كيف تتخلص من الحزن: محاولات التخطي والنجاة

2002

بينما تُخبرنا صراعاتنا الشخصية مع الحياة، أن الواقع لن يتوانى عن خذلاننا وحقننا بالألم والحزن مرارًا وتكرارًا، ما لم نكف عن مواجهته بنفسية وهِنة وعقلية هشة، لا تفعل شيئًا أكثر من دفن رأسها في التراب، نجد أنفسنا، مدفوعين لتعلم إدارة آلامنا وأزماتنا، واستنهاض رغبتنا في استئناف الحياة، وشحذ هممنا لتخطي هذه الأوقات العصيبة، وبعد كل أزمة نتعرض لها، يتضاعف إيماننا بأن  لا مبالاتنا ، لن تُنجبنا -مهما استغرقنا فيها-، مما يدفعنا -مثقلين الخطى- للتعرف على سبل للتخلص من الحزن .

 

كيف تتخلص من الحزن ؟

1. الاعتراف بالحزن

بالتأكيد كل منا قد اختبر نوعًا أو أكثر من أنواع الألم، سواء كان جسديًا أو نفسيًا، وبعيدًا عن ما إذا كان هذا الألم عانيت منه بشكل مباشر، أو نتيجة معاناة صديق أو عزيز، فالنتيجة واحدة، وهي كونك توصّلت لتعريفك الخاص له، لكن هل فكرت يومًا في كيفية إدارة ذلك الشعور الذي يقضِ مضجعك، ويمتص بريق الشغف من عينيك، تتمنى لو أنك استيقظت ذات صباح لتجده قد رحل دون عودة؟ عليك أولاً الاعتراف بكون الحزن موجودًا بالفعل، ليس مجرد خيالات، وعليك التعامل معه لا نكرانه.

2. حلقة الدعم والمساندة

في سبيلك نحو إدارة أزمتك النفسية، وطريق التخلص من الحزن عليك أولاً أن تُهيئ البيئة لنفسك وتُمَهِدها، بحيث لا تصبح هي الأخرى معولاً لهدم ما تُحققه من إنجاز على طريق سلامك النفسي، فإذا كنت من هؤلاء الأشخاص الذين تُلهمهم فكرة المساندة والدعم ويشعرون في حضرة الآخرين بشيء من السلوان والألفة، أخبر من تريدهم حقًا أن يكونوا ضمن حلقة دعمك خلال الأزمة، وأعلن الأمر بأكبر قدر ممكن من الوضوح “أنا مكتئب”، “والدي يمر بأزمة صحية”، “توفي صديقي المقرب”، “تعرضت توًّا للخيانة”.

أما إذا كنت أحد هؤلاء ممن يفضلون الخصوصية، ويشعرهم إلحاح الآخرين في معرفة ما حل بهم، بعدم الراحة ويشحنهم بمزيد من الأسى، وتفضل الغياب لفترة من الزمن، لحين انقضاء سبب الحزن أو الألم، فإياك أن تنجرف لإخبار الآخرين أو تبحث عن عون خارجي، فلن تشعر أن وجودك ضمن هذا المحيط طبيعي، والنتائج حينها قد تكون وخيمة.

3. طريقة إتمام المهام اليومية

هناك نظريتان تتعلقتان بطبيعة النشاط الذي يمكن مزاولته، لتخطي الحزن والألم، الأولى تحثك على رمي نفسك بين تروس مفرمة اليوم، دون تركيز يذكر مع أحداثه، بحيث لا تترك لنفسك مجالاً للتفكير فيما تعاني، فاليوم المُتخم بالتفاصيل، تجد ذاكرة الألم والرثاء صعوبة في إقحام نفسها خلاله، بالإضافة لكونه يتركك ليلاً -أشد أوقات المعاناة وطأة- وأنت جثة هامدة، في حاجة ماسة لقسط وافر من الراحة، ليتسلمك نهار مكتظ آخر، حتى تجد نفسك المنهكة تناست مساحة كبيرة من الآلام النفسية.

أما الثانية، فتقوم بالأساس على إعادة ترتيب فوضاك، بحيث يصير اليوم بشكل أقرب للمثالي، يبدأ في ساعة مبكرة، يتضمن أنشطة محددة ومخطط لها سلفًا، لا تعتمد بالضرورة على الكم، لكنها تستغرق في التركيز، بل والتركيز المبالغ فيه حتى، بحيث يأخذ كل نشاط حقه من العمليات الحيوية والعقلية، لينتج عن تلك العمليات الفائقة الدقة، ولادة طازجة جديدة لمشاعر مغايرة لما هي عليه مشاعرك، كشخص يمر بأزمة قائمة، ولا يجد سبيلاً للخلاص منها.

4. الحزن ليس انعكاسًا لشخصيتك

إذا كنت تبحث في مستوى متقدم من الوعي بأزماتك ومشاعرك السلبية وكيفية إدارتها، فأنت في حاجة لإخبار ذاتك، أن هذا الحزن الذي تُعايشه حاليًا، ليس انعكاسًا لحقيقتك وشخصيتك وطباعك، لكنه نتاج ظروفك المحيطة ومدى استعدادك للتعامل معها عاطفيًا، ليصب ذلك كله في بوتقة نضجك، جنبًا إلى جنب مع النجاح واللحظات السعيدة.

إن تعاملك مع أزماتك على أنها انعكاس لشخصيتك، من شأنه أن يجعلها مستديمة ومتكررة وغير قابلة للإدارة، أما التعامل معها على أنها نتاج طبيعي للظروف المحيطة بك مع طبيعة مشاعرك، يضاعف من الطرق الفعالة لتغييرها ووضع حد لها، حاليًا ومستقبلاً.

5. كيف تجد نفسك أولاً؟

لا أعتقد أن هناك سبيلاً لخروجك من متاهة ما، دون أن تجد نفسك أولاً، فما أن تُحدد موقعك من المتاهة، ستنطلق لتُكمل الحلقات تباعًا. وأهم الطرق التي تستطيع من خلالها إيجاد نفسك:

– اكتساب خبرات طازجة عن طريق تعلم أشياء جديدة، حتى لو كانت تلك الأشياء ليست مما تُحب وتُفَضِل، وصدقني في كل مرة، ستذهلك النتيجة، وستمنحك في خضم المعاناة بسبل جديدة لتخطيها.

– ثمة قيمة جوهرية أيضًا، في الاطلاع على ثقافات الآخرين، المختلفة عن ثقافتك، حتى لو تسنى ذلك عبر تجربة طهي حلوى “الجولاب جامون” الهندية الشهية، في مطبخك بمنزلك في مصر.

– أيضًا تعلم لغات جديدة من شأنه أن يحملك عبر جناحين محلقين عاليًا، لمواصلة حياتك عى الأرض رغم الحزن. فاللغة أكثر من مجرد حروف وكلمات وقواعد جديدة، اللغة سبيلك لخلق تواصل جديد، استسلم لحلقاته الثرية، من مشاهدة أفلام ومطالعة كتب، وصولاً للتواصل مع أحد متحدثيها الأصليين، وهي الميزة التي يكفلها لك عالم السماوات المفتوحة.

– كذلك المداومة على ممارسة التمارين الرياضية خلال ساعات النهار الأولى، وما قد يوفره لك من تذاكر وفرص مختلفة لنهارات أقل ميلاً للسكون والعزلة والاستسلام لمشاعر الحزن.

– كما تحثك أبحاث العلماء في هذا المجال على تجربة نمط أو أكثر من أنماط تخطي الأزمات النفسية، مثل تمارين الاسترخاء والتركيز وتنظيم النفس، والدخول ضمن متاهة محكمة بشغل الفكر بعمليات حسابية بسيطة، يتم تعقيدها بمرور الوقت، أو قراءة نص من اليمين إلى اليسار، ثم إعادة قراءته مرة أخرى بصورة عكسية، وحل الأحاجي وفك الألغاز، وغيرها من الأنشطة التي تأخذ انتباهك نحو الشاطئ الآخر بعيدًا عما تعانيه نفسيًا أو جسديًا، كذا التركيز على الجوانب الإيجابية من حياتك، ونقاط القوة الشخصية لديك.


على أي شيء يتغذى الحزن؟

الحزن ليس موطنًا من مواطن الضعف البشري، فالحزن أحد أصدق انعكاسات أرواحنا كأحياء، كونك تتألم لمرض أو فقد عزيز، يؤكد استحقاقك كإنسان خصه الله سبحانه وتعالى بأشياء ثمينة. تؤلمك خيانة صديق أو خذلان حبيب، إذًا فمشاعرك ما زالت رغم كل ما ألم بها من خيبات، تحتفظ بطازجيتها وعفويتها. لكن كيف تتخلص من الحزن وهنا ما يغذيه؟

1. الأفكار السلبية

الأفكار السلبية عن نفسك أو الآخرين تغذي مشاعر الألم والحزن، فمن يَظُن أنه يُخذل لطيبة قلبه لا يخدع إلا نفسه، فكما هو في هذه الرواية مخذول، فهو في أخرى من تولى زمام الأمور ومارس فعل الخذلان بمنتهى القسوة، وفي حقيقة الأمر أننا نتعرض للألم بدرجات متفاوتة ولأسباب مختلفة، لأن هذا هو المسار الطبيعي للحياة، كي تستمر ونستمر معها، بينما يضاف حجر جديد في بناء نضجنا الضخم المترامي، عبر سنوات أعمارنا.

2. لوم الظروف

وقد يتغذى الحزن أيضًا على تحميل الظروف والواقع المحيط بأكثر مما يحتملان، وفي كل موقعة لذلك الزعم تنتصر أوهام الواهمين، التي لا أساس لها من الصحة، مما يدفع حلقة المآسي في الاتساع، دون وضع نهاية لتلك الأوهام أو حتى إعطاء الظروف والواقع الحق الطبيعي في الدفاع عن نفسيهما، نظرًا لأن محاكمات كهذه تتم في الغرف المغلقة بعيدًا عن الآذان والأعين.

3. عدم التعبير عن المشاعر

التربية الخاطئة ضالعة في ذلك أيضا، بحرمان الأشخاص منذ الطفولة من التعبير عن مشاعرهم بحرية، دون كبت أو حصار، فعادة ما تنشأ الأنثى في بيئة تنكر عليها بينما تبكي “إياك أسمعك بتعيطي”، فيما يُحرم الذكر من حقه الطبيعي في التعبير عن الحزن، ببساطة لأن الرجال لا يبكون.


الفرق بين التأقلم واللا مبالاة والتخطي

الحقيقة ورغم الفروق الجوهرية بين المصطلحات الثلاثة، فإنني حينما فكرت في الأمر مليًّا، وجدت ثلاثتها مختلفًا، فالتأقلم هو الخضوع التام ورفع راية الاستسلام، دون محاولة تذكر لتغيير الواقع، واللا مبالاة هي عدم الاعتراف بالحزن والألم أصلاً، أما التخطي هو طوق النجاة الأخير، هو الوقوف منتصبًا في محاولة أخيرة للصمود رغم الظروف الصعبة.

الفرق بين المحاولة والاستسلام

يقول سجل خطواتك الحافل بالعثرات والفقد والألم والحزن، أنك لن تمضي في الحياة بلا سقوط، يتخلله انحناءة امتنان على تكريم كنت أحق الناس بنيله، بينما يَعد الكون عُدته ليُسقطك مكومًًا بين ظل قدميك مرة أخرى، لتقوم من جديد تنفض تراب الطريق عن كتفيك وتُشمر عن ساعديك للشروع في نسج خيوط وليدة لنجاح جديد، إنه ليس بمقدور الحزن -مهما بلغت درجته- إنهاءك والقضاء عليك، لكن ربما فعل استسلامك وكفك عن المحاولة.. فحاول بل وابذل قصارى جهدك، ألا تتوقف عن المحاولة، وإياك من اعتياد الألم واستعذابه، فالآلام تذهب وتجيء ويظل بريق الروح المعانِدة على حاله دون خفوت.

المقالة السابقةكيف أتقبل فقد أمي؟!
المقالة القادمةمن حمى التخطيط إلى عيش اليوم بيومه
كاتبة وصحفية مصرية

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا