أن تولد متمردًا: ضريبة الاختلاف

1268

بقلم: سماح حسن

أن تولد متمردًا هذا يعني أنك سوف تنشئ قواعدك الخاصة، لا تقبل بالمتاح، يعني أنك ستخوض صراعات عديدة منذ بدء التكوين، ستعاد مشاهد الإقصاء مرات ومرات، لن يكون لك موطئ قدم في كثير من الدوائر الحياتية، تذهب بعيدًا يتولد بداخلك شعور بالرفض وعدم القبول.

متمرد أم متفرد؟

سيلاحقك عار التمرد والتفرد لأنك خالفت قواعد المجتمع الخاصة، تتسع دائرة الإقصاء شيئًا فشيئًا عن بعض التجمعات العائلية وجلسات الأصدقاء، تلك هي ضريبة التمرد، الإقصاء لدرجة أنك ربما بعد فترة لن تشعر أنك هنا في هذه الحياة، وإذا نالك بعض الحظ الحسن وتذكرك هذا أو تلك ربما اقترنت سيرتك ببعض السباب حول أنك لم تتلق قدرًا كافيًا من التربية، وأن الأدب والأخلاق الحميدة لا تعرف لك طريقًا وربما التصقت بك بعض التهم.

لا عليك يا عزيزي. أذكرك ثانية أن تلك هي ضريبة الاختلاف. ربما كان ذنبك أو جزء من خطيئتك هو إدراكك المبكر أنك لا بد أن تفكر وتتأمل في كل من حولك، تخضعه لنظام معالجة دقيق عبر العقل الذي ميزنا به الله عن سائر المخلوقات، استفتيت قلبك وجعلته حكمًا وشريكًا في اتخاذ قراراتك الحياتية، تفكرت وتأملت تحررت من كل الأصنام الفكرية، أنشأت منطقك الخاص وصرت تدافع عنه باستماته.

اقرأ أيضًا: الكاتبات والوحدة 3: نوال السعداوي: العزلة ضريبة التمرد

ضريبة التمرد

في مرحلة متقدمة من الإصرار على الحياة وفق قواعدك الخاصة، سوف تدخل إلى دائرة جديدة هي أبعد قليلاً من الإقصاء، ستصير منبوذًا وكأنك فقدت قدراتك العقلية وتمكنت البلاهة منك، سينظرون إليك من أعلى إلى أسفل والعكس، يشفقون على حالك كثيرًا حيث إنك لم تعد بعد ضمن دوائرهم المقربة. في تلك الأثناء سوف تحيا بمفردك، تقترب أكثر من ذاتك وتصادقها، تتعرف عليها أكثر، تحنو عليها تدافع عنها باستماته وشراسة. الأكيد أنك لن تكون متسقًا مع ذاتك هكذا طوال الوقت، سيساورك القلق، ستمر عليك بعض اللحظات التي تستشعر فيها مذاق الوحدة.

ربما انسابت الكثير من العبرات من مقلتيك حزنًا وأسفًا على حالك، لتتساءل بينك وبين نفسك عن سبب هذه الحال، فتجد أنك لم ترتكب أي جرم، لم تسبب أي أذى يذكر للآخرين، فقط أردت أن تكون أنت، أن تحيا وفق ما تريد، وفق نظرتك الخاصة، ولكن تذكر دائمًا أن تلك هي الضريبة التي عليك أن تدفعها وتقدمها. تلك الضريبة هي ثمن وجودك، بل هي وجودك أصلاً لا تنفك عن بقائك الإنساني على قيد الحياة.

اقرأ أيضًا: لا تتنازلي أبدًا عن سِحرك

ماذا تفعل عندما يتم إقصاؤك؟

لا عليك سوى التخلص من الشعور بالإقصاء والوصم، أن تحاول بناء دوائر دعم قريبة منك، أشخاص آخرون ربما لديهم منطق ورؤية مغايرة لك ولكنهم متوحدون معك في الجانب الإنساني. لا تدع الثقة في ذاتك تنفلت من بين يديك، فهي سر من أسرار بقائك، وهي الوقود والمحرك والدافع لك لاستكمال رحلة الحياة.

أخيرًا وليس آخر، تكمن فلسفة الحياة في أنها رحلة قصيرة للغاية، مهما تعددت السنوات التي سوف نحياها، ولا عليك في تلك الرحلة سوى أن تكون نفسك وتتسق مع ذاتك وتحيا بشغف، حتى إذا قضى الله أمرًا وأذن بالرحيل، تغادر وقد شعرت بشيء من الرضا عن رحلتك الحياتية التي كنت بطلها يومًا ما.

اقرأ أيضًا: عن قبول الآخر: الاختلاف أمر واقع

المقالة السابقةرحلتي مع المعادي
المقالة القادمةيا مسافر وحدك
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا