“عندما تتوقع الأسوأ يكون وقع السيئ عليك أخف”، عشت لسنوات هذا هو مبدئي في الحياة، فدائمًا في كل خطوة من الخطوات أضع السيناريوهات لأسوء الخيارات الممكنة، أتخيل دائمًا ما سيأتي، فيطفو في ذهني السواد. كنت أعتقد شخصيًا أن هذا التكنيك النفسي يحميني من الصدمة، فبحساب عقلي ونظري خالص إن توقعت وأهّلت ذاتك نفسيًا أنك سترسب في الامتحان، فعندما تحصل على 60% ستجد أنك سعيد وأن الحياة أحسنت إليك.
بينما عندما تتوقع أن تنجح بجدارة وتُحصل 90% ستصدم وتشعر بالفشل إن حققت 80%، لذا ومع حياة منذ الصغر كانت مليئة بالمصاعب الصحية غالبًا، كان هذا التكنيك يفلح، ولكن لم أنتبه أنه يفلح جدًا، يفلح للغاية. فدائمًا ما تقع حياتي في خانة الـ60%، دائمًا ما أتقي صدمة الرسوب، ولكنني أبدًا لم أحصل على بهجة الانتصار والتفوق، أعيش في منطقة رمادية من الحياة لا تتغير، قالب نفسي قد وطدت ذاتي على البقاء به للأبد.
أن تضع أحلامك في قالب مسبق
هذا التكنيك للأسف قد يحمي من الصدمات، ولكن يضع كل الأحلام والأمل والتطلع للأفضل في قالب مسبق محدد لا يتم تخطيه، هذا القالب لا يحقق السعادة ولا يروي النفس، لا يشعرك برعشة النجاح ولا بمذاق الأمل حين يتحقق. الغريب أن ما تتوقعه يتحقق بالفعل، أتوقع أن التحاليل ستكون إيجابية كي لا تصدم عندما تكتشف ذلك، فتجدها إيجابية، لم أصدم ولكنني لم أفرح كذلك. أتوقع أن العمل الجديد لن يكون كما أريد وسينتهي الأمر بالاستقالة، عدة أشهر وأجد أنني أقدم استقالتي حقًا، لقد توقعت الأمر لذا لم أشعر بخيبة الأمل، ولكن هل يعني هذا أنني قد نجحت في عملي؟! مع الوقت كنت أزداد اكتئابًا، فلا شيء في حياتي يسير كما يجب، لا أفراح خارقة، لا سعادة يهتز معها القلب، لا شيء يثير الترقب والحماس، لأبدأ دوامة من الشعور بالفشل والاكتئاب ولا أمل في الخلاص. كل شيء يسير من سيئ لأسوأ كما توقعته تمامًا.
تفاءلوا بالخير في الأغلب ستجدونه
لست ممن يؤمنون بالروحانيات، كنت أخلط دائمًا بينها وبين الخرافات والخوارق، فأضعها عمدًا في سلة واحدة، وهي أمور تنافي العقل، غيبيات لن تؤثر على الحياة، ثم حدث الموقف الغريب. في مفاجأة جميلة قررت العائلة الكبيرة أن تذهب مًا لرحلة عمرة، هي المرة الأولى لي، وستكون بين والدتي وأخوي وخالاتي وأخوالي وأبنائهم، رحلة لمكان أحب الوجود به مع من أحب، وهنا بدأ الهاجس، أنا النحس الدائم، لن يتم الأمر على ما يجب، سيحدث أمر ما يمنعني من الذهاب.
وللهروب من هذا القلق أهّلت ذاتي نفسيًا أنني سأتخلف عن الرحلة، فماذا حدث؟! بالضبط جاءت كافة جوازات السفر لأكثر من 25 شخصًا ذاهبين للرحلة، وقد حصلوا على التأشيرة، والجواز الوحيد الذي لن يحصل عليها ولم يأت هو جواز سفري. لقد حدث ما توقعت بالضبط. هكذا انطلقت في البكاء، لم يكن حتى توقعي بهذا يستطيع أن يتغلب على شعوري بالألم من فقدان هذا الأمر. زارتني إحدى قريباتي لتجدني أبكي وفي حالة اكتئاب حاد، ومع حوارنا صرحتُ لها بمبدئي في الحياة، وأنه حتى هذه المرة لم يحميني من الصدمة.
ولأول مرة مع حوارها أكتشف أن في الحياة عالم آخر من الروحانيات، أن الكون أوسع من حسبة بسيطة بأن 1+1=2 وأن الفشل أمر حتمي. أخبرتني لماذا لا أفكر أنني أفشل لأنني أتوقع الفشل، أن هناك أمرًا روحانيًا قد لا نبلغ مداه ولكنه يحدث دائمًا، فكما أتوقع الفشل لأجده، عندما أتوقع النجاح أيضًا سأجده.
عندما أتوقعه سأعمل له، لن أستسهل الركون لراحة اليأس، سأكتشف أن ما توقعته أيضًا وجدته، لقد سلمت بالفشل وبأني لن أسافر، فلما لا أتوقع أن الأمر سيحل، لا أوقن أن هذا سيحدث، لما لا أبث في ذاتي اليقين بأنني سأذهب هذه الرحلة مع العائلة، أن هناك طاقة قوية ستدفعني لأفعل كل شيء لأحقق ما أيقنت بتحققه.
كانت الفكرة مغرية وصعبة، فأكثر من 30 عامًا من التشاؤم، كيف يمكن تبديلها في ثانية، ولكني كنت أريد بشدة أن أجرب أن أخرج من دوامة الفشل والاكتئاب، فلمَ لا؟! ما هو أسوأ ما سيحدث لي؟ الإحباط؟! وهل مع كل المآسي التي قابلتها في حياتي كان الأمر هين عندما توقعتها ولم أحبط، لأترك ذاتي للإحباط هذه المرة.
وقد حدث، توقفت عن البكاء، أصررت أن أسيطر على أفكاري بأني سأسافر، ستحل المشكلة، سأحقق ذلك، كانت والدتي تضحك من وقوفي في المرآة لتأكيد هذا المعنى على نفسي. الغريب أنني خلال يومين بدأت أشعر ببعض الأمل، بدأ يتسلل إلى نفسي نوع غريب من النور لم أعرفه من قبل، سمه أمل، سمه تفاؤل، أو يقين، ولكني حقًا بدأت أشعر أن ما أطلبه سيحدث. في اليوم الثالث وجدت جواز السفر قد وصل وفوقة التأشيرة المنتظرة، قد تأخر نظرًا لبعض التفاصيل الخاصة بالمحرم، وربما للمرة الأولى أكتشف أن مذاق السعادة بتوقع النجاح وحدوثه تأثيرها على النفس والروح يستحق المخاطرة ببعض الإحباطات حقًا.
اقرأ أيضًا: السيطرة على الضغط النفسي: كيف تحمي عقلك من جنون كورونا
توقع الأفضل يأتي به
لا أدري هل هو أمر روحاني صرف، حيث “تفاءلوا بالخير تجدوه”، أو كون البلاء معلق بالنطق به، أم أنه للأمر جانب نفسي أيضًا وهو أن التفاؤل وتوقع الأفضل يجعلك لا تستكين لراحة اليأس، بل تكد في السعي للنجاح لأنك تتوقع حدوثه، وربما هو مزيج من هذا وذاك. ولكن المؤكد هو أن ما أتفاءل حقًا به ما أيقن داخلي بأنه سيحدث، في الأغلب يحدث، يكون وقع حدوثه النفسي طاغِ، حتى إحباطات عدم حدوث ما توقعته وجدتها أقل من ما كنت أهابه، بل إن عناء الاكتئاب في توقع الأسوأ كان أشد بمراحل من إحباط عدم تحقق المراد.
الآن بعد سنوات من انتظار الأفضل، أجده يأتي، ربما ليس دائمًا، ولكن على الأقل لم تشق نفسي في دوامات من الظلام وانتظار الكوارث، فأنا أسعد وآمل، فإن تحقق الأمل زادت السعادة، وإن لا لم أعان إلا من بعض الإحباط الذي يزول سريعًا انتظارًا للأمل القادم.
اقرأ أيضًا: هل يمكن الهروب من الإنهاك؟