من حمى التخطيط إلى عيش اليوم بيومه

1275

بقلم: دينا محمد يوسف

دخلت العام الماضي بخططٍ عظيمة، كان أولها أن أتقن اللغة الإنجليزية، وأن أخسر كيلوجرامات من وزني، وأن أهتم بصحتي النفسية. كانت أهدافًا غير محددة، وعلى الرغم من أنني لم أُتم خطة، خططتها في السنوات السابقة، فإن يقيني الأحمق كان يدفعني ويخبرني، سيتحقق مبتغاك هذه السنة، اعملي فقط، ولكن للأسف ومع أول أيام السنة فقد هاتفي قدرته على التحمل وانهار تمامًا، ومعه أول الأحلام، والذي كان يعتمد بالكامل على تطبيق لم يعد الهاتف قادرًا على تحمله، ثم صدمني الشتاء، بلطمته شديدة البرودة والتي جعلتني غير قادرة على تحمل النظام الغذائي ليومٍ واحد، وانتهى شهر يناير المجيد بفقدي صديق محبوب، ما أدى إلى تدهور صحتي النفسية.

من ضيق التخطيط إلى رحابة اليوم بيومه

كنت أظن أن من يمتلك خطة هو الناجي الوحيد في العالم، ولكن في حقيقة الأمر الناجي الوحيد هو من يتمكن من عيش اليوم بيومه فقط. في طفولتي قصت أختي قصةً عليَّ، لم أعد أتذكر في أي كتابٍ كانت، كل ما أتذكره هو القصة، وهي عن رجل وهو يمر في طريقه ذات يوم وجد بابًا، ففتحه ومنه ولج إلى مدينة بهية زاهية الألوان وفيرة الخير، وحينما التفت وجد الباب لم يعد موجودًا، شعر الرجل بالخوف لكنه مضى في طريقه يتفرج على المدينة، وحينما شعر الرجل بالجوع، شم رائحة الخبز، وحينها دخل إلى دكان وأخرج مالاً من جيبه بغية شراء الخبز، لكن الرجل رفض المال وقال له: “خذه على بركة الله”، ومضى في طريقه، فإذا به رأى فاكهةً لذيذة فاشتهاها، وكرر له البائع الثاني “خذها على بركة الله”، والثالث والرابع حتى أنه حينما جن عليه الليل لم يجد مأوى، فأخذه رجل ووهبه دارًا وقال له “خذها على بركة الله”، ولما امتلك الدار وأصبح من أهل المدينة، وجد فتاةً جميلة سقته الماء وهو عطشان، وأخبره والدها “تزوجها على بركة الله”، وأخذه للعمل معه في دكانه، وذات يوم بينما هو راجع اشتهى منظر سمكة فأخذها للبيت، وحينما رأتها امرأته أخبرته أن عندهم قوت اليوم، فاقترح ببساطة أن تحتفظ بها ليوم الغد، حينها ولولت زوجته، وأخبرته أن أيام سعادتهما انقضت، فكيف يرتب للغد، بل كيف ينازع الله في ملكه وترتيبه، وحينها فتح عينيه ليجد نفسه في ذلك المحل الذي كان فيه أول الأمر، فندم أشد الندم.

على الرغم من خيالية القصة ودلالتها الرمزية التي تنطلق من منطلقٍ ديني، فقد كانت تتشابه معي فعلاً، فالهم والغم كانا يلاحقانني، أنظر لعقد الأيام وهو ينفرط بين يدي، وأكتئب لأن خططي فشلت، وأحاول التخطيط مجددًا، فتفاجئني الدنيا، ففي العام المنصرم، لم أحقق ولو نصف هدف واحد مما خططت له، أول الأسباب كانت الحالة النفسية السيئة، والتي تفاقمت بسبب أخبار الجائحة، ورائحة الموت التي أصبحت أشمها في كل مكان، وأخبار الموت التي تطرق مسامعي من كل مكان، التخطيط طويل المدى الذي يزعم الكثيرون أنه من أفضل الطرق لإدارة الحياة، أثبت فشله بجدارة.

آلية اليوم بيومه كانت هي الإنجاز

لم أخطط للعمل في هذه السنة، وهو الأمر الوحيد الذي كسبته منها، ولذلك قررت أن أكون سيدة رائعة ومنظمة، فقررت التخطيط مجددًا، لأكون مثالية، كاملة، وذات صباح فاجئني خبر وفاة صديقتي، فكان فقدي الثاني، ولكنه الفقد الذي خلخلني، والذي وضعني في مواجهة نفسي، ليخبرني “ماذا لو أنك مت اليوم، هل كانت ستنفعك الخطط؟!”، خرجت من تلك المواجهة فتاة تحب أن تعيش يومًا بيوم، تجاهد لتنقذ نفسها من السقوط ليس إلا، تحاول ألا تترك نفسها لاكتئاب لعين، وألا تصب اهتمامها على أخبار الموت، لقد عرفت أن اليوم المنجز الوحيد، هو اليوم الذي تخرج فيه بكاملك، دون أن تفقد صحتك، أو تفقد عقلك، أو تتكوم في الركن لأنك مصاب بنوبة هلع، كان هذا هو اليوم الوحيد الذي يعد إنجازًا، ويبعث على السعادة.

اليقظة: أو كيف ساعدني التركيز على مجابهة القلق

عرفت هذا العام تمرينًا مهمًا، يتضمن هذا التمرين أن أركز على ما أفعله في هذا الوقت فقط، يعنى ذلك ألا أقوم بعمل شيئين في نفس الوقت، طبقت هذا التمرين على اليوم فقط، اليوم الذي كنت أركز فيه باهتمام يفلح الأمر ويمر دون قلق، واليوم الذي لا أتمكن فيه من الاحتفاظ بتركيزي يلتهمني القلق، وأكون وجبته اللذيذة ذلك اليوم، لذلك فإن أهم الأمور التي تُمكننا من مقاومة القلق هو التركيز على يومنا، على لحظتنا، على ما نقوم به فقط.

تعلمت الدرس هذا العام وألقيت مخططاتي بعيدًا، وأصبحت أحاول ضبط الأشياء في نطاق اليوم، أستيقظ لأنتظر ماذا سيبهرني به القدر اليوم لأتعامل معه، ولا أجعله يؤثر على ما تبقى مني. التخطيط أيضًا ليس سيئًا، ولكن الأهداف الكبيرة والعظيمة لا تحدث مرةً واحدة، كما قرأت ذات مرة “الأشياء العظيمة تستغرق وقتًا”، فلا تكن عجولًا كما قال فعل صديقنا في القصة.

المقالة السابقةكيف تتخلص من الحزن: محاولات التخطي والنجاة
المقالة القادمةلبن الأم وسحر الرضاعة الطبيعية
مساحة حرة لمشاركات القراء

1 تعليق

  1. أنا اتبعت هذه الطريقة في عام 2020 لأن التخطيط أًبح يضغط علي و قد قمت بتحقيق أمور لم أكن خططت لها سابقا و لا أخذتها كهدف جدي , التخطيط للمدى الطويل مزعج نوعا ما و غير فعال لأن اهتمامات الإنسان تتغير مع الوقت

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا