معنى الحياة: أن تجد السيناريو الخاص بك

1488

بقلم: ماريت ماهر

لا تدع أحدًا يخدعك بأن ما الحياة إلا طريق واحد يتحتم على الجميع السير فيه، لا تدع أحدًا يربك تطلعاتك الخاصة بطرح سيناريوهات معدة مسبقًا، قد تتناسب مع البعض ولكن بالتأكيد لا تناسب الكل، لا تدع أحدًا يخبرك عن الكيفية التي يجب للحياة أن تكون عليها، بل اذهب اكتشف ذلك بذاتك. تلك القوالب المعدة مسبقًا التي يتم تصديرها طوال الوقت ولا يجب الخروج عنها ضمنيًا، قد تكون كل ما يعرفه الآخر أو يعتقد أنها السيناريوهات المختبرة والمثبت نجاحها على مر الأعوام، مما يجعلها أكثر أمانًا، والخروج عنها يعد دربًا من الجنون، أو شذوذًا عن الحال وما جرى عليه العرف، العرف -المقدس في أغلب الأحوال- الذي لا يجب النهج خارجه، دون أدنى اعتبار لتميز شخصيتك، التي ليس بالضرورة أن تتوافق مع هذا العرف، وإن اتفق عليه كثيرون.

السير في طريق خاص لا يشبه ما جرت عليه العادة ليس بدعة أو تحديًا أو من باب العناد والتمرد على المألوف، ولكنه سعي ناضج خلف القصد والهدف الخاص بحياة كل منا. بلوغ هذا الطريق لا يكون مملوءًا بالورود، ولكنه يحتاج الكثير من الجهد والبحث والصبر من صاحبه، حتى يتمكن من رسم الملامح الخاصة بطريقه، الذي لا يهم أن يناسب كل الناس، يكفي أن يناسبه هو، يتناسب مع عقليته ونمط تفكيره ورؤيته للأمور وتطلعاته في الحياة، بل ومعاركه بها. يناسب قدراته وإمكانياته وأحلامه وشكل حياته والقصد من وجوده.

“القصد من الوجود”.. هذا التساؤل الذي نتسلمه مع بداية الحياة ونمو الإدراك لدينا، ويلازمنا طوال الرحلة، وخلال السير نحصل على أجزاء من الإجابة عليه، من خلال الأيام وما تأتي محمله به من خبرات، تجارب، علاقات، مواقف، مشاركة حيوات آخرين أو المطالعة والمشاهدة، كل جزء نحصل عليه من تلك الإجابة قد يدعم ما سبقه، أو يساهم في إعادة تشكيله، ويقربنا أكثر لما نريد أن نحياه ونكون عليه، ويقود أيضًا لما هو تالٍ، ويحفزنا لاستكمال عملية بحثنا.

اقرأ أيضًا: ماذا لو لم يعد لدينا أهداف؟

بقدر ما أؤمن بالتشابه بين البشر في العديد من الأمور وبوجودهم الملهم، إلا أننا نختلف بالتأكيد، واختلافنا قد يتطلب السير في طرق لم يسبقنا فيها أحد، أو ربما سبقنا القليل منهم ومهد لنا الطريق، ولكنه ما زال سبيلاً غير معروف لقلة سالكيه، ويحتاج قدرًا من البحث، حتى تتمكن من إيجاده. أما إذا كنت من حاملي لواء شق الطريق فأقدر حجم التوهان الذي يصيبك بين حين وآخر، لقلة العلامات التي تقود إلى الطريق، وأعرف بهجة العثور على القليل منها عقب بحث مضنٍ، أدرك حجم الصراع والأفكار والتساؤلات التي تهاجم عقلك خلال سيرك، ويملؤني الرجاء وأنا أكتب تلك الكلمات أن إيمانك بما تبحث عنه سيقودك، والحياة ستهديك بعض العلامات والسبل التي تقودك إلى طريقك الخاص أو تساعدك على تشكيله.

ساذج من يظن أن الحياة ما هي إلا طريق واحد، ربما يجلس الآن ويعاني الاكتئاب، لأنه لا يستطيع السير على هذا الطريق الذي لا يرى سواه ولم يحقق أي شيء من تلك الأشياء التي يعتقد أنه يتحتم عليه أن يفعلها، وتكون النتيجة أنه يذرف الدموع ويرهق قلبه بمشاعر الحزن، ويهدر يومًا من حياته على أقل تقدير، على اللا شيء، دون أن يدرك أن هناك العديد من السبل المميزة في انتظاره، وما عليه سوى اكتشافها.

ما الحياة إلا أن تجد السيناريو الخاص بك، فتحيا وأنت تحققه، حينئذٍ فقط تشعر أنك حي، وأن لحياتك معنى، لا يدع مجالاً لتلك الأسئلة الثقيلة على النفس، التي على شاكلة: من أنا؟ وماذا أفعل؟ وكيف انقضت السنوات السابقة من عمري؟ وعلى ماذا أريد أن أنفق أيامي القادمة؟ بل الأهم ما الدافع لاستكمال ما بقي منها؟

اقرأ أيضًا: الرضا بالحياة بين ما نريده وما نجبر عليه

أن تجد السيناريو الخاص بك الذي يتوافق مع ميولك وتفضيلاتك وأحلامك وإمكانياتك، يجعل للحياة مذاقًا ومعنى، يضيف حافزًا من أجل انتظار الغد، يحميك من أن تُستغل في تحقيق أحلام آخرين، لأن القدرات غير الموظفة، وقلة الوعي وإدراك ماذا تريد، هو المادة الخام لتوظيفك وفقًا لخطط آخرين. وأخيرًا السيناريو الخاص بك يجعل لك مكانًا داخل المجتمع، وليس مجرد رقم أضيف إليه، بل يجعلك رقم صاحب بصمة ووجود.

نأتي إلى الحياة نرسم ونؤسس طريق سير خاصًا بنا، يتلاءم مع من نكون، وليس بما يريد من حولنا أن نكون عليه، كثيرًا يكون ما يريد الآخرون لنا ليس بالضرورة هو ما نريده أو ما يلائمنا، وهنا يأتي دوري، أن أتحمل مسؤوليتي ومسؤولية البحث عن من أنا، وماذا أريد.

أكتب إليك الآن إن كنت مثلي، تبحث عن طريقك الخاص وسط العديد من الطرق المألوفة، وتحاول أن تنسج آخر يشبهك تجمع فيه الأمور التي تلهب الحياة بداخلك، وليست تلك الطرق التي تحولنا من الحياة إلى مجرد تمضية وقت، إلى أن يحين وقت الرحيل. إن كنت تستيقظ كل صباح وتتساءل: ماذا أريد؟ إلى أي مكان أنتمي؟ وأين أجد ذاتي؟ وإن وجدتها كيف أصل إليها؟ إن كنت تقاوم التيار وتنشئ آخر خاصًا بك ليس من أجل المقاومة، وإنما من أجل إيجاد ذاتك، إن كانت بعض الطرق لم يحن موعد السير فيها، وبكامل الإصرار والقوة والأمل تبحث عن آخر يمكن السير فيه، عوضًا عن الوقوف وندب الحظ من أجلها، إن وجدت في تلك الكلمات شيئًا يؤنس وحدة سيرك، فاعلم أننا نسير إلى جوار بعضنا، وإن لم نلتقِ، وأن يومًا ما سنلقى طريقنا أو نؤسسه، وتلك الطرق التي سنجدها ستعلن للقادمين التالين أن الحياة لا تتشكل من طريق واحد، وإنما العديد من الطرق، وعلى كل منهم مهمة إيجاد أكثرهم ملاءمة له، وإن لم يجد فلا يخشَ أن يشق واحدًا يليق به.

دمت بخير صديقي الإنسان!

اقرأ أيضًا: أن تولد متمردًا: ضريبة الاختلاف

المقالة السابقةيوميات أم: معارك كل يوم
المقالة القادمةفي حب داليدا والحياة
مساحة حرة لمشاركات القراء

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا