Frances Ha: عن الخفة في مواجهة الثقل

1203

بقلم: نادية جمال

في الفيلم: “فرانسيس” فتاة تجيد رسم البسمة في كل موقف، تمشي في أنحاء نيويورك مبتهجة، راقصة، ليس بغرض الاحتفال بحدثٍ ما استثنائي، فقط لكونها هنا، على قيد الحياة. تبتهج لحدوث أبسط الأشياء وأكثرها عادية، أشياء كالروتين اليومي في حياة غيرها، ولكن لأنها فرانسيس، تأتي على صخرتها هي وتتحطم. تمتلك خلطة سحرية تمكنها من الاحتفاظ بقلب كبير، يتسع لاحتواء الكون، حتى ولو لم تر منه سوى الضيق.

“فرانسيس” شخصية شديدة اللطف، بلاهتها الظاهرية لا تنجح أبدًا في إخفاء ذكائها وجاذبيتها. لا تسخر إلا من نفسها، دائما متأخرة، عمرها 27 وتعيش مشكلات أوائل العشرينيات. تسكن “فرانسيس” مع صديقتها “صوفي”، تصنع معها قصتهما المستقبلية، وتجعل منها حدوتة أو صلاة لما قبل النوم:

فرانسيس وصوفي: سنقوم بالاستيلاء على العالم.

فرانسيس: ستصبحين شخصًا بارزًا في مجال النشر.

صوفي: وأنتِ ستصبحين راقصة عصرية ومشهورة، وسأقوم بنشر كتاب باهظ الثمن عنك.

فرانسيس: وهؤلاء الحمقى الذين نسخر منهم سيتخفون منّا أسفل الطاولة.

صوفي: سنتشارك في امتلاك شقة للإجازات في باريس.

فرانسيس: وسنحظى بحبيبين.

صوفي: ولن ننجب الأطفال.

فرانسيس: سنتحدث في حفلات التخرج الجامعية.

صوفي: والشهادات الفخرية.

فرانسيس: نعم، سنحصل على العديد من الشهادات الفخرية.

تدخل “فرانسيس” في ارتباط عاطفي مع شاب يدعى دان، تخبر “صوفي” بأنها تحبها أكثر من ثلاث مرات في المكالمة الواحدة، ولا تخبر “دان” بشيء. ترتبك عندما يعرض عليها اقتراحه بالعيش معًا، تخبره بأنها لا يمكنها ترك “صوفي” لتحمل عبء الإيجار وحدها، وتعتذر عن الأمر بطفولية، متظاهرة بأنها “really feel bad” كما تردد أكثر من مرة إلى أن يطالبها بالتوقف. تأتي مكالمة من “صوفي” وفجأة يتبدل صوتها وتجلجل ضحكتها، فيُكشف تظاهرها. بعد انفصالها عن “دان” تعود لـ”صوفي” لتحظى بالصدمة: “صوفى” قررت تركها للانتقال والعيش مع “ليزا”.

فرانسيس.. العثرات والخيبات والأمل رغم كل شيء

“فرانسيس” ساذجة، تعتقد أنها و”صوفي” نفس الشخص لكن بقصة شعر مختلفة، تفترض في علاقتهما الديمومة، دون أن تسأل “صوفي” هل تعتقد ذلك هي الأخرى، فلا تصحو إلا على وقع خيبة الأمل. “فرانسيس” متحمسة أكثر من اللازم، ما أن تحصل على القليل من الأموال حتى تقرر إنفاقها على دعوة “ليف” للعشاء. تجلس على الطاولة في أحد التجمعات مفلسة، تخرج منه متورطة في رحلة لباريس.

“فرانسيس” تفتقد مهارة توقع الأسوأ، في كل مرة تعتقد بسيطرتها على الأمور تفلت من بين يديها. تدعو “ليف” على العشاء فيتعذر سحب النقود من البطاقة الائتمانية، وتجري في الشوارع باحثة عن ماكينة صرف. تورط نفسها في رحلة باريس لتقضي اليومين وحيدة ومتذمرة، ولا يأتيها رد “آبي” إلا بعد عودتها لنيويورك. تخطط لحفلة الكريسماس حتى تتمكن من دفع الإيجار، فيخبرونها باستبعادها من الحفلة. جميع الخطط مثالية في عقلها، معقدة على أرض الواقع. لا شيء يسير على ما يرام، تقول “أشعر بأني لست شخصًا حقيقيًا بعد”.

“فرانسيس” تُحسن الأمل دون دليل، ربما لذلك لم تنهَر، أكسبتها حياتها مناعة جيدة ضد الأزمات. تبدل عناوينها، تتنقل بين البيوت بخفة تتناقض مع ثقل تعثراتها. تيأس وتشعر بالأسف على نفسها، فلا تتوقف عند ذلك كثيرًا وتستمر في خططها الصغيرة للنجاة والتعلق بحبل القشة.

“فرانسيس” لا تعرف الإيجو الهش، تعمل مؤقتًا في الجامعة وتعود لسكن الطلاب، تقف بجانب فتاة أصغر وتخبرها بمرح بأنها أنهت جامعتها وعمرها 27 عامًا، على عكس ما تعتقد الفتاة، تذهب للعمل مدربة بمدرسة الرقص، فلا يرونها لائقة ويقترحون عليها بديلاً بشغل مكان السكرتارية، ترفض وتتصنع المكانة، تكذب بشأن عرض تلقته من مدرسة أخرى، تذهب وعندما لا تجد بديلاً تعود وتجلس على مكتب السكرتارية، بكل تصالح.

“فرانسيس” undateable لأنها تعرف ماذا تريد من علاقتها العاطفية، ولا تهتم بمتى ستأتي. تتصور الأمر بعذوبة مؤلمة وتقول “أن يكون هناك شخص ما، أنت تحبه وهو يعرف ذلك، وهو يحبك وأنت تعرف ذلك، لكنه حفل، وكلاكما يتحدث مع أشخاص آخرين، وبينما تضحك ويتوهج وجهك وتنظر عبر الغرفة تأسره بعينك، ليس بسبب حبك للتملك ولا هو مجرد انجذاب جنسي، ولكن لأن هذا هو شخصك في الحياة، إنه أمر مضحك ومحزن، لأنه ع الأغلب، هذه الحياة ستنتهي، وهذا العالم السري الموجود في تلك اللحظة لن يعلم بأمره أحد، إنه شيء أشبه بتلك الأبعاد الأخرى التي يتكلمون عن وجودها في كل مكان حولنا، ولكن لا نملك القدرة على إدراكها. هذا هو ما أريده من العلاقة، أو ربما من الحياة كلها”.

تقف “فرانسيس” في وجه الحياة وحيدة ومبتسمة، لا تغلق باب قلبها ولا تفقد حسها المرح. يكسب رهانها على الأمل للمرة الأولى، تتحقق في عملها ويصبح لها عنوان ثابت، مع ذلك تظل مصرة هي والقدر على مشاكسة اسمها.

Frances Halladay (No)

Frances? Ha (Yup)

الفيلم من بطولة جريتا جرويج في دور “فرانسيس”، وميكي سيمنر في دور “صوفي”، وآدم درايفر في دور “ليف”. من  إخراج نواه بومباخ، وسيناريو وحوار جريتا جرويج.

المقالة السابقةالصحة النفسية للطفل: أسباب الاضطرابات وكيفية علاجها
المقالة القادمةالحدود في العلاقات: ما أهميتها وكيف تضعها؟
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا