لكل مُدمن على الشراء: 10 أسئلة و5 قواعد

2627

أخبرتكم في المقال الماضي عن كثير من التفاصيل التي رافقت رحلتي في السيطرة على نهم الشراء، ولماذا بدأ لديَّ هذا النوع من الإدمان أصلاً، وكيف أحاول السيطرة عليه بنفسي. اليوم أخبركم بكل الخطوات العملية الأخرى التي تعلمتها ولا زلت أتعلمها، وأحاول تطبيقها طوال الوقت، لأصل بإدماني هذا لبر أمان أستطيع من خلاله أقول إنني قاربت على التعافي.

هذه الخطوات هي عبارة عن عدة أسئلة وقواعد ألزم بها نفسي قدر المستطاع، وأذكر نفسي بها دائمًا، كانت نتيجة الكثير من المشاهدات والقراءات لتجارب آخرين حاولوا القيام بما أقوم به الآن.. وها هي إليكم:

1. هل أحتاجه حقًا؟

صدقوا أو لا تصدقوا، لكن هذا السؤال على بساطته هو أصعب الأسئلة للإجابة عليها. لأنه في الحقيقة مفهوم الاحتياج تغيَّر وتطوَّر جدًا وانتقل من مجرد الاحتياج للأمور الأساسية للاستمرار في الحياة (المأكل، والملبس، والمأوى…) إلى اغراض وأمور أخرى يُعد أغلبها رفاهيات، ويُعد بعضها تكرارًا لما نمتلكه بالفعل، لكن في صورة مختلفة.

لذلك عند الإجابة على هذا السؤال، وجدت أنني أحتاج أن أكون أكثر وعيًا وإدراكًا لمفهوم الاحتياج بداخلي. هل أحتاج هذا البنطال لأنني لا أملك واحدًا آخر، أم لأنني أملك الأزرق الداكن وأحتاج واحدًا باللون الأفتح؟ في الحقيقة مع تكرار السؤال بداخلي، ومقارنة ما أملكه بما أود شراءه، وجدت أن في 80% من المرات أستطيع الاستغناء عن هذا الغرض الجديد، أو على الأقل تأجيل شرائه لبضعة أشهر إلى أن أستخدم حقًا ما أملكه.

تعرفي على: دليل سوق العتبة للملابس

2. هل أحتاجه لأستخدمه فورًا أم فيما بعد؟

يرتبط هذا السؤال في ذهني بواحد من الأفخاخ الأشهر والأكثر انتشارًا في المحال التجارية، وهو فكرة التخفيضات الموسمية، والتي كانت تدفعني لشراء أغراض كثيرة، بحجة أنها بسعر أرخص وأنني سوف أستخدمها فيما بعد. كأن أشتري ملابس مثلاً في تخفيضات الشتاء لأستخدمها الشتاء القادم، وبهذه الحجة أجد منفذًا لإنفاق المزيد من الأموال والانغماس أكثر في نهمي للشراء.

لا أستطيع أن أنكر أن هذه  الإستراتيجية قد تكون مفيدة فعلاً للتوفير على المدى الطويل. لكنها فخ لمن يعانون نهم أو إدمان الشراء، لذلك يُفضل الابتعاد عنها ما دمنا قد قررنا البدء في رحلة السيطرة على هذا الإدمان. عن نفسي وجدت حتى أنني بشرائي للأغراض بأسعارها العادية قبل التخفيضات، أكون أكثر تنبهًا وإدراكًا لحجم الأموال التي أنفقها، وأكثر حرصًا على ألا أسرف في عدد الأغراض التي أشتريها.

3. هل أشعر بالملل الآن؟

لأن في الحقيقة نضجَنا أو تقدُّمنا في العمر، لا يعني بالضرورة أننا أكثر حكمة في التعامل مع مشاعرنا وأوقات فراغنا، لذلك بنظرة سريعة سنجد أن أول ما نُفكر فيه لدى شعورنا بالملل هو أن نذهب للمجمع التجاري، أو أننا ربما نحتاج إلى قطعة ملابس جديدة، أو حذاء جديد، أو مجموعة مكياج بألوان جديدة، أو قطعة أثاث جديدة لكسر هذا الملل من حولنا، المُهم أن العملية في النهاية ستكون سببًا جديدًا لشراء غرض ما لا نحتاجه حاليًا.

