عاداتك .. حياتك

96

 

بقلم: وفاء مرزوق 

 

يعيش النسر حوالي 70 عامًا، لكنه عندما يصل إلى سن الأربعين يكون منقاره الحاد الطويل قد انحنى، ولم تعد مخالبه بنفس القوة والمرونة التي تساعده على الإمساك بفريسته؛ ويصبح ريشه ملتصقًا ببعضه وثقيلًا؛ مما يعيقه عن الطيران. وهنا عليه أن يتخذ قرارًا مصيريًّا؛ إما أن يستسلم لما وصل إليه، وتدريجيًا سيموت لعدم قدرته على التكيُّف، أو أن يقوم بعملية تجديد لكل ذلك مرةً أخرى. يتجه النسر إلى قمة جبلية عالية ويبني له عشًا، ويقوم بكسر منقاره المُنحني في الصخور وينتظر نموه من جديد، ليقوم بعدها بخلع مخالبه الضعيفة وينتظر نموها؛ ثم يقوم بنتف ريشه القديم. وتستغرق تلك المرحلة حوالي 5 شهور. ليتحول موضع موته إلى موضع ميلاد جديد له.

وأظن أن حالنا كحال النسر، حينما يتعلق الأمر بالتغيير أو هدم عادات قديمة سيئة وتكوين عادات جديدة بنَّاءة ومفيدة. وكثيرًا ما نعتاد على الحال، وقد نراه على عكس حقيقته! فقد نكون مُثقلين مثل النسر بريش كثيف نراه جمالًا وقوةً؛ وهو في الحقيقة ضعف وشيء مُعيق في الحياة.

 

فكيف نُعيد رؤية حياتنا ونٌقيِّم عاداتنا، ونرى بعين محايدة ما نحتاج إلى الاحتفاظ به من عادات، وما نحتاج إلى التخلي عنه؟

 

  • كُنْ صادقًا

علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا، فلا يوجد أحد نريد التجمل أمامه، لا توجد أحكام. إننا أمام مرآة أنفسنا لذلك علينا التحلي بالصدق أمامها. وأن نقول لأنفسنا: ليست هناك حياة مثالية أو كاملة، وأننا في احتياج دائم إلى تحسين وتطوير جانب من حياتنا. 

 

  • انظرْ إلى الخلف وأعد التقييم

علينا النظر بتمعُّن في روتين حياتنا اليومي، وتقييم ما إذا كان متوافقًا مع أهدافنا وقيمنا وما نريد الوصول إليه، وما نريد تركه خلفنا كذكرى أم لا. 

 

  • الاستعانة بصديق 

قد نحتاج إلى اللجوء إلى صديق مُقرَّب لمساعدتنا في رحلة إعادة التقييم لعاداتنا؛ فقد ترى العين الخارجية نتائج عاداتنا الداخلية بشكل مختلف عنا.

 

إن تلك العملية ليست سهلة مثل سهولة كتابة تلك الكلمات. لكنها تحتاج إلى إرادة تغيير وتخلٍّ وصبر. وأن نضع أمام أعيننا ثلاث نقاط؛ وكأنها خريطة وجهتنا:

  1. الدافع: لماذا تعتبر تلك العادة ضارةً وتحتاج إلى تغيير؟ ولماذا تعتبر تلك العادة الجديدة هامة بالنسبة لي؟
  2. القدرة: هل تلك الخطوات التي يجب اتخاذها قابلة للتنفيذ، وفي نطاق سيطرتي وتحكمي؟ 
  3. التنفيذ: متى سأبدأ؟ وما هي المحطات المرحلية والنهائية؟

 

وهذا لا يعني أن علينا اتخاذ خطوات كبيرة في آن واحد، بل يعني أن نتخذ خطوات صغيرة بوَتِيْرَةٍ ثابتةٍ. وأن نتذكر أن العادات الصغيرة هي التي تُشكِّل ما نحن عليه اليوم. 

 

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل مراحل التخلي عن عادة واكتساب عادة جديدة خالية من التحديات والتكلفة؟

حقيقة الأمر، أن الموضوع لا يخلو من  التكلفة على الإطلاق! فحينما نتخلى عن عادة اعتدنا عليها لسنوات أشبه بالاستغناء عن جزء منا، من كياننا؛ فمرحلة الاستغناء مكلفة، تكلفة الترك ليست هينة لكنها تستحق.

أيضًا اكتساب عادة جديدة له تكلفته المختلفة؛ وخاصةً عندما تكون عادة مخالفة لما (اعتاد) عليه الأغلبية. مثل اتباع حمية غذائية نباتية، أو التخلي عن وسائل التواصل الاجتماعي، أو تبني نمط حياة متوازن، إلخ.

لتكوين عادة والثبات عليها تكلفة في الوقت؛ فالتغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها، لكنه يتطلب وقتًا لضمان استدامة العادة. وهذا الوقت يطلب الصبر على رؤية نتائج سريعة. فمثلًا نحن لا نلحظ تغيرًا في أرقام الميزان بعد يوم أو اثنين من اتباع نظام غذائي معين، لكن علينا التحلي بالصبر حتى دون رؤية نتائج سريعة وملحوظة. الأمر يشبه المُثابرة على ري زرعة لا نرى منها أي جزء على سطح التربة. لكننا نستمر في ريها بالرغم من ذلك. حياتنا وعاداتنا تحتاج إلى الوقت والصبر حتى تتجذر بالقدر الكافي، وتزهر في وقتها المناسب.

للعادة تكلفة في المجهود المبذول فيها؛ إنها ليست آلية إلكترونية تعمل من تلقاء ذاتها، لكنها تحتاج إلى مجهود يومي. فإذا قررنا تكوين عادة القراءة مثلًا؛ علينا تخصيص وقت يومي لذلك، وقد نحتاج إلى وضع طريقة لتذكيرنا بذلك الوقت.

أيضًا تكوين العادة يتطلب اتساقًا لحين كافٍ كي تصبح تلقائية في حياتنا. وكأن عقلنا يُكوِّن مسارات عصبية جديدة خاصة بتلك العادة. لهذا فهي تستلزم الاتساق.

علينا أن نضع في أذهاننا حياة النسر، ومرحلة التجديد وإعادة البناء التي يمر بها. وكأنه اختيار وتحدٍّ يومي؛ هل هذا موضع اعتيادنا أم نقطة انطلاقنا وتجديدنا؟ 

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةفسحة
المقالة القادمةزي كل يوم

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا