بقلم: كرستينا ناجي
بغمّض عيني
زمان لمَّا كان ييجي مشهد صعب في التلفزيون أو حاجة بتفرج عليها كنت أغمض عيني أو أحط ايدي على عيني وأخبيها لحد ما المشهد يعدّي ويخلص، وأرجع بعدها أكمّل الفيلم أو اللي كنت بتفرج عليه. وبكده كنت بنجح أني أتجنب أي حاجة مخيفة، مش عاوزة أشوفها أو أحس بيها.
كبرت، واكتشفت أني لسه بحاول أعمل كده! لسه بتجنب أي مشهد صعب في فيلم، في أي حاجة بتفرج عليها! .. وبصراحة هي حاجة فعلًا مريحة، وبتخليني أتجنب حاجات أنا عارفة أنها هتخوّفني، هتوجعني، أو مش هقدر أتحمّلها.
بس للأسف مكنش ده دايمًا بينفع! لأن الموضوع طلع أكبر من شاشة بتفرج عليها، أو مسلسل بتابعه. الحياة بقى فيها مشاهد وصور وأحداث مؤلمة في كل يوم وكل لحظة بنعيشها! ومهما حاولت أتصرف بطفولية زي زمان وأخبي عيني .. فقلبي هيفضل حاسس، ووداني هتسمع، ومشاعري هتتأثر أكيد بكل اللي حاصل حوالينا دلوقتي من أحداث مؤلمة بل مفجعة كمان!
أعمل ايه؟!
بما أن الأحداث المؤلمة موجودة حوالينا دلوقتي، وكل يوم بقينا عايشين فيها، كلنا كبني آدمين هيكون لينا استجابات مختلفة عن بعض .. حد يبكي، حد ميعرفش ينام ويقلق، حد ثاني يحس بالذنب أنه مش في ايده حاجة يعملها، غيره وارد يكتئب وينعزل. حد ثاني جايز يحاول يتجنب التعرض للألم ده بشكل مباشر طول الوقت، حد ممكن يتأثر ويحكي عن التفاصيل والأحداث مع كل اللي حواليه، وغيره وغيره .. هتفضل استجابتنا ملهاش حصر وكل حد مختلف تمامًا عن الثاني.
ورغم كده كثير مننا وارد يحس أنه مش في ايده حاجة يعملها، فبنحس بالعجز، والخوف أكثر والفكرة دي في حد ذاتها وارد تخلينا نقلق أكثر.. وندخل في دايرة كبيرة نلف فيها ما بين تفاعلنا مع الأحداث والألم حوالينا، وما بين عجزنا أننا صغيرين قوي ومحدودين جدًا قُصاد الظلم والفقر والحروب والموت..
محدود
رغم كل التكنولوجيا والعلم اللي تطوّر، إلا أن هيفضل الإنسان كائن محدود ميقدرش يعمل كل حاجة، ولا يلاقي حل لكل حاجة .. وبنيجي نقف قُدام ظروف ومواقف نحس بقمة العجز؛ لأن مفيش في ايدنا حاجة تتعمل في المواقف دي.
وهنا بيبقي قُدامنا حلول كثيرة نلجأ لها؛ مثلًا حد وارد يقرر يتصرف بالقوة والعنف تجاه أي شيء، أو أي حد، بس علشان يحس أنه بيأخذ حقه بشكل ما. حد ثاني وارد يكتئب وينعزل ويحس أنه لا شيء؛ لأنه معملش حاجة كبيرة تحل وتنقذ الموقف. بس ده ممكن يأخذنا لسؤال ثاني أعمق شوية..
هل أنا فعلًا مش في ايدي حاجة تتعمل؟!
أو بطريقة ثانية، مش جايز ممكن أعمل حاجة ثانية مختلفة عن اللي متخيلها في دماغي؟!
التسليم
كثير بيكون المطلوب مني دلوقتي أو كل اللي في ايدي أعمله هو التسليم إلى الله الكبير القدير العظيم. وده بيخليني وأنا حاسس بقمة العجز ألاقي اطمئنان ..يعني أطمن من جوّايا أن في قوة كبيرة عظيمة مسيطرة ومتابعة كل الأحداث الأليمة دي بكل دقة وتركيز. وكمان هلاقي مكان واسع أرمي فيه كل أفكاري ودموعي ومخاوفي، وأبقى على يقين أني مسموع وكلامي متقدّر ومتشاف كمان.
وده يأخذنا لحتة ثانية كمان أني أفكّر في غيري، وأصلي وأدعي من قلبي للمتألمين والمنكوبين والمصابين في كل مكان، وأسلمهم إلى الله بكل أحوالهم في كل ليلة قاسية بيمروا بيها. وليكن ده دوري في الوقت الحالي مش علشان أرضي ضميري أو علشان مش في ايدي حاجة ثانية، لكن دي حاجة كبيرة جدًا ممكن تتعمل باستمرار من وأنت في بيتك أو غرفتك الصغيرة.
ينفع أغمّض عيني؟!
أخيرًا، واحدة من الطرق اللي أحيانًا بتساعدني وسط الظروف المؤلمة والأحداث العالمية الصعبة اللي كلنا بنسمعها وبنشوفها في كل لحظة على موبايلتنا وفي حكاوي الشغل والبيوت .. إني أغمض عيني أحيانًا!
وهنا مقصدش رد فعلي البسيط قوي اللي كنت بعمله وأنا صغيرة زي ما قلتلكم، لكن أقصد أني هختار بوعي أسمع ايه وأتفاعل مع ايه، وأدخل وأغوص في أي قصص وأخلي مشاعري تتتفاعل معاها للآخر.
ودي مش أنانية؛ لأننا كائنات محدودة عُمرنا ما هنقدر نتفاعل مع كل حاجة، ولا نعيش جوّا كل القصص .. ومقصدش أبدًا نطنش أو نتجاهل ألم الآخرين، لكن بختار اللي هقدر أتفاعل معاه في الوقت الحالي .. وجايز أتجنب صور معينة أو تفاصيل زيادة مؤلمة أنا عارف أنها مش هتضيف حاجة، لكن هتخليني أنهار أكثر ولا هعرف أكمل في حياتي ولا حتى أساعد بشكل عملي.
ممكن دي تكون طريقة تساعدك وسط الألم والأحداث الصعبة. بس هيفضل الألم أصعب وأقسى مما نتخيل .. وهيفضل تفاعلنا معاه مختلف جدًا .. واللي هيساعدك غير اللي هيساعدني. لكننا نسعى ونحاول نساعد غيرنا ونساعد نفسنا وسط الوقت الصعب .. علشان نفضل مكملين وعايشين، وبنكمل حياتنا رغم حاجات أليمة بتمر حوالينا ومعانا.
المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.