لذلك يجب فعلاً أن نبذل جهدًا حقيقيًا في التغلب على مللنا، بعيدًا عن تصفح مواقع التسوق أو النزول للمتاجر والشراء فقط لكسر الملل.
كما ذكرتُ في الجزء الأول من هذا المقال، كان الملل والوحدة والشعور بالإحباط أكبر الدوافع التي جعلت إدماني للشراء يتفاقم ويلتهم حياتي. لذلك فأنا أدرك خطورته، وأدرك أيضًا كم المجهود الذي عليَّ بذله معنويًا وفكريًا لتغيير أدائي في هذه النقطة بالذات.

4. هل يمكن لميزانيتي تحمُّل ثمنه؟

هذا السؤال سيكون مُفيدًا جدًا للأشخاص الذين استطاعوا وضع ميزانية معينة، وتقسيمها لفئات على حسب احتياجاتهم الشهرية مثلاً.

هذه خطوة لم أستطع القيام بها بعد؛ لستُ جيدة مع الأرقام والحسابات، لكنني أحاول أن أضع ميزانية عامة لا أتخطاها في ضوء المبلغ الذي أود توفيره لهذا الشهر. أيضًا أضع في اعتباري نقطة هامة، وهي: هل ما سأشتريه الآن يستحق ثمنه الموضوع عليه، أم انه سيكون ثمنًا مُبالغًا فيه؟ تُساعدني هذه النقطة في اتخاذ قرار الشراء من عدمه أمام الأغراض ذات القيمة المرتفعة نسبيًا، والتي ربما تجعل ميزانيتي تُعاني بعض الشيء، لكنه إذا كان غرضًا هامًا، ذا جودة عالية، وأعلم تمامًا أنه يستحق ثمنه، ربما أضحي قليلاً، لأنني أعلم أنني سأسترد هذا الثمن في صورة استخدام مُتكرر له، دون تلف أو خسارة سريعة.

5. ما هي سياسات الاستبدال والاسترجاع الخاصة بهذا الغرض؟

هذه نقطة هامة جدًا في تعاملاتنا الشرائية كلها. ربما هناك بعض المتاجر التي نعلم جيدًا سياساتها، وأغلبها متاجر الملابس المعروفة لنا جميعًا، لكن في أغراض أخرى كالأثاث مثلاً، أو الأجهزة الكهربائية، أو حتى مستحضرات التجميل، قد تبدو لنا القواعد غائمة بعض الشيء، وبها الكثير من التلاعب. لذلك احرصوا على معرفة حقوقكم في الاستبدال والاسترجاع قبل شراء أغراض بقيمة مُرتفعة.

وهناك بند آخر أصبحت أكثر حرصًا في السؤال عن سياسات الاستبدال والاسترجاع فيه، وهو التسوق الإلكتروني، خصوصًا إن كُنت أتسوق من متاجر أو علامات تجارية محلية تعرض منتجاتها على فيسبوك وإنستجرام مثلاً. ببساطة أسأل عن حقوقي، وإن لم آخذ الإجابة عن سؤالي بوضوح لا أُكمل العملية مهما كانت السلعة جيدة ومهما بلغ احتياجي لها.

بشكل شخصي، توفر لي هذه الميزة مساحة من التراجع عن عملية شرائية ما، ربما ندمتُ عليها بعد عودتي للبيت لسبب أو لآخر، ولا أتردد في استغلالها، لأنني ببساطة لا أريد أن تتراكم في بيتي أغراضٌ لا أستخدمها بعد الآن.

6. بمَ سأشعر بعد شرائه (الفرح- الذنب- الاشمئزاز- الامتلاء- الخجل- السعادة)؟

راقبوا مشاعركم بعد القيام بشراء أي غرض. كما قلت سابقًا، هناك فئات من الأغراض تحفز لدينا نحن مُدمني الشراء الحاجة لشرائها، كالملابس أو مستحضرات التجميل أو أغراض المطبخ أو الأدوات المكتبة… إلخ. راقب شعورك بعد شرائك لأي غرض مُحفز لك، بعد أن تخرج من المتجر أو بعد أن تصل للبيت، بماذا تشعر حقًا، إن كُنت صادقًا مع نفسك في تسمية مشاعرك وقتها، فستكون قد حددت لنفسك بوصلة داخلية مهمة جدًا تُرشدك فيما بعد.

7. هل لديَّ أي شيء يُمكن أن يحل محله لفترة؟

إجابة هذا السؤال ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنقطة ذكرتُها في الجزء السابق من هذا المقال، وهي الجرد . جرد ما نملكه يُساعدنا في تحديد احتياجاتنا، وهل نحتاج حقًا لشراء أي شيء جديد أم لا. بالنسبة لي آخذ وقتي الكامل في التفكير وإعداد ذهني لاسترجاع ما أملكه، ومقارنته بما سأشتريه، وهل يُمكنني أن أستخدم غرضًا لديَّ بالفعل ليحل محل هذا الجديد؟ هل استخدمتُ ما لديَّ أصلاً أم أنه شبه جديد بعد؟

ولأصدقكم القول، لأستطيع فعل هذا بكفاءة، كان يجب عليّ أن أقوم بجرد حقيقي ومتكرر على مدار عدة مواسم، وتخفيض كبير لعدد قطع الملابس التي أملكها مثلاً، والأحذية التي لديَّ ولم أرتدِها بما يكفي. كان يجب عليّ أن أُدرك أيضًا أن من غير الضروري أبدًا أن أمتلك خمس بلوزات بيضاء أو أربعة بنطلونات جينز. لا يجب أن أمتلك من كل لون عدة قطع تحسبًا لان يتلف أحدها أو يتسخ فلا أجد بديلاً، لأنني ببعض المجهود يُمكنني أن أجد بديلاً في دولابي، ولكن بلون مختلف أو شكل آخر.

8. هل لديَّ مساحة لهذا الغرض؟

يُساعدنا الجرد المُسبق أيضًا في إدراك هذه النقطة بسهولة، بل إننا حتى بعد الجرد ربما لا نجد المساحة الكافية لأي غرض جديد نشتريه، وهذا يُخبرنا بكل تأكيد أن ما لدينا فائض عن حاجتنا، ولا داعٍ أبدًا لشراء مزيد من الأغراض التي لن تساعد، إلا في شعورنا بالاختناق والازدحام أينما توجه نظرنا.

9. ما هي عدد المرات التي سأستخدم فيها هذا الغرض؟

من عاداتي كمُدمنة على الشراء، أن أشتري أغراضًا لمُناسبات مُعينة، ربما لن تأتي إلا بعد شهور، كفستان أتخيل نفسي فيه وقت الصيف عندما نسافر لوجهة معينة، أو حذاء سألبسه في زفاف قريبتي… إلخ. كل هذه الأغراض هي ما يُطلق عليه أغراض الاستخدام الواحد، والتي في الغالب تكون أغلى ثمنًا من العادي، واستخدامنا لها يكون مُقتصرًا على مناسبة معينة، نستخدمها مرة أو مرتين على الأكثر، ثُم تختفي في ركن بعيد، ونستمر في تجاهلها كلما مررنا أمامها، لأنها ببساطة تُذكرنا باستثمار فاشل لأموالنا وطاقتنا.

إن كُنت مُدمنًا على الشراء مثلي، فنحن يجب أن نبتعد حقًا عن أغراض الاستخدام الواحد أو المُناسبة الواحدة. يجب علينا أن نكون أكثر حزمًا مع أنفسنا، لأن من غير المعقول أن نشتري لكل مُناسبة غرضًا جديدًا ثُم يكون مصيره الإهمال والنسيان بعدها. لا عيب في إعادة استخدام ما لدينا، أو البحث عن حلول أخرى في مثل هذه المناسبات، كشراء أغراض مستعملة، أو سؤال الأهل والأصدقاء ليعيرونا ما نحتاجه.

10. هل شرائي لهذا الغرض سيُعيق هدفًا ما أود الوصول إليه؟

إن كُنتم قد حددتم هدفًا مُعينًا، من أجله قررتم البدء في السيطرة على نهم الشراء، فهذا سيكون الأمر الأكبر والأبرز للرجوع إليه كلما شعرتم بالضعف والرغبة في شراء أي شيء. دائمًا اسألوا أنفسكم: هل سيُعطلني هذا الغرض عن هدفي؟ كم من الوقت و المجهود والمال سأحتاج للتعويض إن أردتُ تعويض ثمن هذا الغرض والاستمرار في السعي نحو هدفي ذاك؟

لا تستهينوا بالأمور ذات القيم المُنخفضة، لأنها في الحقيقة سلسلة من حلقات يجر بعضها بعضًا وتتراكم بسهولة، وفجأة تجدون أنكم قد أنفقتم مبلغًا كبيرًا على عدة أمور، اعتبرتموها تافهة ورخيصة ويمكن تحمل ثمنها. ألا يحدث هذا معنا جميعًا؟!


أما عن القواعد التي ألتزم بها فهي كالآتي:

1. الدفع نقدًا فقط

أجد أن عملية دفع ثمن أي شيء نقدًا، تجعلني مُدركة أكثر حجم الأموال التي أنفقها عندما أجدها تتناقص من محفطتي. تُعطي هذه المشاهدة لعقلي تنبيهًا كبيرًا بأنني يجب أن آخذ خطوة للوراء في حالات الشراء غير الضرورية، فأتراجع عنها أغلب الوقت.

2. الجرد الموسمي

أجرد خزانة ملابسي كل موسم تقريبًا، وأتخلص من كل ما لم أرتدِه في الموسم السابق، أو أي قطعة مر عليها أكثر من عام دون ارتدائها، بالبيع أو بالتبرع لجمعيات خيرية، فلا أتكل على الاحتفاظ بها لأنها لم تُبَع مثلاً. هدفي هو أن تخرج من خرانتي تمامًا، لا أن أحقق مكسبًا مادياً من ورائها.

3. شيء جديد يدخل.. شيء قديم يخرج

القاعدة تُفسر نفسها، وأنا أطبقها أغلب الأحيان. لو أعجبني حذاء، يجب أن أفكر أي الأحذية التي أملكها سيذهب. يساعدني هذا التغلب على حب التملك والتمسك بالأشياء، وإلا فلا داعي لشراء المزيد الآن.

4. يُطابق كل ما أحتاج إليه في هذا الغرض

أبحث مُنذ ما يزيد عن العام عن حقيبة بلون الكراميل، ولم أشترها حتى الآن، لأنني أريدها بمواصفات معينة، جودة عالية، ذراع مريحة، حجم مناسب، شكل أنيق، سعر جيد. حتى الآن لم أهرع لشراء أي بديل أجده أمامي، وأعد هذا إنجازًا كبيرًا، خصوصًا أنني حتى الآن لديَّ بدائل لها، لذلك فأنا مستعدة للتمهل في شرائها دون أي مشكلة.

5. يمكنني استرجاع أموالي نقدًا إن أردت إرجاعها

قللتُ من شرائي من المتاجر التي تُرجع لي أموالاً في هيئة كارت برصيد. إن لم أستطع استرجاع أموالي نقدًا كما دفعتها نقدًا، لا أشتري هذا الغرض منهم، إلا إن كُنت مُضطرة، أو شبه مُتأكدة أنني لن أحتاج لإرجاعه.


أعلم أن قراءة كل هذه الأسئلة والأفكار المُتعلقة بها قد تجعلنا نشعر بالضغط، وبأننا سنبذل مجهودًا أكبر من طاقتنا، لكن الأمر يستحق التأمل، ويستحق الوعي، ويستحق بذل بعض المجهود في البداية، ثُم ستجدون أن كل هذا يحدث تلقائيًا وبسلاسة أكبر. وكلما أمعنا النظر أكثر في خطواتنا الشرائية، شعرنا بقيمة ما نشتريه حقًا وتغلبنا على هوسنا أو نهمنا للشراء بدون داعٍ.

رحلة تغلب على إدمان الشراء موفقة جميعًا.

المقالة السابقةالكاتبات والوحدة
المقالة القادمةهذا ما فعلته صينية بطاطس باللحمة
مي فتحي
يبدو من الصعب التعريف عن نفسي، سأختصر الأمر، أنا أم، و زوجة. أكتب، أصور، أقرأ، وأملك فكرة جديدة كل يوم. وأمتلك 30 نبتة في بيتي، وهذا العدد قابل للزيادة دائماً، السرد والحكي هما الطرق الوحيدة التي أعرفها لأُثبت أنني قد وُجدتُ يوماً.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا