ثقافة الاعتذار: كم “حازم” بالحياة؟

1355

بقلم: ماريت ماهر

في إحدى حلقات مسلسل “لعبة نيوتن” قام أحد الأبطال “حازم” الذي يقوم بأدئه الفنان محمد ممدوح بالانفعال الشديد على “أمينة” الفنانة “عائشة بن أحمد”، وانتهى الموقف بمغادرة “حازم” دون الاعتذار، وفي اليوم التالي أتى “حازم” إلى “أمينة” التي كانت بطبيعة الحال اتخذت موقفًا على أثر ما حدث بالأمس، أتى وهو يعلم في قرارة ذاته أنه أخطأ، ولكن عوضًا عن التحلي بالشجاعة وتقديم الاعتذار عما بدر منه من حدة في الحديث وإهانة، اختار طريقًا آخر ألا وهو المراوغة ومحاولة فتح حديث عن أي شيء، عسى أن يكسر الجليد وتعود المياه إلى مجاريها وينجح في الإفلات من الاعتذار، ظنًا أنه طريق أقصر لعودة العلاقة والمحادثة دون أن يتحمل مسؤولية خطئه في حقها ودون أن يتحمل كلفة الاعتذار.

ثقافة الاعتذار

في الحياة يوجد الكثير من “حازم” حولنا، وكأن من السهل إيذاء أحدهم وتعدي الحدود معه، والأصعب الاعتذار عما بدر من سلوك غير سليم، وكأن كرامة المسيء أعظم شأنًا من المُساء إليه الذي استبيحت كرامته. الأمر الذي رفضته “أمينة” بشكل واضح وتمسكت بحقها في الاعتذار عما حدث، وطالبت “حازم” بشكل واضح بتقديم الاعتذار، والتحلي بالقليل من الشجاعة والكف عن المحاولة عديمة المذاق التي يقوم بها لإعادة الحديث بينهما. لم يرد “حازم” في بادئ الأمر، ومع تمسكها بعدم استئناف الحديث قبل الاعتذار لها، أقبل “حازم” على الاعتذار منها على استحياء.

لماذا يشعر البعض بكل هذا الثقل وهو يقوم بالاعتذار، في حين أنه يتجاوز حدوده ويؤذي من أمامه بشتى الطرق دون أن يشعر بذات الثقل، وكأن إيذاء أحدهم أقل وطأة من تقديم الاعتذار عما بدر من فعل مؤذٍ ومحاولة تصحيح الأمر! كيف يكون من السهل إيذاء الآخر ومن الصعب الشعور بالأسف عما صدر من سوء بعلم أو دون علم، بقصد أو بغيره! كيف يصبح فعل الصواب أصعب من فعل الخطأ!

اقرأ أيضًا: لقاء واعتذار وأشياء أخرى

كيف نتقن ثقافة الاعتذار

الفعل الأصعب هو تجاوز الحدود مع الآخر، الإساءة إلى أحد، التقليل من شأن إنسان أيًّا كانت الوسيلة أو الطريقة المستخدمة لذلك، الأسوء هو جرح مشاعر أحد وليس ترويض النفس على الاعتذار عما بدر منها. من هذا المنطلق تجد الآباء الواعين يبادرون بالاعتذار لأطفالهم إذا بدر منهم أي شيء غير سليم في حق أبنائهم، وكذلك الأزواج والزوجات خلال علاقتهم معًا، والمديرون والقادة لا يشعرون بالاستحياء من الاعتذار، بل يملؤهم الأسف على أي فعل غير سليم صدر منهم تجاه أحد، فكونهم الأكبر لا يعفيهم من تصحيح الأخطاء، ولا يعطيهم الحق في استباحة من هم أصغر أو أضعف.

جميعنا نخطئ في حق بعضنا البعض، ليس أحد معصوم من الخطأ، وإن اختلفت الأخطاء في الحدة والقدر، ولكن ما لا نجتمع عليه هو القدرة على الاعتراف بالخطأ وتقديم الاعتذار عنه، هناك من يشعر بالأسف الشديد على ما بدر منه في حق الآخر، وما يشغل باله في ذلك الوقت هو محاولة إزالة أي شعور سيئ تسبب في جعل الآخر يشعر به عندما قام أو قال شيئًا ما، وهناك كثيرون مثل شخصية “حازم”، لم يتعلموا ثقافة الاعتذار، ويظل الاعتذار لغة الأقوى والأكثر شجاعة وتواضعًا.

اقرأ أيضًا: لعبة نيوتن: تربة صالحة للابتزاز العاطفي

المقالة السابقةلعبة نيوتن: “هنا” نتاج طبيعي من أم متسلطة
المقالة القادمةدللي نفسك: 3 أشياء مبهجة لعيد أجمل
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا