ياسمي
في العشرينيات نتمسك أغلبنا بالحلم الوردي، الرومانسي الجميل، حول فارس الأحلام المُنتظر الذي سنُحقق معه كل ما نتمنى، تعمينا فورة الحُب الأولى عن العيوب، التي متى رأيناها رَدَّدنا كم نحن مؤمنات بُقدرتنا على تغيير الآخر ليتناسب مع الصورة التي في خيالنا.
فإن راودتنا الشكوك سُرعان ما نتغاضى عنها مقتنعات بقُدرتنا نحن على التَحَمُّل والتأقلم، كي يظل كل شيء جميلاً، دون أن نُدرك أن الحُب وحده لن يكفي، وأن هذا الفخ سقط به الكثيرون قبلنا، وحدها التجربة هي التي ستوقظنا، ولكن بعد فوات الأوان.
في الوقت نفسه هناك من خدمتهن الظروف فنَجَوْن من هذا الفخ اللذيذ، فاستمررن في خوض الحياة وحدهن واصلات لبَر الثلاثينيات الآمن، والذي لم يلبث أن جعلهن يحسبن الأمور بطريقة مُختلفة، خصوصًا إذا كُنَّ مُعتمدات على أنفسهن، وقادرات على تحقيق أحلامهن بمفردهن دون أن يشعرن بالانتقاص أو الحاجة لأحد.
ففي الثلاثينيات، بعد المرور بالكثير من التجارب، والسقوط المدوِّي للصورة الوردية الأولى، تتغير نظرة بعض النساء للارتباط العاطفي، ومنظومة الزواج بأكملها، وبدلاً من أن يقتطعن من قائمة شروطهن وأحلامهن كما يتصوّر المجتمع، باعتبارهن كبرن في السن وبالتالي قلَّت فُرصهن، يحدُث العكس، فيصبحن منمقات ومُدققات أكثر، فهُن حققن ذاتهن كالرجال، وما من شيء/ شخص يستحق تنازلهن عما وصلن إليه.
وهو ما يضعهن في تحدٍ صارخ مع المجتمع الذي يؤمن بأن النساء ليس لهن سوى بيوتهن، في حين يرون هُن أن ليس لهن إلا أنفسهن، فمن قَبلهن هكذا منحنه الفرصة، ومن لم يقبلهن وأراد تغييرهن أو التقليل من شأنهن، لن يُعرنه انتباهًا من الأساس.
فيلم حاول الانتصار لتلك المرأة الثلاثينية، التي ترفض تشذيب أجنحتها من أجل أن تتناسب مع معايير مُجتمعية ضيقة الأُفق، تلك المرأة التي تعرف كيف تكون سعيدة ومرتاحة حتى ولو لم تكُن طرفًا في قصة عاطفية، لكن المجتمع من حولها لا يتركها في حالها، مُصممًا أن يتهمها بالنقصان حتى وإن لم تكن هي نفسها تشعر بذلك.
وفي حين أن أغلب الأفلام قد تذهب في سكة افتقاد المرأة العازبة للحُب و/ أو الجنس حتى ولو أنكرت، إلا أن إيناس لطفي (مؤلفة الفيلم) قررت أن تُسلّط الضوء في هذا العمل على قضية مُختلفة تمامًا.
فنموذج المرأة هنا قوية، ناجحة، ترفض التنازل عن شروطها أو التخلّي عن مواصفات فارس أحلامها لمجرد الفَوز بلقب زوجة، والأهم لا تؤزمها فكرة كونها غير مرتبطة برجل، في حين أن كل ما تفتقده من تلك المنظومة هو إشباع غريزتها الأمومية، وأن يكون لها طفلها.
والحل؟
قرر صُناع هذا العمل أن يمنحونا حلاً جريئًا وغير تقليدي، حيث تُقرر البطلة أن “تشتري راجل” فعلاً، فتتزوجه مقابل مبلغ مالي يجعلها تشترط حصولها على طفل من هذه الزيجة، على أن يتم الحمل بواسطة التلقيح الصناعي لا ممارسة الجنس، بعدها يصبح لا مفر من الطلاق.
بالطبع هذا الحل ليس عمليًا لكنه فني بامتياز، إذ نجح في طرح المشكلة ومعُالجتها بشكل خفيف الظل جعل من السهل تمرير تلك القضية على مرأى ومسمع من الجميع، حتى أنه مع مرور الوقت والأحداث أصبحت الحبكة مُستساغة وغير مُستهجنة، قبل أن تسقط البطلة في نفس الفخ البدائي جدًا.. الحُب، تلك اللعنة التي تُسقطنا جميعنا أرضًا، لَمس أكتاف.
ليصبح السؤال: تُرى هل انتصر فيلم “بشتري راجل” للمرأة، أم أنه لَف ودار ودار ولَف حتى وصل بنا في النهاية لنقطة البداية؟
بالنسبة لامرأة عاطفية مثلي سأقول إن انتصار الحُب ليس هزيمة، وبشكل فني وتجاري بحت فهذا الحل أيضًا هو الأنسب لنهاية فيلم رومانسي كوميدي خفيف.
لكن إذا نظرنا للأمر من وجهة نظر نسوية، سنجد أن إخلاصًا للتجربة كان من الأفضل لو أن البطلة فعلاً حققت مُرادها، ثم انفصلت مُستكملةً طريقها وحدها، مُبرهنةً على إيمانها بفكرتها الأولى، ليس لأن الوقوع في الحب عيب ولكن إثباتًا لأن المرأة فعلاً تستطيع الحياة دون رجل.
على أي حال، وبغض النظر عن النهاية، فهذا الفيلم يُعلنها صراحةً:
أيها الرجال.. لقد انكشفت أوراقكم وصرنا نُدرك حقيقتكم، فاحذروا، فيومًا بعد يوم أصبحنا نرى الصورة أوضح، ونُدرك كم يُمكن للرجال أن يصبحواً محض عبء على النساء، عبئًا على قلوبهن، أرواحهن، صحتهن، وكذلك جيوبهن.
وهو ما جعل نساء كثيرات بالتبعية يهربن من مؤسسة الزواج، خصوصًا كُلما تقدّم بهن العمر وكُن أكثر اعتمادًا على أنفسهن، فعرفن كيف يصبحن مُستقلات ومُستقرات ماديًا ونفسيًا. إذ ما الذي سيدفعهن حينها للارتباط برجال من شأنهم أن يُثقلوهن، مُثبّتين أقدامهن بالأرض، مانعينهن من التحليق عاليًا، لا لشيء سوى لأنهم نشؤوا في مجتمع لا يعترف بحَق المرأة في الطيران؟!
لذا إذا كنتم تأملون في حياة قائمة على المشاركة والحب، وتطمحون إلى الاستقرار، سيكون عليكم مُراجعة قناعاتكم، مُدركين أن الزمن قد اختلف، والظروف تغيَّرت، وأن المرأة لم تعد مكسورة الجناح، أو مُضطرة للحياة في كنف رجل، بل على العكس، فكل الشواهد والتجارب تدل على أن المرأة تستطيع أن تصمُد وحدها مؤديةً كل الأدوار، بينما الرجل، ذلك الطفل الكبير هو مَن يحتاج عاجلاً أو آجلاً الرعاية والاحتواء.
وإن كان علينا ألا ننسى جميعنا، نساءً ورجالاً، أن الأمر ليس حربًا إما أن نهزمكم فيها وإما تهزموننا، لكنه أيضًا ليس محسومًا، ولا أفضلية فيه لأحد على الآخر.