بقلم: روكسان رأفت
في اجتماع شهري لفريق العمل المُكوَّن من ستة أفراد؛ وُجِّه لنا سؤال من قائد الفريق! .. عادةً أخشى الأسئلة المفاجئة، رغم أنها متوقعة في مثل هذه الاجتماعات؛ لأنها اجتماعات تنعقد خصيصًا لإثارة الأسئلة، بما يسمى”العصف الذهني”.
كان السؤال بسيطًا، لكنه عميق جدًا: “ما معنى أو تعريف الحياة بالنسبة لك؟”.
تعودت في أي اجتماع للعصف الذهني أن أول إجابة تداعب ذهنك؛ لا بد أن تأخذها في الاعتبار! .. لكنني تأنيت لثوانٍ معدودة قبل أن أبادر بإجابتي الشخصية. ثم قلتُ إجابتي بتلقائية قابلة للاستفاضة والشرح: “لما بافكر في الحياة بفتكر القطر!”.
ولأنني كنت أتحدث عن وسيلة مواصلات إذًا فالحياة هي رحلة!
في سنين دراستي الجامعية، كنت أحيانًا أستخدم القطار للسفر إلى مكان دراستي في محافظة أخرى. ولأن القطار من أشهر وسائل المواصلات والتنقل بين محافظات الجمهورية، فكان معظم المرات يبدو مزدحمًا.
في رحلاتك بالقطار لا تملك دائمًا حق اختيار من يجلس بجانبك! .. إلا إذا كنتما تتفقان معًا وتحجزان كرسيين متلاصقين عن عمد! .. غير ذلك ربما يتغير مَن بجانبك مرة أو مرات على حسب مدة ومسافة سفرك.
وفي رحلاتك أيضًا أحيانًا تستمتع بصحبة من حولك، وأحيانا تنتظر متضجرًا وقت الوصول .. أحيانًا تصمت، وأحيانًا تكثر الكلام!
تحلو رحلتك إذا كنت ذاهبًا لمقابلة مَن تحب، وتتحمل بأسى إذا كنت مسافرًا لتوديعهم أو لتلقي علاج. وفي الحالتين لا بد من هذه الرحلات.
يمرُّ على رأسي -وأنا أكتب- شكل أرصفة المحطات التي يمر بها قطاري، وجوه الناس العابسة أو المبتسمة، الحقائب الثقيلة أو حقائب اليد المزخرفة.
أتذكر محطات توقف بها القطار أكثر من اللازم، ومحطات تعطل بها! أوقات طالت الرحلة بملل، وأوقات تمت أسرع من المعتاد.
ومن منا لم تفعل به الحياة هكذا! .. فمرةً تبتسم ومرةً تغلق أبوابها، مرةً نأتنِسُ، ومرةً نشعر بالوحدة رغم الزحام!
مَن منا لم يظل عالقًا بمحطات بعينها أو ضاق ذرعًا بمحطة ما طال الوقوف بها؟ ولا يوجد شيء أكثر صعوبةً وواقعيةً من أن الحياة لا تعلم! وإنما تُختبَر بشكل شخصي.
نستطيع تعلم كل شيء، إلا أن يكون هناك منهاج لهذه الحياة. فهي أكبر وأوسع من أن يكون لها “كتالوج”.
وسواء اتفقت معي في تشبيه الحياة برحلة أم لا؛ فمن المؤكد أنك تملك تعريفك الخاص للحياة. وكأن الحياة حقيبة كبيرة واسعة، وكلٌّ منا يملؤها بطريقته الخاصة.
فحتى عند ترتيب حقائب سفرنا تختلف الأولويات والمكونات. وربما هذا ما يجعل الحياة رحلة شخصية أكثر من أنها شيء مشترك بيننا كبشر. وبناء عليه أتذكر مقولة الفيلسوف ديكارت: “أنا أفكر إذًا أنا موجود”.
فإذا أردت إضافة أفعال أخرى غير “أفكر”؛ ماذا سوف تكتب؟
أنا شخصيًّا أضفت ثلاثة أفعال تشعرني بالحياة. وهذا العدد قابل للزيادة والتغيير والاكتشاف.
1- أنا أحب إذًا أنا موجود.
ليس فقط محبة الآخرين؛ إنما حتى محبة بعض الأشياء والشغف بها! .. الكتابة، الموسيقى، الأغاني، السفر، الطبيعة، الطهو، الألوان، القراءة، والفنون المختلفة. فكل هذه مكونات للحياة. وكلما استطعت تذوقها استطعت أن تحيا لا فقط أن تعيش. أتذكر -وقت ذروة وباء كورونا- أنَّ أكثر ما كان يشغلني -بالإضافة لصعوبة التنفس كعرض من الأعراض- هو تخيلي لماذا يكون شكل فقدان حاسة الشم والتذوق!
فالحياة هي أن تظل قادرًا على الشم والتذوق والاستحسان أو الاستهجان، قادرًا على الاختيار أو الرفض، قادرًا على استطعام الموسيقى وكلمات الأغاني والألحان.
2- أنا أتعاطف إذًا أنا موجود.
لا تستقيم الحياة بالعيش بمفردنا؛ فجميعنا مخلوقات اجتماعية علاقاتية نحتاج للآخرين ويحتاجون إلينا. وكلما تفاعلت مع الآخرين شعرت بأنني أحيا، شعرت بأنني إنسان قابل للتأثير والتأثر.
3-أنا أتعلم إذًا أنا موجود.
لا أحب التعلم لكثرة المعرفة التي ربما كثيرًا ما تنفخ! .. لكن التعلم بالنسبة لي يعني النمو، يعني أنني أنضج بحق، لا بحساب الأعوام. التعلم قيمة عظمى في الحياة لأنها تجعلك تختبر الحياة وتتعلمها بشكل شخصي. وحتى لو أعطاك بعض الناس نصائحَ ودروسًا عن كيف تحيا فستظل الحياة خبرة شخصية فردية.
أعتقد أنَّ على كل واحد منا أن يكون له قائمة أفعال شخصية تعني له الحياة حتى يحيا بحق، وليس فقط يعيش كأمر بيولوجي.
في دائرة الرحلة -أي الحياة- هناك العديد من المحطات والوقفات والطرق. ربما أحيانًا نعتادها ولا ندركها سوى بعد تحركنا منها، لكنها تشكل وتكون رحلة حياتنا بأكملها.
فاختبر الحياة وتذوقها، واختر مكونات حقيبة رحلتك، ولا تخشَ التساؤل والحيرة، واعرف قائمة أفعالك التي تعني أنك موجود، تعرف على آخرين وصادق ولكنْ أيضًا لا تخشَ عزلتك فهي محطة لازمة للرحلة واختر الحياة لتحيا.
المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.