وجبة فري

78

 

 بقلم: روكسان رأفت

 

بسماح من دكتور التغذية اضطريت أني آخذ هُدنة، وأفصل عن النظام الغذائي اللي بقالي وقت طويل قوي ماشية عليه. في زيارة من زياراتي ليه قاللي: الجسم غالبًا محتاج يأخذ فترة راحة؛ لأنه تعب من كثر ما احنا بنزقّ فيه ونضغط عليه أنه يوصل لوزن معين. وأنا كان بقالي فعلًا وقت طويل بحاول، وأضغط على نفسي أني أوصل لشكل ووزن معين .. رغم أنه الدكتور نفسه قال: أنا شايف أننا تمام كده، وكفاية ونوقف نظام غذائي لتنزيل الوزن!

لكنني كنت مصممة على شكل معين، ومش مُتقبّلة أنه ميتحققش. وقتها فضلت طول الطريق متلخبطة قوي وجُوَّايا أسئلة ومشاعر كثيرة قوي. يعني -مثلًا- أول حاجة كانت ملخبطاني، هل أفرح وأتبسط أن الدكتور بنفسه قاللي خدي بريك؟ ولا أقلق وأخاف أحسن أريّح وأتعود على كسر روتين النظام الغذائي؛ فأرجع كل اللي خسيته ويبقى معملناش حاجة؟ .. ويا ترى أنا هتعامل مع الهدنة دي بشكل مظبوط؟ ولا هتقلب استبياع وطناش ومش هأعرف أرجع للروتين ده ثاني؟

أسئلة كثيرة ولخبطة كثير على حاجة تبدو صغيرة قوي قُدام صراعات ثانية الناس حواليّ بتمرّ بيها. بس بصراحة كانت أول مرة في حياتي اضطر آخذ هدنة إجباري! مرات كثير قوي وفي تحديات وصراعات وحروب كثير في الحياة مش بنعرف نأخذ هدنة باختيارنا، بنبتدي نأخذها بأمر الدكتور زي مثلًا أنه يقولنا لازم تبطل عصبية، أو أنت بتعاني من ضغط عصبي ولازم تفصل، أو لازم تنام كويس أو تشم هوا .. مع أنه الراحة علينا حق!

ده حتى المَكَن بيريح علشان يرجع يشتغل بكامل كفاءته. مرّات بحس أني بهمل في أمانتي على حياتي لما بعيش زي الماكنة من غير ما آكل وأشرب كويس، من غير ما أتغذى كويس. وأقصد هنا كل الشبابيك اللي بيدخل لي منها غذا ونور. زي بسمع إيه؟ بشوف إيه؟ بتكلم مع مين وفي إيه؟ .. أنا مسئول أعيش باللي موجود في حياتي بالفعل؛ مش باللي خايف منه أو خايف أفقده.

 

لو مش بتعرف تأخذ هدنة ببساطة أو بسهولة؛ احتمال تكون مزنوق في واحد من الأسباب الجاية دي، وكل ما تحاول تهرب منه علشان تفصل وترتاح بتلاقيه طلعلك ولفّ طوقه على مخك علشان يحكم سيطرته عليك.

 

1- الشعور بالذنب

إزاي آخذ هدنة وأفصل، وفيه ناس ثانيين مسئولين مني؟ أو ناس ثانيين ظروفهم أصعب مني؟ .. والحقيقة أنه أصعب حاجة في الشعور بالذنب؛ أنه مرات بيبان منطقي للدرجة اللي تخليك مش قادر تقف قُصاده أو تقوله أي حاجة.

لكن وبعدين؟ هنستنى لحد امتى علشان نأجل الراحة والهدنة وإعادة الشحن؟ مش لازم نستنى البطارية تفضى للآخر. يمكن واحتمال لمّا آخذ هدنة وأفصل أبتدي أشتغل وأنجز وأعمل دوري بكفاءة أكبر. جرّب مرة تطنش صوت الذنب وشوف هيحصل إيه؟

 

2- الشعور بالخوف

أكثر حاجة بيخاف منها اللي على طول شغّال أنه يريّح؟ .. الراحة بتحسسه أنه هيفصل خالص، مش هيرجع يدخل في “المُود” ثاني، هيفقد حماسه أو شطارته أو التزامه. أو احتمال يخاف من الفصلان علشان بيحسسه بالفراغ واللا معنى؛ وكأنه معنى وجودي مرتبط باللي بعمله وبننجزه أو حتى مشغول بيه!

بيظهر الموضوع ده في حياة اللي مدمنين شغل وإنجاز؛ تلاقيه بيقولك يعني هفصل أعمل إيه؟ دي حتى الحياة تبقى مملة وملهاش معنى.

 

3- القطبية في التفكير

مرات بنخاف نفصل لأننا لو فصلنا هنطنش تمامًا، ونكسّل خالص، وعُمرنا ما هنرجع للأول ثاني. وكأن الحياة أبيض أو أسود. يا شغل خالص، وضغط على طول، ومخ مش بيفصل تفكير. يا حد عايش في ملذات الحياة ومش بيحس بأي حد حواليه ومطنش وعايش لنفسه بس، وأنا مش عايز أبقى كده!

وبعدين إزاي الواحد يعيش شعورين في نفس الوقت؟ .. ما هو يا إما جد، يا إما لعب!

الحقيقة -وعن تجربة- ينفع نعيش تجربتين شعوريتين في وقت واحد. ينفع أمتنّ للحلو اللي عندي، وأتعب للصعب اللي عند اللي حواليّ. ينفع أفرح بابني اللي بيلعب حواليّ، وأدعي لأم فقدت ابنها ربنا يصبر قلبها ويربط عليه.

أنا هنا مش منافق، أنا هنا انسان.

 

4- القلق من خداع النفس

لمّا بنعتاد على القطبية في التفكير، وأن الحياة يا أبيض يا أسود؛ بنقلق لَنكون بنخدع نفسنا بكام يوم حلوين بنفصل فيهم أو نسافر سفرية حلوة. وبنلاقي صوت جُوَّانا يقولنا ما أنت كده كده راجع للمعركة ثاني، بتضحك على نفسك يعني بكام يوم حلوين؟

وكأنه الطبيعي في الحياة هو الصعب والصراع والجدية -وإن كان ده جزء كبير منها- لكن مش كل الحياة.

وساعتها بنلاقي أنه حتى في الأوقات الحلوة؛ أنا مش عارف ولا قادر أعيشها للآخر. علشان بفكر يا إما في امبارح أو بكرة.

في يوم الخير، كُن بخير.

يمكن تكون عارف الأسباب اللي مش بتخليك مش قادر تأخذ هدنة ويمكن لا .. بس في الآخر الفصلان علينا حق.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةوسط الألم
المقالة القادمةفسحة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا