البيت بيتك

462

بقلم: كوكي ناجي

 

حد حصل معاه الموقف ده قبل كده؟!

نبقى قاعدين في مكان شيك، لطيف جدًا؛ أكل حلو، ناس كثيرة، حاجات كثيرة مزينة المكان. وبعد شوية أحسّ أن خلاص كفاية، أنا عايزة أرُوح مكان ثاني دلوقتي! .. أو بمعنى أدق “عايزة أروّح بيتنا”!

معرفش حد جرب الشعور ده أو لا؛ بس أنا بيحصل معايا أحيانا كثيرة .. بيوت .. منزل صغير .. بيت أبويا .. بيت جدتي .. بيت العيلة .. بيت جوزي وأولادي .. بيت قرايبي في البلد .. بيت صحاب عُمري .. بيتي أنا..

يا تري كان ايه انطباعك وأنت بتقرأ الكلمات دي؟ أو خليني أسألك بشكل ثاني، اختار منها أقرب بيت ليك واوصفه بكلمتين قبل ما تكمل قراءة .. خلي الكلمتين دول على جنب دلوقتي، بس خليك فاكرهم ، وخلينا نكمل سوا.

 

 يعني إيه بيت؟!

سؤال مُكرّر، سمعناه كثير، أغاني وصفته، جُمل على “السوشيال ميديا” تكلمت وعرّفته بطريقتها .. إلا أني لمّا فكرت حسيت أني محتاجة أخذ وقتي، وأفكر في إجابة تخصني وتبقى بتجاوب عن اللي شايفاه بالضبط.

طول عمري حافظة بيتنا صم، عارفة شكل وتفاصيل الأُوَض حتة حتة، بحب حتت أكثر من حِتت في البيت. الأغرب بقى أني حافظة أصوات عادية جدًا، لكنها متكررة. يعني -مثلًا- عارفة صوت شباك البلكونة في أوضة أخويا وهو بيقفل، وأعرف أفرّقه عن صوت شباك أوضة مامتي مثلًا! حاجة مضحكة مش كده؟!

اكتشفت من فترة أني حافظة ومميزة صوت رنة مفاتيح ماما وأخويا؛ وهم بيفتحوا الباب .. وهم فعلًا مختلفين عن بعض. وفيه أصوات بقى بتحرّك قلبي معرفش ليه! صوت غوايش ماما الصغيرة وايديها بتتحرك، وهي بتعملنا أي حاجة. بحب صوتهم وبحسه صوت دافي، مُطمئِن لقلبي أنا بالذات، اللي يمكن لو غيري سمعه هيحسه صوت عادي جدًا!

ده غير صوت رنة موبايلها، صوت العصافير اللي مبتنامش طول الوقت في خلفية أي “فويس نوت” بسجلها على الواتساب اللي بتقول أني في البيت. وأعتقد أني لو دخلت مسابقة هكسب فيها بتفوق، وأنا بطلّع الأصوات المميزة دي ما بين ألف صوت ثاني.

وأنا بفكّر في معنى البيت بالنسبة لي .. أقدر أقول كده بالتحديد: “حب مميز معروف ومحفوظ في قلبي أنا بالذات .. ذكريات ليها نكهة خاصة بي وحدي .. مشاعر ومواقف متصورة في دماغي أنا بس للمكان والناس اللي فيه .. حتت مني في التفاصيل اللي جوَّا المكان ده”.

سألت شوية ناس مختلفة عن معنى البيت بالنسبة لهم واختلفت الإجابات .. حد قال دفا وأمان، حد ثاني وصفه بالمكان اللي يعرف يبقى على راحته للآخر فيه، ورأي ثالث كان: انتماء ومكان أتكلم فيه بدون قيود، وحد قال البيت يعني شخص!

وقفت شوية عند الرأي الأخير، رغم انتشاره واعتباره وصف “كليشيه” -زي ما بيتقال-؛ إلا أني سرحت فيه شوية .. البيت يعني شخص .. جرّب تفكر معايا في الجملة دي. ولو البيت يعني شخص؛ يا تري هحب تكون مواصفاته عاملة إزاي؟!

أكيد -مثلًا- هحب يكون شخص مريح، بيسمع كويس، يحسسني بالأمان معاه، أطمن له وأعرف أقول اللي في قلبي، مش هيحكم علي، أعرف أعيش كل حالاتي في وجوده بلا أي تهديد، أعرف حتى أتخانق معاه ونرجع نتصالح، نقع ونقوم من وقت صعب ونكمل .. يا سلاااام فيه أحلى من كده؟!

أكيد دي حاجة فعلًا جميلة .. بس مش دايمًا بنلاقيها بسهولة، ولا دايمًا بتتوفر طول الوقت، بس هل لازم أصلًا تتوفر طول الوقت بنفس الشكل؟ وهل لازم أحس بشعور البيت الدافي المُطمئِن ده في مكان واحد بس؟ يعني أنا لو في غُربة؛ هل عُمري ما هحسّ بالحاجات الجميلة دي ثاني؟!

أعتقد أن إجابتي هتبقى لا مش دايمًا. يعني وارد يكون في طرق ثانية بعيش فيها المشاعر الجميلة دي، بس في إطار مختلف. خليني أقول أمثلة. يعني مثلًا: ممكن في وقت ما مع حد معين، أحس بقمة الأمان في موقف عابر كده؛ وفي مكان ثاني غير مُتوقَّع أحس مع مجموعة أشخاص بسعادة وأني طاير ومنطلق، بدون أي حُكم على تصرفاتي الطفولية اللي حبيت أعملها، وكل حد يروح يكمل حياته عادي بعد المواقف دي.

وكأننا بالصدفة بنقابل ناس مختلفة بظروف مختلفة يحطهم ربنا في طريقنا، ونحس بشعور: يااااه أنا روحت بيتنا دلوقتي لساعات أو دقايق في حضور الأشخاص الجميلة دي. اللي عايزة أقوله .. توقع أن شعور البيت الدافي ممكن تلاقيه برَّا شكل البيت المعتاد، وربنا ممكن يبعتلك ناس قلوبها دافية، تطمّنك تهدّيك وقت لمّا تحس زيي في الموقف اللي قلته في بداية كلامي: “ياااه أنا عايزة أروّح بيتنا شوية دلوقتي .. وأهو حصل”.

وجايز دي من حكمة ولطف ربنا علينا أن البيت ممكن يكون في أشخاص .. فالأماكن -مهما كان جمالها وحلاوتها- هتفضل حلوة ودافية بناسها.

 

 أنا بيت لمين؟!

هل فكرت قبل كده، أن الله ممكن يجعلك بيت لأحدهم في وقت ما؟! بقف قُدّام الفكرة دي وأنبهر .. أنا الإنسانة البسيطة العادية جدًا ممكن تكون بتقدم الشعور الجميل المُطمئِن ده في موقف عابر حتى لقلب حد تعبان؟!

الإجابة هي نعم .. إزاي؟

مثلًا، شخص مُنهَك تحت ظروفه تقابله بالصدفة، ويكون منتظر حد يقف جنبه، يسمعه حتى بس لدقايق؛ وأنت تقرر تسمعه باهتمام، أو حد مغترب كانت وحشاه أكلة حلوة من بيت أهله ولقى حد من جيرانه عمل حسابه على الغدا في يوم، أو بنت كانت محتاجة ونس في مشوار في يوم متأخر، ولقت صاحبة جدعة توصلها بعربيتها.

وأمثلة أكثر وأكثر، بيوصل من خلالها شعور البيت بونسه ودفاه وجدعنته، ووقوفه في ظهر صحابه منين ما يحتاجوه، حتى وهم بعيد عن بيتهم الأصلي.

 

فين بيتي؟!

جايز دلوقتي تحب توسع إجابتك شوية، وبعد ما تقول الأماكن، وتوصف مدى تعلقك وحبك ليها زي ما أنا عملت؛ تبدأ تفتكر أشخاص وصّلوا لك شعور البيت ده لمّا كنت محتاجه، وجايز تحب تروح تشكرهم.
ممكن كمان تبدأ تفكر مين حواليك محتاج يحس بشعور الدفا والونس والأمان والحب في الأيام العادية جدًا اللي بتقابلهم فيها، وتكون لهم أنت كمان بيت .. ويوصلهم من خلالك أجمل إحساس ممكن أي شخص يحسه لمّا يدخل بيت بالمواقف والأفعال .. ويبقى شايف وحاسس محبة جميلة طول الوقت بتقوله بصدق: متقلقش أنت في أمان والبيت بيتك.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةطعم البيوت
المقالة القادمةأن تكون علاقة ما، بيتك
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا