قاتلُ الجسدِ مقتولٌ بفِعلَتِه .. وقاتلُ الروحِ لا تدري به البشر*
في الحياة اليومية ربما لا يُستخدم السباب أو اللكم للتنفيس عن مشاعر الغضب، لكن قد يُصب وبيله على الأحبة وأقرب الأقربين.
هذا ما يحدث في “العلاقات المدمرة” حينها قد نصل للمرحلة التي نُكرَه بها على تمرير المواقف حتى نتفادى تهديدًا ما، أو معاملة خشنة منزوعة الود.
إذا كنتِ تحت سطوة علامات المقال السابق وتريدين الخروج من هذا الوضع، فأول علامات القدرة على النجاة هو إدراكك لكونك ضحية عنف نفسي أو ابتزاز عاطفي من (شريك/ مدير/ زميل بالعمل/ صديق/ أب/ أخ).
ترك هذه المحطة المنهكة يحتاج إلى طقوس جديدة.
يقترح علماء النفس طريقين.. وإليكم بالطبع بوصلة الاختيار والقرار:
الطريق الأول:
هو للتخلص شيئًا فشيئًا من شَرَكِ العنف النفسي وتبديل الحال بحال أزكى وأطيب.
هذا الطريق له ثلاث خطوات تقترحها د/ سوزان فورود.
1- فهم نفسية الشريك:
ما منشأ هذا العنف؟ التنشئة/ صورته الذهنية عن المرأة/ الإحباط/ مشاعر النقص…؟
معرفة الخلفية التي تخرج منها سلوكيات الإهانة والجفاء تمكنكِ من فهم مع ماذا تتعاملين، حينها ستستطيعين التعبير بشكل أفضل عن ما يؤذيكِ حقًا وستُحسنين توصيل اعتراضك على السلوكيات لا الشخص.
يستحسن في الخطوة الأولى إشراكُ طرف ثالث موثوق ومقرب ويرغب في استمرار العلاقة، ليتضح للشريك أن الأمر ليس شخصيًا ولسنا أعداء نتحارب، لكن شركاء نُعد لعهد ألطف وأرحب في علاقتنا.
2- نتعلم أن نقول “لا”:
الضحية التي وقعت في فخ التلاعب العاطفي بعد الإيذاء النفسي تشعر بأنها ذات العقل الكبير، التي تحافظ على العلاقة وتمرر الأخطاء في حق نفسها لتستمر الحياة. هذا بالضبط ما عليكِ التوقف عنه.
3- وضع الحدود:
سنتوقف عن إرضاء الآخر لاتقاء شر ردة الفعل، عندما نصل إلى هذه الخطوة سننال حظنا الوافي من محبتنا لأنفسنا ووضع ذواتنا أولوية، أنتِ لست فريسة أحدهم. أنتِ لكِ قواعد وحدود يجب أن تُحتَرَم، هذه الحدود ستوقف أنهار الإهانة المستباحة وتحافظ على احترامك لنفسك وثقتك بها.
إذا سرنا بهذا الطريق فهذه النصائح والخطوات لا تعني التوقف عن حب الشريك أو فرض الرأي بلا تعقُّل، لكن المطلوب هو الشعور بالمسؤولية النفسية تجاه الآخر، لأن العلاقات بنايات تُشيد من الثقة والاحترام ويجب أن تقوم على أسس سليمة.
الطريق الآخر:
هو لمن ينهار اعتباره لذاته وتُحطم دواخله بفعل الشريك، أو لمن امتد الأذى وطال أطفالها بالتبعية.. أعرف أنكِ تفتقدين تعاطف الآخرين وفقدتِ كذلك تعاطفك مع نفسك.
يقترح عليكِ في تلك الحال علم النفس أن تهربي لحياتك، وتخرجي من ظلمات مشاعر الدونية وفقدان الثقة بالنفس، وتتركي هذه العلاقة بلا رجعة أو أسف.
الخروج من علاقة تبدو إنسانية لكنها تحوي الأذى والتشويه يشبه الولادة، عالم جديد بمفاهيم قد لا نعرفها، سيبدو الأمر غامضًا في البداية، حكاية مفعمة بالأسئلة، ربما تصاب روحك بالقلق، ربما يصارعكِ الخوف، لكن في حقيقة الأمر الخروج هو رقصة جديدة نتلعثم في خطاها، ونبدو أمام أنفسنا كأطفال لا يجيدون الطريقة لكنهم يسعون بحماس لإحراز تقدم أكبر في إتقانها.
هنا نخطو أولاً ببناء مفهوم حقيقي عن أنفسنا. بالطبع ستنازعنا آراء المُعنِّف فينا، ستظهر كلماته بكل غلظتها وثقلها لتردنا عن الطريق.
احتفظي دائمًا بمفكرة بها صفاتك وقدراتك الحقيقية، إذا كان لديكِ صعوبة في تكوين صورة واضحة عن نفسك، الجئي لأصدقائكِ والمقربين واسأليهم عن محاسنك وسجّلي الصفات المتكررة.
ثانيًا سنجلب وعينا المهمش بفعل التجربة ليتبنى أفكارًا أرقى عن “احترام النفس والجسد”.
ثالثًا نسمع لاقتراح غاندي بأن نرسم شجرة عائلة للعنف، نسجل بها كل فكرة وشعورًا سلبيًا مررنا به، كل ضرر عاطفي وانفعالي أتانا من الآخر أو من ذواتنا لننتزع جذور الضرر التي سببها تراكم الأذى وتفقد المشاعر السلبية سيطرتها على سلوكنا.. هذه الإستراتجية تمكننا من التصالح مع خيباتنا وعبورنا إلى بر الأمان.
أخيرًا ستظهر مساحة أرحب تتسع لقصة آتية ونجاحات قادمة، اسمحي لهذه المساحة دون شعور بالذنب.
لا بد أن نسير هذا الطريق إذا شئنا أن نعالج الفلسفة العميقة التي ترسخت وشجعت المستبد على عنفه، وأثنت على الضحية وعلمتها الخضوع.
وحدكِ تسطيعين الخروج من كهف الصمت وتفتتين بقدرة دائرة الألم النفسي، التي ستمتد إذا لم تلبِّ حق روحك في علاقات إنسانية كريمة.