إليك تجربتي مع الطبيب النفسي ومدى فائدة العلاج النفسي وكيف يتم

6092

“التروما النفسية يمكن ألا تكون شخصية”.

هكذا أخبرتني صديقتي بعد أن لاحظت عليّ أعراض الاكتئاب الحاد، الذي لم أعرف سببه الفعلي في وقتها، كل ما كنت أعرفه أنني غير قادرة على تحمل الحياة منذ تفجير الكنيستين، مار جرجس ومار مرقص في طنطا (مدينتي) والإسكندرية، هناك ثقل ما يمنعني من التنفس، ومشاهد متلاحقة تسيطر على ذاكرتي وكأنني كنت هناك.

ذاكرة بديلة حلّت عليّ، أشباح تسكن عقلي وتجعلني أرى تفاصيل لم يرد ذكرها في أيّ تقارير صحفية، أشعر بلذة ماسوشية لا يمكنني إنكارها في تكرار استرجاع الذكرى، وفي وضع نفسي محل الشهداء وأهاليهم وأحبائهم. وأعيد الشريط من جديد كل يوم، حتى تحول الحادث إلى حادث شخصي. وأصبحت -برأي صديقتي الطبيبة- أعاني أيضًا من كرب ما بعد الصدمة.

 الحياة تنفلت من بين يدي

ما أثار رعبي هو اكتشافي أن ساعة مرت وأنا واقفة أمام خزانة ملابس طفلتي، متمسكة بكنزة وردية صغيرة تشبه تمامًا ما كانت ترتديه “لوسيندا”

الطفلة التي ألقت بها القنبلة على الرصيف المواجه لكنيسة مار مرقص في الإسكندرية بعيدًا عن يد أمها، وقريبًا منها أيضًا في نفس الوقت، لدرجة تسمح لها بأن تراها أمامها ساكنة بلا حياة، لكنها لا تسمح لها بلمسها واحتضانها للمرة الأخيرة.

تعرفي على: 5 خطوات للمحافظة على صحتك النفسية

 اكتشاف أنني في حاجة ماسة للمساعدة

هذا المشهد الذي لا يفارق ذاكرتي حتى إلى اليوم، بعد كل هذه الجلسات وكل هذا العلاج، وإن كان أخف وطأة، كان الفيصل في مسألة ذهابي إلى الطبيب النفسي، كنت أسترجعه عشرات المرات في كل وقت

لا أقوى على التنفس ولا الكلام ولا المشي ولا العيش، وفجأة أصبحت فكرة القفز من الشرفة عادية جدًا جدًا ومحببة، حتى أن العائق الوحيد أمامي كان وجود حبال الغسيل المرصوصة جنبًا إلى جنب بشكل قد يعوق اندفاعي.

تعرفي على: لمن نذهب لطلب المساعدة النفسية؟

تجربتي مع الطبيب النفسي

 الجلسة الأولى

في أول جلسة لا مانع من طلب المساعدة من صديقة موثوق فيها.

حجزت لي صديقتي عبر التليفون أول جلسة لي، حتى تمنعني من مجرد فكرة التراجع، دعم الأصدقاء لا يقل أهمية في هذه المرحلة عن أي خطوة أخرى، يجب أن تجدي لنفسك شخصًا يمكن الاعتماد عليه للأخذ بيديك. كنت أشعر بالقلق والخوف

أشعر أنني لا أملك شيئًا لأقوله، محملة بإرث سخيف من المسلسلات العربية والأفلام التي تظهر الطبيب النفسي بصورة كارتونية مضحكة.

لا أعرف من أين أبدأ، أو هل أملك مشكلة فعلاً! هناك الآلاف غيري ممن يعانون من مشكلات نفسية حقيقية، فصام وإدمان ومشاكل هوية ووسواس قهري، ثم أدخل أنا لأتحدث عن بعض المشاعر المضطربة والاكتئاب! كل هذه الهواجس كانت تطاردني، أشعر بالقلق من أن يتم الحكم عليّ أو الاستخفاف بمشاعري، لكن كل هذا لم يحدث.

تعرفي على: 10 أمور عليكِ معرفتها قبل زيارة الطبيب النفسي

اختيار الطبيب النفسي المناسب

اختيار الطبيب له عامل كبير، من الجلسة الأولى يمكن أن تعرفي إن كان هذا الطبيب يناسبك أم لا، بعض الأساليب قد لا تناسبك أنتِ بالذات رغم أنها تعمل جيدًا مع غيرك، والارتياح للشخص الذي تنوين الحديث معه عما يثير قلقك أو اكتئابك أمر في غاية الأهمية، الأهم هو الارتياح للشخص الذي يمكنك حتى عدم التحدث معه دون أن تشعري بالعبء، وأن تكتفي بالاستماع، وأن تنفذي الخطط التي تضعاها معًا لتحسين حياتك.

قد لا يظهر طبيبك تعاطفه مع قصتك، لكنك لا تسعين نحو تعاطفه، أنت تسعين نحو مساعدته العملية، التحسن لن يأتي من أول ولا من ثاني جلسة. بالنسبة لي، شعرت بالتحسن بعد مرور ثلاثة أشهر على مواظبتي الذهاب إلى جلساتي المحددة بدقة، ومواظبتي على تمارين التنفس، وتمارين التخيّل، وتمارين الكتابة، وتناول الأدوية ولقاء الأصدقاء.

تأثير العلاج النفسي وتحسن الحالة

بعد شعوري بالتحسن، عانيت من نوبات هلع مفاجئة، ومن تراجع شديد واكتئاب حاد على فترات، لكن ما ساعدني حقًا هو انتظامي على الذهاب إلى الجلسات، وانتظامي على الدواء الذي يشكك البعض في جدواه، وانتظامي (وهذا الأهم) على التمارين التي كنا نضعها معًا، وكلها تناسب اهتماماتي وشخصيتي.

الشفاء من الاكتئاب بعد عامين

الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب عادة لا يشفون نهائيًا، ربما تعاودهم النوبات بين الحين والآخر، أخطر ما في الأمر هو الفكرة السائدة برفض العلاج والمساعدة والدعم، أو الاعتقاد بأن الاكتئاب مجرد عرَض مثل الحزن أو الضيق سيتلاشى بمرور الزمن.

كنت محظوظة بوجود حلقة داعمة حولي سواء من الأصدقاء أو العائلة أو الطبيب النفسي، لكن هناك آلاف الأشخاص الذين لا يحظون بمثل هذه الظروف، ويتلقون في نفس الوقت نصائح تتسبب في تدهور حالاتهم بشكل قد يصل بهم إلى الانتحار بلا مبالغات.

الدعم النفسي لنفسك وللآخرين

أحاول استكمال ما فعلته معي صديقتي، إنها حملة Payback معنوية إذًا، أشجع أصدقائي على طلب المساعدة بلا خجل، أدعمهم دعمًا غير مشروط بلا أحكام

أتمنى أن يتوقف الجميع عن الحكم على الآخرين، على أحزانهم ومشكلاتهم ونمط حياتهم، فأحيانًا ليس ما يبدو على السطح هو الحقيقي. يملك كل شخص في أعماقه قصة ما لا يمكن تخيّلها، لكن ما يجمعنا كلنا أننا بالتأكيد نسعى لتحسين حياتنا إلى الأفضل.

المقالة السابقةأشكي لمين؟ تعالي وأنا أقولك
المقالة القادمةما هو الدعم النفسي؟ فوائد مجموعات الدعم النفسي
روائية وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا