فقدان الشهية العصبي: لماذا نعذب أجسادنا؟!

1921

فقدان الشهية العصبي Anorexia nervosa: هو أحد اضطرابات الأكل. يجعل المصابة تعتقد أنها بدينة، وتخشى بشدة من زيادة الوزن، على الرغم من أن وزنها أقل من الطبيعي. يشيع هذا الاصطراب بين النساء بنسبة تفوق الرجال. فما هي أعراض هذا الاضطراب؟ وما الفرق بينه وبين الريجيم الصحي؟ وما أسبابه؟ وهل هناك دور للتنشئة والاعتداءات الجنسية في الإصابة به؟ وما هي أضراره الصحية والنفسية، والسمات الشخصية للمصابين به؟ وأخيرًا هل يعالج هذا الاضطراب علاجًا نفسيًا أو دوائيًا؟

أعراض فقدان الشهية العصبي (الأنوركسيا)

ليشخص هذا الاضطراب، يجب أن تظهر بعض السمات الأساسية، منها:

  • أن يقل وزن المصاب عن الوزن المثالي لأناس في طوله وعمره، بنسبة 15٪ أو أكثر. لكن كيف يحدد الوزن المثالي؟ من خلال مؤشر كتلة الجسم Body Mass Index BMI. وهو حاصل قسمة الوزن بالكيلوجرامات على مربع الطول بالأمتار. ويتراوح المؤشر المثالي لكتلة الجسم بين 18.5 و24.9.
  • اضطراب هرموني يؤدي إلى توقف الدورة الشهرية لثلاثة أشهر متتالية على الأقل.

هناك نوعان من الأنوركسيا:

  • النوع الأول: يعتمد على تقليل السعرات بصورة شديدة Restrictive Anorexics.
  • النوع الثاني: تمارس المصابة نوبات النهم، ثم سلوكيات فقد السعرات Binging Anorexics، لكنها تفقد أكثر بكثير مما تكتسب. تشمل هذه السلوكيات: التقيؤ، إساءة استخدام المليِّنات ومُدِرَّات البول أو الحقن الشرجية، الإفراط في ممارسة الرياضة. ويتشابه هذا النوع مع اضطراب “البوليميا”، ولكن الفرق أن المصابة بالبوليميا يظل وزنها ثابتًا. في حين أن المصابة بالأنوركسيا يكون وزنها أقل من الطبيعي.

الأضرار الصحية والنفسية لفقدان الشهية العصبي

يتسبب فقدان الشهية العصبي في عدة أضرار تصيب الصحة النفسية والبدنية للمريضة، مثل:

  • اختلال اتزان الأملاح والمعادن (الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والماغنسيوم) في الجسم بسبب القيء المتكرر.
  • قد يكون هناك انتفاخ في الوجه بسبب ورم الغدد اللعابية.
  • ارتفاع نسبة الإصابة بالتهابات الحلق.
  • احتمال حدوث نزيف في المرئ.
  • أن تبدأ طبقة مينا الأسنان في التآكل قليلًا.
  • الفشل الكلوي بسبب اختلال العناصر المهمة في الجسم.
  • ضعف العضلات الذي يؤدي أحيانًا إلى اضطرابات في عضلة القلب.
  • مشكلات واضطرابات نفسية، مثل: الاكتئاب، واضطراب القلق، وغير ذلك من الاضطرابات المزاجية، والوسواس القهري، وإدمان الكحول أو المواد المخدِّرة، وإيذاء النفس، والأفكار الانتحارية، أو محاولات الانتحار.

ما الفرق بين اتباع نظام غذائي صحي (الريجيم) وفقدان الشهية العصبي؟

اتباع نظام غذائي صحي (الريجيم) الأنوركسيا
الريجيم والوصول إلى وزن صحي هو جزء من الحياة. قضية الأكل والوزن والريجيم هي كل حياتهن، وكأن الوصول إلى وزن معين سيحل كل مشكلات الحياة.
فقدان الوزن طريقة لتحسين الصحة والمظهر. فقدان الوزن طريقة للحصول على السعادة والهروب من الألم وكل مشكلات الحياة. 
صورة الذات مبنية على ما هو أكثر من المظهر والوزن. صورة الذات مرتبطة بشكل جوهري بالوزن والنحافة. 
الهدف هو فقدان الوزن بطريقة صحية. الهدف هو فقدان الوزن بأي طريقة. 
ليست هناك كراهية للأكل، ولا خوف منه، ولا شعور باللذة أو الفخر عند الجوع. الجوع هو طريقة للشعور بالفخر والتفوق النفسي والأخلاقي.

من كتاب “الأكل: عدو أم صديق؟”

السمات الشخصية للمصابين بفقدان الشهية العصبي

نقص التغذية يؤدي إلى اختلال في التفكير والاكتئاب والانعزال عن الناس. بالإضافة إلى العادات الغذائية الغريبة وتشمل: الانعزال عن الآخرين خصوصًا أثناء تناول الطعام، تناول كميات قليلة من الطعام ذي السعرات العالية أو الاحتفاظ بها في أماكن غريبة كخزانات الملابس

– التحكم في الوزن وسيلة المصابة للهروب من مواجهة مشاعرها، وحل مشكلات نفسية مزمنة، كضعف الثقة بالنفس، والخوف من المواجهة وتحمل المسؤولية، وعدم الإحساس بالهوية وعدم القدرة على اتخاذ القرار.

– تتسم المصابة بهوس الكمال، والعناد وجمود الشخصية. تحرم نفسها من كل أنواع الراحة والاستمتاع. كما تلزم نفسها بالوصول إلى معايير مرتفعة من الإتقان في كل المجالات. والنتيجة أنها تعجز عن تحقيق درجة الكمال في كل شيء. وهو ما يؤدي إلى إصابتها بالاكتئاب والشعور بالذنب وكراهية النفس.

– اضطراب العلاقة بالآخرين بسبب التعليقات التي يسمعنها من الآخرين حول أجسادهن. كما أن نقص التغذية يؤدي إلى اختلال في التفكير والاكتئاب والانعزال عن الناس. هذا بالإضافة إلى عاداتهن الغذائية الغريبة التي تصير عازلًا بينهن وبين الناس. تشمل هذه العادات: الانعزال عن الآخرين خصوصًا أثناء تناول الطعام، تناول كميات قليلة من الطعام ذي السعرات العالية أو الاحتفاظ بها في أماكن غريبة كخزانات الملابس كي تبقى على قيد الحياة دون تناول أي طعام آخر. فقد لا تأكل في يوم كامل سوى قطعة شوكولاتة صغيرة.

أسباب الإصابة بفقدان الشهية العصبي

فقدان الشهية العصبي واضطرابات الطعام عمومًا لا يتعلق فقط بالأكل. فهي الجزء الطافي من جبل الجليد فوق سطح الماء. أما باقي الجبل، فقد تكون بفعل عدة عوامل كالتنشئة، والعلاقة بالجسد والجنس والآخرين والحياة بشكل عام.

1. عوامل التنشئة المتسببة في الإصابة بفقدان الشهية العصبي

تتحقق في أسر المصابين بفقدان الشهية العصبي صفات الأسر المضطربة، والتي تشمل:

أ. ممارسة أحد الوالدين أو كليهما للإدمان:

ليس فقط إدمان المخدرات، ولكن غالبًا لأحد الإدمانات الخفية مثل إدمان العمل أو الاعتمادية أو هوس الكمال. وهو ما يؤدي إلى الغياب الوجداني للوالدين. وهذا ينقل للطفل رسالة بأنه سيئ وغير مرغوب فيه. وتسعى المصابة من خلال التحكم في الأكل والقوام أن تشعر بأنها ليست سيئة.

ب. السيطرة المبالغ فيها من قبل الوالدين:

لا يسمح الوالدان بممارسة الطفل لإرادته المستقلة، حيث يحددان له كل شيء مسبقًا، مثل وقت النوم والاستيقاظ، وموعد الأكل ونوعيته، واختيار الملابس وغير ذلك دون مراعاة لأي ظروف، ودون السماح له بالتعبير عن مشاعره أو احتياجاته ورغباته. وقد يدفع ذلك الطفل إلى محاولة الإعلان عن استقلاليته من خلال التحكم الشديد في الأكل والوزن.

ج. الهوس بالنجاح وكمال الأداء Perfectionism:

التربية على مبدأ “إما النجاح التام أو الإخفاق التام، ولا شيء في المنتصف”. وعلى هذا، فإن الأخطاء غير مقبولة. وإن لم يحقق معايير الكمال في كل شيء، يوجه إليه التوبيخ القاسي. هذا بالإضافة إلى الاهتمام المبالغ فيه بارتداء الملابس المناسبة وتحقيق الوزن المثالي. وأحيانًا ما يكون أحد الوالدين (غالبًا الأم) مصابًا بأحد أنواع اضطرابات الطعام.

د. الفوضوية الشديدة وعدم التوقع Unpredictability:

يمكن أن يحدث أي شيء في أي وقت، لا أحد يستطيع أن يتنبأ برد فعله أو رد فعل الآخر، فالحنان قد ينقلب فجأة إلى عنف، وهذا يسلب الطفل الشعور بالأمان لأنه يعلم أن فترات الهدوء مؤقتة وقد تنقلب فجأة إلى النقيض. ويدفع ذلك الطفل إلى البحث عن الاستقرار بممارسة أي نوع من أنواع السيطرة الإدمانية كالسيطرة على الأكل من خلال اضطرابات الأكل المختلفة.

هـ. عدم السماح بالتعبير عن المشاعر:

تعنيف من يعبر عن مشاعره أو تجاهله، أو التعبير عنها بطريقة منفلتة، يجعل الطفل يعتقد أن التعبير عن المشاعر أمر سيئ. وتكون النتيجة أن الطفل يلجأ دون وعي منه إلى كبت مشاعره، أو التعامل معها من خلال سلوكيات غير صحية بدلًا من مشاركتها وجدانيًا.

و. قلة أو انعدام التواصل:

حين ينعدم التعبير عن الاحتياجات أو الاختلافات أو الإحباطات. ويكون التواصل مقتضبًا، وفي اتجاه واحد مثل الأوامر والنواهي، أو حول الأمور العملية الخالية من المشاعر، يصاب الطفل باضطرابات نفسية فيلجأ إلى السلوكيات الضارة بصحته وحياته نوعًا من الهروب.

ز. مشكلات في الحدود:

من أكثر الصفات المشتركة بين أسر المصابين، التطرف في وضع الحدود، فيكون هناك جفاء تام أو تورط مبالغ فيه وانعدام للحدود.

ح. الجوع للحب:

الافتقار للتعبير عن الحب بشتى الأشكال، كالتشجيع والوقت الخاص والهدايا هو أحد الصفات الغالبة في أسر المصابين بفقدان الشهية العصبي. قد يكون الحب موجودًا، ولكن يجب ألا نفترض أنه سيصل دون بذل الجهد للتعبير عنه. كما ينبغي التعبير عنه بالطرق التي يفهمها الأطفال والمراهقون.

2. دور الاعتداءات الجنسية في الإصابة بفقدان الشهية العصبي

تشير الإحصاءات إلى أن 50٪ من المصابات باضطرابات الأكل تعرضن للاعتداءات الجنسية. وتوجد عدة تفسيرات محتملة لتسبب الاعتداءات الجنسية في الإصابة بفقدان الشهية العصبي وغيره من اضطرابات الطعام:

  • كراهية الجسد وعقابه لأنه تسبب في هذه الإساءة.
  • محاولة استعادة السيطرة على الجسد الذي خضع طويلًا لسيطرة الآخرين. فالإنسان يشعر بألم وخزي شديدين عندما يفقد سيطرته على جسده.
  • استخدام الأكل وسيلة للتنفيس عن الغضب نحو المعتدي، خصوصًا عند عدم القدرة على توجيه الغضب نحوه من خلال إقامة علاقات جنسية متعددة مع الرجال.
  • الرغبة السحرية في إخفاء الجسد، واستخدام الأكل في تحقيق هذه الأمنية السحرية. وذلك إما من خلال النحافة كما في حالة الأنوركسيا، أو بإخفائه تحت أكوام الدهون كما في الإفراط القهري في الطعام.

علاج فقدان الشهية العصبي والتعافي منه

لا بد من الاستعانة بمتخصص نفسي، وذلك للمساعدة في مواجهة المشاعر المتقلبة التي يمر بها الشخص. ففي يوم قد يكون متحمسًا للتغيير، وفي ويوم آخر قد يرغب في التوقف. وقد يواجه ألمًا نفسيًا واكتئابًا شديدًا يحتاج إلى المساعدة لتجاوزه. وتوجد عدة أنواع من العلاج، قد يمزج المعالج بينها لتحقيق أفضل النتائج.

1. العلاج المعرفي Cognitive therapy

ويعني اكتساب مهارات فحص الأفكار والمعتقدات وتقييمها وتصحيحها، لتكون أكثر توافقًا مع الواقع. يساعد المعالج المصابة على اكتشاف وتصحيح المعتقدات الخاطئة نحو الأكل ونحو جسدها (إذا أكلت وشبعت سأكون إنسانة حقيرة لا تستطيع التحكم في نفسها، أنا بدينة ويجب أن أفقد بعض الوزن، الاحتياج إلى الأكل ضعف). يتعامل العلاج المعرفي أيضًا مع قضية الشعور بالقيمة والصورة الذاتية، وتعليم حقائق عن اضطرابات الأكل.

2. العلاج السلوكي Behavioral therapy

يتضمن مراقبة السلوك، عبر إجراءات مثل كتابة يوميات عن الأكل، تحديد أهداف سلوكية علاجية مثل زيادة الوزن. كما يشمل استخدام تدريبات الاسترخاء لتهدئة التوتر بدلًا من اللجوء إلى الامتناع عن الأكل، إلى جانب التعامل مع جروح وإساءات الماضي.

3. العلاج الجماعي Group therapy

من خلال المجموعات العلاجية ومجموعات المساندة التي تتيح للمصابات التكلم وكسر الإنكار والعزلة.

4. العلاج الأسري Family therapy

بما أن غالبًا للأسرة دورًا في الإصابة بالأنوركسيا، فإن تعديل الطرق التي يتعامل بها أفراد الأسرة مع بعضهم يساعد في العلاج، خصوصًا بالنسبة للأطفال والمراهقين.

5. مهارات تساعد على التعافي من فقدان الشهية العصبي

كما يساعد المعالج المصابة في تعلم وممارسة عدة أمور ومهارات تساعد على التعافي:

  • يساعد المعالج أو الطبيب النفسي المصابة في إعداد جدول أرباح وخسائر لكل من ممارسة الأنوركسيا والتعافي منه، (ماذا تربح من ممارسة الأنوركسيا، وفيم يضرها ذلك؟ ماذا ستربح من التعافي؟ وماذا سيخسر؟). عندما تميل الكفة جهة توقف السلوك المرضي، يتخذ العميل قرارًا بالتغيير.
  •  تعلم طرق غير التحكم في الوزن لمواجهة حقائق الحياة المؤلمة الحاضرة والماضية، والتكيف معها. وذلك مثل إدراك طرق التفكير والمعتقدات الخاطئة وراء تلك الاضطرابات.
  • تنمية الذكاء الوجداني، وتعلم إدراك المشاعر والتعبير عنها وإدارتها بطريقة سوية.
  • التخلي عن هذا القدر المبالغ فيه من السيطرة، ومواجهة حقيقة العجز والاحتياج إلى المساعدة، دون شعور مبالغ فيه بالخزي والعار.

6. إقامة علاقات صحية

من أهم العوامل المساعدة في التعافي من فقدان الشهية العصبي العلاقات الآمنة التي تتسم بما يلي:

  • نكون قادرين على التعبير عن مشاعرنا دون شعور بالخزي أو العار.
  • نشعر فيها بالقبول مهما كانت حالتنا، ورغم ما فعلناه أو نفعله الآن.
  • نثق بأن ما يقال هو الصدق.
  • نطمئن إلى أن ما نقوله لن يستغل ضدنا.
  • لا ندفع ثمنًا لنستمر بالصورة نفسها.
  • يمكن أن نخطئ في حق الطرف الآخر، فيعاتبنا بمحبة ويغفر لنا.

ولإقامة مثل هذه العلاقات نحتاج أن ننمي في أنفسنا توجهات القبول والانفتاح والشفافية والمخاطرة. نحتاج تدريب أنفسنا على الاستماع، والصبر، والتريث في إصدار الأحكام، والاستعداد للغفران وإعطاء فرص جديدة.

7. العلاج الدوائي Medical treatment

أحيانًا يتطلب علاج الأنوركسيا دخول المستشفى. وذلك لعلاج سوء التغذية الذي يؤدي إلى الاكتئاب ونقص القدرات العقلية اللازمة لتصحيح المعتقدات الخاطئة. وبعدها يتم استكمال العلاج النفسي المعرفي والسلوكي كما أشرنا سابقًا.

للأسف يمتنع كثير من المصابين بفقدان الشهية العصبي عن طلب العلاج، خصوصًا في البداية. فرغبتهم في الحفاظ على نحافتهم تتغلَّب على مخاوفهم بشأن صحتهم. إذا كنت تقلق بشأن شخص عزيز عليك، شجعه على التحدُّث إلى طبيب. وإذا كنت تشكين في إصابتك بفقدان الشهية العصبي، فحاولي أن تتحدثي مع أحد المقربين ممن تثقين بهم وتشعرين بالارتياح إليهم.

مصدر:

كتاب الأكل: عدو أم صديق، د. أوسم وصفي، دار أوفير للنشر.
المقالة السابقةالتناقض والاستقرار النفسي: باب النجار مخلع
المقالة القادمةالهوس بالجمال: أشكاله وأسبابه وكيف تتخلصين منه

1 تعليق

  1. I have been exploring for a little bit for any high quality articles or blog posts in this kind of house . Exploring in Yahoo I at last stumbled upon this website. Studying this info So i?¦m satisfied to exhibit that I’ve an incredibly good uncanny feeling I discovered exactly what I needed. I most surely will make certain to do not disregard this site and provides it a glance on a relentless basis.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا