أنا ضفدع: عن الحدود والحرية وأشياء أخرى

806

بقلم: لبنى علي

أتذكر السنة الأولى لي بكلية الصيدلة، قمنا بتشريح العديد من الكائنات الحية. واشتركنا في هذه المأساة مع طلبة كلية العلوم وطب الأسنان. كان من ضمن هذه الكائنات التي اعتدنا تشريحها هو الضفدع. وعند الرغبة بالتدريب على تشريحه بالمنزل نضعه في برطمان صغير من الزجاج يقفز بداخله، ويتم تخديره بالكحول قبل التشريح مباشرة. كررنا ذلك كثيرًا في منازلنا، للتدريب جيدًا لدخول الإمتحان، ونحن على أتم الاستعداد للمواجهة مع الضفدع ومعرفة كل أعضائه. لا أعلم ما سبب التشريح للضفدع حتى يومنا هذا. لم أكتسب أي مهارة من هذه التجربة سوى حسرتي على هذا الكائن حبيس البرطمان، وهو يحاول القفز داخله، ولكن لا تكفيه هذه المساحة الضئيلة. اعتاد الضفدع وتأقلم مع مرور الوقت على القفز لمسافة أقصر، حيث تعلم حدوده جيدًا داخل هذا السجن الصغير.

الضفدع ونظرية التأقلم والحدود

بعد مرور سنوات عديدة، وجدت أنني أشبه هذا الضفدع كثيرًا. دائمًا لي حدود تم وضعها ويجب ألا أحاول تخطيها، اعتدت مثله على القفز لمسافة قصيرة. المرأة دائمًا وأبدًا لها طريق محدد خطواته منذ ولادتها حتى وفاتها. التعليم جيدًا بالطبع، ثم الزواج، يليه الإنجاب، ولا يهتم أي كان بإنجازاتها الأخرى مهما زادت وتعددت. إن لم تتزوج إذًا فهي بها خطب ما، وينظر إليها المجتمع بشفقة لأنها فشلت في الحفاظ على الشكل الاجتماعي المعتاد.

إن نجحت وتخطت العقبة الأولى وتزوجت تنهال عليها الأسئلة عن موعد الإنجاب وكأن ذلك تحدده هي وليس الله. أما إن اختارات الانفصال حفاظًا على سلامتها النفسية وعدم استمرارها في علاقة خاطئة يلاحقها الجميع بأنها أساءت الاختيار، وعليها دفع ثمن ذلك بما تبقى من عمرها من أجل الأطفال. لكن هل من العقل والمنطق إن أساء الشخص الاختيار واتخد قرارًا مصيريًا خاطئًا أن يستمر في هذا الخطأ ما تبقى له من عمر على هذه الأرض، أم من الحكمة الاعتراف بالخطأ والانسحاب من علاقة غير صحية لجميع الأطراف؟!

حدث ولا حرج عن من يموت عنها زوجها. في إحدى الأيام استمعت لبعض الزملاء بالجامعة وهم يهمسون بسخرية ويلقبون دكتورتنا الفاضلة بـ”الأرملة الطروب”. كانت شديدة الجمال ذات شعر أشقر، ورشيقة، ملامحها كأنها بنت العشرين. لم تسلم من تنمر الطلبة، وبالتأكيد هذا التنمر ليس على مستوى الطلبة فقط، فهي تعاني منه طيلة الوقت من الجميع. لم أفهم حينها هل كان ذنبها أنها امرأة جميلة أم ذنبها أن زوجها رحل عنها في ريعان الشباب!

اقرأ أيضًا: فستاني الملون ضحية التنمر

حرية الضفدع

في نهاية العام الدراسي الأول لي بالجامعة، قبل موعد الامتحانات بأيام قليلة، داخل الأوتوبيس مع العديد من طلبة العلوم والصيدلة والأسنان، تحدثنا وضحكنا لقتل ملل رحلتنا إلى المنزل. في هذا اليوم كانت إحدى زميلاتي تحتفظ بصفدع داخل كيس من البلاستيك للتدريب المعتاد قبل امتحان العملي. كانت تنوي وضعه في البرطمان الزجاجي فور الوصول إلى منزلها، ولكن فجأة وأثناء الحديث فاجأنا الضفدع وقفز قفزة عالية وتحرر من يد زميلتي، خرج من الكيس واستمر في القفز حتى فر هاربًا من النافذة. كان الأتوبيس متوقفًا في ذلك الوقت، لم يصب بمكروه. نظرنا له جميعًا في هدوء حتى غاب عن الأعين. عندما تشتد بي ضغوط الحياة أتذكر هذا الضفدع الذي استطاع الهروب والحصول على الحرية. أتمنى يوميًا أن أمتلك قوته.

اقرأ أيضًا: الأحلام المؤجلة ومواجهة الحزن والفشل

عزيزتي المرأة.. لا تجعلي اليأس يتملك من قلبك وروحك، كوني كما تشائين، تعلمي وابدئي العمل وحققي نجاحات مستمرة، إن لم ينصفك من حولك لا تكترثي لهم، وكافئي نفسك على كل إنجاز تحققينه مهما كان صغيرًا. لا تنتظري من أحد التقدير ولا تمتنعي يومًا عن تقديرك لذاتك وما تقدميه لمن حولك. عند قراءتك لهذه السطور ضعي صورة الضفدع وهو يقفز ويتحرر في مخيلتك دائمًا، هذا الكائن الصغير انتصر على حدوده المعروفة ومصيره المحتوم بالقتل والتشريح. فكوني مثل هذا الضفدع في قوته، ولا تكترثي بآراء الآخرين، وافعلي ما تحبين وثابري، واعلمي أن مجهودك في عملك وحياتك وتربية أبنائك إن لم يقدره أحد، فبالتأكيد سيقدره الله.

اقرأ أيضًا: الخوف من الأمل: لا تجعل حياتك سلسلة من الإحباطات

المقالة السابقة6 نصائح لتدريب طفلك على التعلم من الأخطاء
المقالة القادمةفقه الخلاف: 5 قواعد لخلافات آمنة في العلاقات
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا