الرُّوحانيَّة، الرحلة الداخلية

34

بقلم: وفاء مرزوق

 

“قال سُفيان الثوري لرابعة: ما حقيقة إيمانك؟ فقالت له: ما عبدته خوفًا من ناره، ولا حُبًا لجنته، فأكون كالأجير السوء؛ بل عبدته حبًا وشوقًا إليه”.

الرُّوحانيَّة هي رحلة داخلية شخصية عميقة تختلف من شخص لآخر. هي رحلة من المعرفة لله وللنفس، ولا أعلم أيهما يسبق الآخر. قد تتعرَّف على الله، ثم تتعرَّف على نفسك في ضوء تلك المعرفة. أو تكتشف بُعدًا جديدًا في داخلك، أو -بمعنى أدق- فراغًا لا يملأه إلا الله. 

إنها رحلة مُتباينة بتبايُن البشر، يُشكِّلها العديد من المؤثرات الشخصية، والتربوية، والثقافية. وتعرقلها أيضًا الصدمات، والتوقعات، والمعتقدات المغلوطة، والقوالب. رحلة الرُّوحانية الشخصية هي طريق لمَن لا يخشى الاكتشاف، ولا يَحدُّه ذلك العالَم المادي الملوس. إنها رحلة في بُعد رُوحي، التِّيْهُ فيه وصولٌ.

في تلك الرحلة نكتشف ذواتنا، نتعمَّق فيها، ونفحص معتقداتنا وقِيَمنا وعواطفنا وتجاربنا. ونكتسب معرفة عن طبيعة ذاتنا الحقيقية. كما نتواصل ونرتبط بكيان أكبر وأعظم من ذواتنا. نتواصل مع مُبدع الكون، خالقنا.

في رحلتنا الداخلية مع الرُّوحانية نبحث عن المعنى والغرض في الحياة. نصارع مع أسئلتنا الوجودية حول هدف حياتنا، ومعنى المعاناة والألم، والهدف من كل ذلك. 

مع الحيرة التي قد تجلبها تلك الرحلة الداخلية، نجد أيضًا السلام الداخلي والرضا المُشبع الذي يتجاوز -في بعض الأحيان- الظروف الخارجية. وتنشأ حالة من المُصالحة الداخلية مع أنفسنا ومع الكون.

الرُّوحانية رحلة ليس لها محطة وصول نهائية؛ فهي رحلة من النمو والتغير المستمر. فعندما نكتشف مخاوفنا وقيودنا وأنماط ذواتنا الأنانية، فإننا ننفتح أمام النمو الشخصي العميق والتغير الواعي. حينما نُبصر الصلة الخفية بين استقبالنا للحظة الحالية وخبراتنا وصدماتنا السابقة؛ تتولد بداخلنا بصيرة وقدرة على التحرر من تلك الرابطة الشرطية المعيقة للحياة وللروحانية ولمعرفتنا بالله.

الرُّوحانية ليست طقوسًا ومُمارسات وعادات معينة مرتبطة بأوقات محددة؛ لكنها تلك المُمارسة الحياتية التلقائية المندمجة في كل تفاصيل الحياة اليومية. هي تلك القناة التي تعزز شعورنا بالترابط والتعاطف مع كل مَن حولنا. هي تلك الاستنارة لرؤية أن لكل منا صراعاته وتحدياته الداخلية التي تؤثر على سلوكه وردود أفعاله. الرُّوحانية هي احترام وتفهم الاختلافات والفروق الفردية بين البشر.

الرُّوحانية هي طريق شخصي لكل واحد منا، والوصول فيها يحررنا من الأحكام، ويُخرجنا من القوالب. وتصبح معرفة الله بالنسبة لكل فرد شخصية جدًا. فيكون لسان حال كل شخص: (الله كما أعرفه).

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةنوستالجيا ولا تروما
المقالة القادمةمعايير الأرض والسماء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا