اعرف من أنت في مثلث الضحية والجلاد والمنقذ

4341

واحدة اكتشفت إن جوزها بيخونها، فراحت للست اللي جوزها بيخونها معاها وهددتها إنها تبعد عنه وشرحتلها إنها دفعت تمن كبير مقابل استمرار الجوازة دي، دفعت إنها قاطعت أهلها، وقبلت إهاناته واعتداءاته اللي اتسببت في إجهاضها، وحرمانها من الأمومة.

 

القصة دي من مسلسل “زي الشمس”. الزوج يبقى “د. جمال” المحامي، والزوجة تبقى “شهيرة”، والست التانية تبقى “فريدة”. مفيش جدال إن “جمال” و”فريدة” أجرموا جرم كبير، بس هل ده يعفي “شهيرة” من المسؤولية؟

“شهيرة” ظلمت نفسها لما قاطعت أهلها، وسمحت لـ”جمال” يهينها. كانت تقدر ترفض الأذى أو تقطع العلاقة، لكن هي اختارت تكمل معاه حتى لما عرفت إنه بيخونها. هو اختبر حدودها، وهي سمحتله، فتمادى.

 

“جمال” لعب دور الجاني، بس مكانش هيقدر يلعبه إلا في وجود حد يلعب دور الضحية، و”شهيرة” لعبت الدور ده. ولكن لأنه صعب جدًا عليها تعترف إنها مسؤولة عن التعاسة والهوان اللي هي عايشاهم، وتواجه مشاعر الذنب والندم، وتاخد خطوات صعبة زي إنها تواجه “جمال” بغضبها، وتتطلق منه، وترجع علاقتها بأهلها، وتبدأ حياتها من جديد، فهي قررت ترمي المسؤولية على حد تاني، فكان “جمال”، لكنها مش قادرة تواجهه. ولما لقت “فريدة” في موقف ضعف وفي عرض حد ينجدها، انتقمت من “جمال” ومن نفسها، وفرغت مشاعرها بالذنب والغضب في “فريدة”. وفي لحظة اتحولت لجاني، وبدل ما تنقذ “فريدة” زقتها في النيل وماتت.

“شهيرة” اتحولت في لحظة لجاني وقتلت إنسان، عشان هي رافضة تمارس مسؤوليتها عن حياتها.

 

إيه موضوع دور الضحية والجاني ده؟

الطبيب النفسي الأمريكي، إيرك بيرن، بيقول إن من أكبر احتياجات الإنسان هو الاعتراف بوجوده. يعني الإنسان بيحتاج لمنبهات حسية تؤكد وجوده، حتى إن من أساليب التعذيب ترك الفرد معزول في غرفة فاضية. الاحتياج ده كمان موجود على المستوى النفسي. عشان كده الواحد بيحتاج للكلمات والأفعال اللي بتعبر عن الحب والتقدير، ولو ده مش موجود بشكل كافي، فالإنسان بيرضى بالانتقادات والتجهمات والضربات، وده بالنسبة له أحسن من التجاهل.

 

طب ليه مش بنطلب احتياجاتنا بشكل واضح؟ غالبًا الخوف من الرفض والنقد والقرب هو اللي بيمنعنا من ده، فنقوم نطلب الاحتياجات دي بطرق غير مباشرة وغير بنَّاءة تسمى بالألعاب النفسية. بناء على الكلام ده، عالم النفس ستيفان كاربمان اكتشف مثلث أدوار الضحية والجلاد والمنقذ.

 

نتكلم شوية عن كل دور..

الضحية: عنده هدفين أساسيين: إنه يُعفَى من المسؤولية، فيتخلص من مشاعر الذنب اللي هيحسها لو اعترف إنه أخطأ، وإنه يحصل على الاهتمام والتعاطف. وعشان يوصل للهدفين دول:

– بيوصل للآخر إنه قليل الحيلة، ومش بيطلب المساعدة بشكل صريح، فيدفع اللي قدامه (لو عنده استعداد يلعب دور المنقذ) إنه يقرر ويتصرف نيابة عنه طواعية، فلما يحصل مشكلة يبقى هو ملوش دعوة.

 

– بينشئ علاقات واهية بين المشكلات وأسباب خارجة عن سيطرته، يعني مثلاً يعلل تأخيره بإن كان فيه حادثة في الطريق، وده حصل بس السبب الحقيقي لتأخيره مثلاً إنه كان بيخلص الشغل المتأخر الصبح.

 

– يشكي من قلة الفلوس والمرض والعيال… إلخ، ومش عاوز حل، ويمكن لو عرضت عليه حلول يطلعها كلها متنفعش. هو مش مهتم يوصل لحل قد اهتمامه إنه مش هو اللي يتحمل مسؤولية الخطأ، وإنه يحس بالاهتمام والشفقة.

 

– بيدمن الشعور بالذنب وجلد الذات للهروب من مسؤولية التغيير، وكأنه كده عمل اللي عليه، لكنه على أرض الواقع مش بيعمل حاجة يحل بيها مشكلته.

 

– بيحسس اللي قدامه بالذنب عن طريق الأعذار الكتير والشكاوى، والاعتذارات المبالغ فيها وجلد نفسه أمام الآخرين، فبدل ما كان بيتعاتب، يصعب عليهم، وهمَّ اللي يعتذروله.

 

– خوفه من الخطأ في تقدير التصرف السليم أو جرح الآخرين، وشعوره بالذنب المبالغ فيه بيخلوه يسكت عن حقوقه، ويسحق نفسه من أجل الآخرين ويقبل الأذى. كمان ده بيغذي اعتقاده إنه مقهور، ويفضل غرقان في الرثاء لذاته بدل ممارسة مسؤولية التغيير والمخاطرة بعمل شيء مختلف عن اللي اتعود عليه.

 

كضحية محتاج تصدق إنك قادر على إدارة حياتك، وتفتكر إن من حقك تجرب وتتعلم، وإن وقوعك في الغلط ميستدعيش شعورك بالذنب والخزي، وإن الاعتذار وتحمل مسؤولية أفعالك أشرف من تبريرها.

ولو بتتعامل مع ضحية، بلاش تدورله على حلول، لكن اسأله هو ناوي يعمل إيه، أو متوقع منك إيه. ومتتأثرش بالدراما اللي بيعملها عشان يتملص من المسؤولية، أظهر تفهمك لمشاعره وسيبه يهدأ لكن تمسك بحقك في النقاش والتعبير عن احتياجاتك وإيجاد حل للمشكلة.

 

الجلاد/ الجاني:

– محب للسيطرة، بيدي أوامر كتير، ومتوقع من الآخر الطاعة الدائمة، ناقد لاذع، غضبه قاسي، ويصعب إرضاؤه، بيرمي اتهامات، ومبيفرقش معاه اعتذارات ولا إثباتات.

 

– شايف إنه دايمًا على حق وإن من حقه يعمل أي حاجة في أي وقت، بغض النظر عن تأثير ده على غيره، ومنتظر من الآخر البذل بلا حدود.

 

– الجلاد في قرارة نفسه مش حاسس بالأمان، خايف من المستقبل والفقر والوحدة… إلخ، بس بدل ما يطلع مشاعره للنور ويعالجها، بيتعامل معاها من خلال محاولة السيطرة على أفعال الآخرين، وعشان كده مبيقبلش الخطأ، ومبيحبش التغيير والمفاجآت، عاوز كل حاجة تمشي زي ما هو مخطط لها.

 

– كمان هو من جواه حاسس بالحرمان من التلقائية والراحة، ومن حقه في التجربة والخطأ… إلخ، فبيحرمهم على غيره زي ما اتحرم منهم في طفولته، وهو كمل محرمهم على نفسه.

 

– الجلاد حاسس بالضعف، وتسلطه على الآخرين بالأذى البدني أو اللفظي أو النفسي، وتفريغ مشاعره بالحرمان والقهر في حد أضعف منه، بيحسسه بالقوة الزائفة.

 

لو إنت جلاد، اتعامل مع مشاعرك من خلال اللي بإيدك تعمله، واستفيد من كل رغبة في النقد عشان تعرف اللي بتمنعه عن نفسك.

ولو بتتعامل مع جلاد حط معاه حدود ومتسمحلوش بالتقليل منك.

 

المنقذ:

– عنده جوع للإحساس بالتقدير والقيمة، وإنه قوي وذكي ومفيد للناس، وإن الناس محتاجاله. ده بيخليه يهب لنجدة الآخرين ومساعدتهم من غير ما حد يطلب منه، وهو معتقد إنه لو متدخلش التاني مش هيعرف يتصرف.

 

طب هي مساعدة الناس حاجة وحشة؟

مساعدة الناس قيمة عظيمة، بس مشكلة المنقذ إنه بيساعد على حساب نفسه ومبيقدرش يقول لأ. والمشكلة التانية إنه بيهرب من مشاكله بالاستغراق في مشاكل الغير. أما المشكلة التالتة فإنه بيساعد الآخر بطريقة تخليه يفضل معتمد عليه. عارفين الحكمة اللي بتقول “لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد”؟ أهو المنقذ ماشي عكسها.

 

طب إزاي نفرق بين العطاء والإنقاذ؟

جزء كبير من ده راجع لإحساس الواحد بنفسه هل بيعطي وهو راضي ولا بيبقى حاسس إنه هو اللي دايمًا بيبذل ومش بياخد احتياجاته؟ وبالتالي العطاء لا يتبعه منّ، ده إلى جانب إن العلاقة السوية بتكون المساعدة فيها في اتجاهين. يفضل كمان إن المساعدة تُطلَب مني بشكل واضح، مش دايمًا أنا بتطوع بيها، وأتأكد إن صاحب الشأن قايم بدوره، وإن عطائي بيساعده يعتمد على نفسه فيما بعد.

 

النقطة الأخيرة دي بتظهر في التربية. لما بنبقى متاحين لولادنا دايمًا، وبنلبي كل طلباتهم، بنعاملهم معاملة الخادم للملك، وبنسمي ده حب، وهو أبعد ما يكون عن الحب. إحنا بنعمل كده في الحقيقية عشان نحس إننا آباء وأمهات كويسين. الإنقاذ بيخلق شخص اعتمادي وأناني. عشان كده، متعملش لطفلك الحاجة اللي يقدر يعملها بنفسه. خد وقت وعلمه الحاجة واعملها قدامه ومعاه، ولما يعرف سيبه يعملها بنفسه. ده في صالحك وفي صالحه. فيه ظروف استثنائية ممكن نساعدهم فيها زي التعب أو المرض، أو حسب تقديرك للموقف.

 

مثال تاني: الأم اللي بتيجي على نفسها وبتتطوع بمساعدة بنتها طول الوقت من غير ضرورة، بتعطل العلاقة بين بنتها وجوزها، وبتدفعه للتكاسل عن القيام بمسؤولياته، وبتدفع بنتها للاعتماد عليها بدل ما ترتب أمورها مع جوزها.

 

– المنقذ بيدفن مشاعره واحتياجاته، وإن عبر عنها يحس بالذنب وبالخوف من الهجر والوحدة، فيكبتها ويسحق نفسه من أجل الآخرين أملاً في الحصول على الحب والتقدير، ونتيجة ده بيشيل جواه غضب مكبوت ممكن ينفجر في أي لحظة لأسباب لا تستحق، فيحس بالذنب والخوف، فيسحق نفسه زيادة.. وهكذا.

 

كمنقذ محتاج تعرف إنك مش مسؤول عن مشاعر حد: زي ما إنت مش بإيدك تسعد حد معندهوش استعداد يسعَد، فإنت متقدرش تتعس حد مش عاوز يكون تعيس. محتاج تعرف كمان إن مفيش ضحايا، كل إنسان يقدر يتغير، ويقدر يتعامل مع ظروفه ومشاكله، فاعمل اللي تقدر عليه واستريح.

ولو بتتعامل مع منقذ، حدد توقيت ونوع المساعدة اللي إنت محتاجها، وارفض بلطف المساعدة اللي إنت مش محتاجها.

 

على الرغم من إنه بيكون فيه دور بنلعبه أغلب الوقت، لكن إحنا بنتنقل بين التلات أدوار حسب المواقف وحسب الأشخاص اللي بنتفاعل معاهم.

 

وعشان تتحرر من لعب الأدوار:

اعرف ألعابك، اقبل نفسك بكل حالاتها، إنت إنسان، اقبل ماضيك وحاضرك وانوِي إنك تقبل مستقبلك. وده مش معناه الاستمرار على الغلط، لكن معناه إنك متهينش نفسك، وإنك تعمل اللي في إيدك تعمله. اعرف احتياجاتك وقدرها وعبر عنها، واسعى للحصول على حقوقك، وصدق إنك تستاهل الحب والتقدير والاحترام.

 

التوقف عن لعب الأدوار محتاج وعي وشفافية، وبدل الاستمرار في اللعبة، تقدر تتكلم مع اللي قدامك وتحلل اللي بيحصل، وتقدر تسأله بهدوء ورغبة حقيقية في المعرفة عن اللي هو عاوزه، ممكن ده يشجعه يجاوب بصدق وتبقى بداية لحوار بنَّاء.

 

المراجع:

كتاب “مثلث الفخ”، كريستل بوتي كولان، العبيكان.

كتاب “لأ بطعم الفلامنكو”.

المقالة السابقةلقاء واعتذار وأشياء أخرى
المقالة القادمةحرية الرجل

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا