلك تدفعهم لتكرارها. فالمسؤولية لا تتمثل في العطاء فحسب، ولكن أيضًا في وضع حدود أمام السلوك غير المسؤول للآخرين. الأمر سيؤلمه لكن لن يؤذيه. الجرح سيساعده. على سبيل المثال، طبيب الأسنان يؤلمك لكنه يعالجك. أما الحلوى فإنها شهية لكن مضرة.

طبيعي عندما نبدأ بوضع الحدود أن تغمرنا سحابة الغضب والمزاج الناري. هذا غضب قديم، وليس جديدًا. كل شعور له وظيفة. وظيفة الغضب أنه ينبهنا إلى انتهاك حدودنا، ووجود مشكلة تحتاج إلى حل. من الشائع أن يقع الأشخاص المجروحون فريسة للغضب وأن يقضوا مرحلة يجترون ما تعرضوا له بسبب عدم وجود حدود. الغضب مثل بقية المشاعر لا يعرف الزمن، فهو لا يتبدد آليًا بشكل آلي مهما مر الزمن. 

ربما تشعر الآن برغبة في وضع حدود في علاقات عديدة. لاحظ أنه ليس من الحكمة عزل نفسك فورًا، ووضع حدود مع الجميع مرة واحدة. ابدأ بالعلاقات الأسهل، والتي يمكنك تحمل عواقب وضع الحدود بها، والتمس الدعم. فطريق التغيير كثيرًا ما يبدو مقفرًا شائكًا. والدعم يساعدنا في الشعور بالاطمئنان والثقة في خطواتنا.


المصدر: كتاب الحدود، هنري كلود، جون تاونسند، مكتبة دار الكلمة.

المقالة السابقةFrances Ha: عن الخفة في مواجهة الثقل
المقالة القادمةكيف تكسرين دائرة العنف الأسري ؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا