بقلم: كريستينا ناجي
وليه مش عشرة من عشرة؟!
راحوا فين الثلاث درجات دول؟!
ليه سبعة من عشرة؟!
أغلبنا سمع نوعية الجُمل دي زمان في المدرسة، وتلقائيًّا أي رقم أقل من الدرجة الكاملة كان محطّ استغراب، وأحيانًا لُوم للتلميذ كمان، ونسأله الكام درجة الناقصين دول راحوا فين؟!
انتشرت في فترة على “السوشيال ميديا” صور فيها حتت ناقصة؛ زي مثلًا تورتة مقطوع منها حتة، شوية كُتب مترتبة وكتاب واحد منهم مقلوب، كوباية مليانة مياه بس ناقص منها شوية .. وكأنها صور بتوصف السبعة من عشرة، أو الحتت الناقصة اللي لو شفنا الصور هنبص عليها، ونسأل: والحتة الناقصة دي راحت فين؟!
واسمحوا لي أقترح وأفكر معاكم في شوية أسباب، بتخلينا نقيم نفسنا -وحتى غيرنا- بكَمَاليَّة شديدة وغير منطقية أحيانًا.
بنخاف!
بنخاف لو بصينا على اللي عملناه نكتفي ونكسل ومنجتهدش زيادة. فمثلًا لو بدأت أتقبل أني جايب في امتحان سبعة من عشرة؛ دماغي بتصور لي أني كده مش هجتهد، ومش هشدّ على نفسي ومش هسعى للأفضل! فلازم طول الوقت عيني تبصّ على السبعة وتتوتر وتفضل تجري، تجري طول الوقت.
أغلبنا بيفكر كده
نادرًا لما بنشوف واحدة ست راضية عن نفسها قبل العيد أنها نضّفت البيت نُص تنضيفة، أو أنها عملت الحاجات نُص نُص، وبتحسّ أن يارتني بعمل زي كل الستات ومش بسيب رُكن في الشقة منضفهوش، حتى لو على حساب صحتها!
وده -غالبًا- بسبب أن ده تعريف الشطارة والستات الشاطرة. كل الستات بتجيب العشرة من عشرة! وأنا يا حرام جايبة سبعة بس!
مفيش جماهير عريضة
عُمرنا ما سمعنا عن حد بيأخذ جايزة علشان جاب ستة ولا سبعة من عشرة! كل التقدير والجوايز التقديرية الأكبر بتروح للأول والأول مُكرر. لكن السابع الثامن التاسع مكانهم عادي.
مش بيجذب عيون الجماهير. وبالمثل، نادرًا ما حد هيدّيني جايزة علشان عملت نُص نُص، بالرغم أن ممكن تكون دي أقصى طاقة عرفت أعملها وقتها. غالبًا أنا بس اللي هحتاج أشجع نفسي. وساعتها بيكون الأسهل لُوم النفس وإحساسها بالذنب علشان ده المعروف والدارج. لكن التشجيع على السبعة من عشرة صعب قوي، وجماهيره قليلة جدًا.
أعمل ايه!
مفيش رُوشتة ثابتة حد يقدر يوصفها، أو نطبقها على الكُل. بس أول حاجة جايز محتاج تعملها أنك تفحص وتراقب نفسك وتفكيرك: هل أنا بعاني من الكَمَاليَّة؟ هل طُول الوقت تفكيري: ليه الكوباية مش مليانة لحد آخرها؟ هل دايمًا بدّي نفسي أرقام؟
افحص نفسك، راقب أفعالك، اعترف بوجود مشكلة، امدح نفسك على الأفعال اللي بتعملها في يومك بدون تقييم قاسي .. كُنْ رحيمًا مع نفسك.
ومتخافش، ده مش معناه أننا مش هنجتهد .. وليكن هنجيب ورقة وقلم ونكتب إيجابيات الأمر اللي تمّ إنجازه بدون كام من عشرة. وطبعًا ده تدريب صعب جدًا في البداية، خصوصًا لو ليك سنين بتقيّم نفسك بكَمَاليَّة شديدة.
اقبل محدوديّتك والطاقة المتاحة حاليًا. كل يوم مش زي الثاني، أيام بنجز وبجري وبجتهد، وأيام بكون طاقتي صفر. وهنا أنا محتاج أتفهم نفسي وقدراتي ومحكمش عليها بالفشل أو أدّيها صفر بمجرد عدم إنجازها المطلوب.
وأخيرًا هي رحلة وتدريب مدى الحياة .. فيها بحاول أدرّب عيني: زي ما أول حاجة كانت بتشوفها الثلاثة درجات الناقصين، تشوف كمان جنبها أني جايب سبع درجات.
زي ما أفكاري بتقول لي: إني معرفتش خالص، تبدأ تتخلق فكرة جديدة تقول لي: أنت حاولت، وعملت اللي عليك، وهتكمّل تحاول، بس بدون ضغط قاسي يمرر حياتي.
وزي ما ضميري بيقرصني ويطحني تحت شعور أني ولا حاجة .. يبدأ صوته يوطى شوية، ويتقبّل أن هي دي الحياة، وأن مرَّات كثيرة محتاج أسلّم وأستسلم أن الكمال لله وحده، وأني بشر.
اسمح لي أقترح عليك -عزيزي القارئ- تقرأ الكلمات دي بهدوء .. وجايز تحب تفتكرها من وقت للثاني، أو تكتب نسختك الخاصة منها.
إلى نفسي العزيزة..
بعتذر لكل مرة قيّمتك بتعسف شديد، عنّفتك لعدم كماليّتك .. أعدك أنني سأتعلم رؤية الأمور بشكل مختلف.
وأطلب منك أن تجتهدي برحمة، وتخفقي بشرف بلا ذعر، تحاولي بكل جد لا قسوة .. أعدك أنني سأخلع نظَّارة المُدرِّس الصعب الذي لا يقبل الأخطاء، وأن أتخلى عن عصا الشعور بالذنب التي أضربكِ بها في كل ليلة، لعدم إنجازك كل المهام المكتوبة بكماليَّة شديدة، وأن أترك القلم الأحمر الذي يلغي ويصفر كل إجاباتك ومحاولاتك في الحياة.
اطمئني الآن، أنتِ في أمان بغضِّ النظر هنجيب كام المرادي .. متقلقيش يا نفسي خلاص .. احنا مش في امتحان..
المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.