بقلم: وفاء مرزوق
“أنا خايف” دي الجملة اللي بقينا نسمعها ونقولها كتير جدًا الوقت ده، ولو مش بنقولها بشكل واضح، بيكون الخوف ورا أغلب أفكارنا، وهو المحرك لمواقف كتير في يومنا. الخوف هو أصل القيود اللي بتشل حياتنا، ولما بنهرب منه في صحيانا بيطلع لنا في أحلامنا.
الخوف ابتدا من الأوضة الضلمة اللي فيها عفريت. إحنا مشوفناش العفريت، بس صدقنا وجود العفريت ده، ورسمنا صورة له في خيالنا، فسكن الخوف خيالنا وابتدا يشكل حياتنا.
الخوف ابتدا من أول صورة ذهنية اتغرست جوانا من اللي حوالينا، واللي شككتنا في قدرتنا على مواجهة الحياة، وخوفتنا منها ومن تحدياتها، ومن نفسنا ومن عجزنا قدامها.
الخوف ابتدا من المستقبل المجهول، والخوف من كل حاجة فيه، لدرجة إننا بقينا نتخيل الأسوأ أغلب الوقت. أقولك أقرب مثال حصل الكام شهر اللي فاتوا دول؟ أول ما ابتدبت الأخبار تنتشر حوالين فيروس كورونا وإن فيه أدوية ممكن تتاخد للمساعدة في الشفاء في المراحل الأولى. عارف عملنا إيه فى الأدوية من قبل ما نتصاب؟ إحنا خفنا من الإصابة، وخفنا من عدم توفر الدوا في المستقبل لو اتصابنا، فقلنا ناخد احتياطنا، وجبنا كل الأدوية المتاحة من الأنواع اللي تم الإعلان عنها في الوقت ده.
النتيجة إيه؟ النتيجة إن اللي اتصاب ملقاش الدوا، عشان اللي خايف من حاجة ممكن تحصله في المستقبل أخد كل الأدوية. عارف خوفنا هنا عمل إيه؟ خلانا مش منطقيين وسلب منا إنسانيتنا.
أقولك الخوف عمل فينا إيه، خلانا منعرفش نحب. متستغربش.. مشاعر الحب في الأغلب بيكون جواها خوف بشكل أو بآخر، فتلاقينا بنخاف نقرب قوي وبنهرب من العلاقات القريبة العميقة، لأننا بنخاف. بنخاف نتساب أو نترفض، بنخاف من الحتة القريبة دي لأننا بنكون متعريين تمامًا من كل حيل دفاعية، ومتجردين من كل وشوش. إحنا أوقات بنخاف نكون إحنا.. إحنا بكل طبيعتنا وبكل اللي فينا، لأننا بنخاف من الأحكام وبنخاف من الترك.
عارف كمان الخوف ممكن يأثر على إيه في حياتنا؟ ممكن يخلينا منبتديش علاقة من الأساس من كتر الخوف اللي جوانا، الخوف من الرفض، من المسؤولية، من تغير المشاعر أو حتى تغير الاختيار. الخوف بيخلينا نكتفي بشعورنا اللي مالي قلبنا، لكن مش بيخلينا نبادر، ولا نعبر. بنرسم سيناريو خيالى في بالنا يقف زي الحصن قدام عينينا ويمنعنا من أي خطوة.
فكر كام مرة بيكون عندنا فكرة وبنخاف نعبر عنها بالكلام؟ وكام مرة بيكون جوانا شغف تجاه حاجة نعملها ومش بنمشي ورا الشغف ده؟ عشان إحنا بنخاف من التعبير، وبنخاف من المجازفة وبنخاف من الفشل. الخوف بيتصدر المشهد من تاني في حياتنا وبيخلينا نتجمد في مكاننا مناخدش أي خطوة تجاه اللي عايزينه.
إحنا بنخاف من عدم استمرارية الأشياء، فلما بنضحك شوية بنقول “خير اللهم اجعله خير”. إحنا بنخاف نفرح! جوانا ميراث ثقيل من الخوف، اللي شكل أفكارنا، فممكن ميكونش فيه حاجة في الواقع تدعو للخوف، لكن خيالنا مليان بالخوف. مليان بتوقع السيئ.
الخوف الأكبر في أوقات كتير بيكون ساجنا جوانا. تلاقينا بنجري من حاجة مش موجودة حوالينا، بنجري من خيالنا. الأوضة مفيهاش عفريت ولا فيها أبو رجل مسلوخة. الموضوع كله في منظومتنا الفكرية اللي محتاجة إعادة إدخال شوية معطيات جديدة ليها.
محتاجين نعرف إن الخوف مفيد في بعض الأوقات. الخوف هو اللي هيخليني أجري وقت الخطر، وهو اللي هيخليني أبص يمين وشمال وأنا بعدي الشارع، وهو اللي هيخليني أبذل مجهود في الأشياء عشان آخدها أو أحافظ عليها. لكن الخوف لو اتحول لحاجة مرضية معطلة للحياة هيكون عندنا مشكلة كبيرة وقتها. مش هنعرف نحب لأن الحب اللي بجد مفيهوش خوف، الحب بيطرد الخوف، والعكس ممكن يحصل. مش هنعرف نجرب حاجة جديدة لأننا على طول هنبقى خايفين وشاكين ومش واثقين.
لو فضلنا جوة سجن خيال الأوضة الضلمة مش هنمشي ورا شغفنا، هنفضل على قيد الحياة بس مش أحياء. هنفضل في كلمة “لو”.. لو كان حصل، لو كنت عملت، لو كنت جربت، لو كنت اتكلمت.
اقرأ أيضًا: الخوف من المجهول: ما سببه؟ وكيف تتعامل معه؟