فسحة

77

 

بقلم: كريستينا ناجي

 

لو كنت من ساكني الصعيد أو عندك أي قرايب هناك؛ فغالبًا هتكون سمعت عن نومة الضُّهريَّة .. هي فترة راحة من ساعة لساعتين -على حسب كل شخص-، فترة مُقدَّسة عند ناس كثير. نقفل الشباك نصَّ قفلة علشان تقلّ الإضاءة، ويبقى داخل إضاءة خفيفة من ورا الشيش المتوارب. بينام الشخص ويفصل ويصحى بطاقة جديدة يكمل بيها باقي فقرات يومه .. و كأنها فصلة في نص اليوم.

نقدر نعتبرها زي “البريك” اللي في نص اليوم الدراسي، أو الفسحة زي ما كنا بنسميها زمان، شوية وقت بننزل فيه من الفصل وننطلق وننتشر، فيه اللي بيقعد على جنب ياكل في هدوء، وفيه اللي بيقضيها لعب وجري وممكن ميلحقش حتى ياكل سندويتشاته، بس في الآخر الفسحة أو “البريك” أغلبنا كنا بنستناه واحنا أطفال في المدرسة.

بأمثلة أقرب شوية، وفي جُمل سمعناها من ناس حوالينا، مثلًا من الأمهات اللي عندهم أطفال، دايمًا يقولوا:نفسي بس أقعد على كرسي أبص في السقف وأشرب النسكافيه بس”.

أغلبنا -إن مكنش كلنا- محتاج في حياته، يومه للبريك والفسحة ونومة الضُّهرية والبصَّة في السقف كده لشوية وقت من غير ما نعمل حاجة .. أغلبنا محتاج “هدنة”؛ لأننا بني آدمين بنحتاج نفصل، نرتاح شوية ونرجع نكمل ثاني.

 

راحة لمين؟..

كلام جميل، بس احنا طول الوقت لازم نجري، ومبقاش في وقت نقف، و جايز كمان يبقى عندك فكرة أني لو ريحت مش هرجع أكمل، أو بالبلدي “هرَحْرَح” وهكسّل أكمّل جري… 

صحيح احنا في عصر السرعة، مطلوب جدًا الإنجاز والكل بيحبه ويمدحه كمان .. بس مين قال إن الراحة ضد ده؟

أي حد مسافر على طريق طويل، بيقف شويه كده في النص يريح العربية ويرجع يكمل .. عشان العربية محتاجة ترتاح!

طيب مش بالأولى بقى أنا كإنسان محتاج شوية راحة، هدنة من اللي أنا مطحون فيه؟!

وأكيد هرجع أكمل تاني .. وحتى لو بدأت ببطء هرجع ثاني أسرع .. بس ببال أهدى، وطاقة جديدة قادرة تخليني أجري وأنا مشحون، مش وأنا بنهار .. 

 

راحة ليه؟!..

كلنا بنجري .. دي سُنَّة الحياة .. الراحة دي لمّا ربنا يريد ونفارق الحياة .. الراحة دي دلع للناس الفاضية!

 

ايه رأيك في الأفكار دي؟!

جايز للوهلة الأولى تأخذها بضحك وكوميديا .. طبيعي .. بس لو فكّرت شوية جوَّاك وبصيت حواليك هتلاقي أن أغلبها أفكار منتشرة جدًا وموجودة بقوة جوَّا ناس كثير مش بتتقال بصوت عالي دايمًا إلا أنها مؤثرة في أفعالي وتصرفاتي .. فممكن أبقى شايف أن “الجري طول الوقت علينا حق” وأي محاولات للراحة البسيطة هي شيء غير هام بالمرة بل ورفاهية كمان .. وجايز أتهم كمان اللي بيعمل ده أنه شخص متدلع، غير مسئول!

راحة ليه؟ علشان أنا محتاج أرتاح .. جسمي محتاج يهدى، مخي محتاج يفصل شوية، وجايز يكون ده دلع لو أنا بسيب مسئولياتي وبهملها علشان أكسّل وأريح بس .. إنما وقت الفسحة الصغير اللي هأخذه وأريح فيه نفسي لشوية وقت، وهرجع أكمل بعده ثاني بنشاط أكبر ليه أسميه دلع! في الحقيقة ده احتياج ومهم كمان..

 

دوشة..

احتمال لو قررت تبدأ تفعَّل وقت الهُدنة أو البريك ده في حياتك تحسّ بدوشة أفكار كثيرة .. وجايز كمان تكون عارف الدوشة دي، وعلشان كده بتتجنبها بالجري والانشغال .. مثلًا : إحساس بالذنب .. أني كده مُقصّر أو بهمل في اللي ورايا، أو مش من حقي أرتاح علشان الشاطرين لازم طول الوقت يبقوا بيجروا؟!!

بس يا حرام الشاطرين دول بني آدمين .. بيتعبوا ونَفَسهم بيتقطع .. ودماغهم بتتعبهم من كثر التخطيط والجري من بُعبُع التقصير اللي بيطاردهم طول الحياة .. الشاطرين ليهم طاقة وبتحتاج تتشحن .. الشاطرين من حقهم في وقت يرتاحوا ويأخذوا فسحة قصيرة .. الشاطرين مش مَكَن أو آلات تشتغل طول الوقت .. وأخيرًا الشاطين لو ارتاحوا هيفضلوا برضه شاطرين ومكملين بطاقة أفضل ونفسيات مرتاحة، وأجسام قوية واخذه كفايتها من الراحة . 

أشجعك تأخذ الخطوة وتبدأ تفكر وتفعَّل الموضوع .. حتى لو بخمس دقايق في اليوم لحد ما توصل أنك تعرف ايه نوع الهدنة اللي أنت محتاجها ومن ايه) من مسئوليات، من أفكار، من أشخاص وعلاقات..

أشجعك كمان تأخذ وقت وتبدأ ترد على الأفكار اللي بتطاردك وبتحاول تمنعك ترتاح، زي ما أنا عملت كده في جملة (الشاطرين مش بيرتاحوا)، ولو معرفتش اطلب مساعدة اتكلم مع صديق، مع حد متخصص، مش شخص بتشوفه بيعرف يرتاح وكمان بيرجع يكمل في حياته .. ومع الوقت هتتعوِّد تعمل ده وتستمتع بيه كمان . 

 

وأخيرًا..

من حقك تأخذ بريك

من حقك تفصل وترجع تكمل

أنت مش بتدلع ولا بتتكاسل لمَّا بتحتاج تقف شوية وترجع ثاني

من حقك تستمتع بالفسحة…

وزي ما كنا بنهيَّص واحنا أطفال، وننزل جري على السلالم علشان ننبسط وننطلق في المكان الواسع، ونرتاح شوية من الحصص اللي ورا بعض .. لسه ينفع نأخذ فسحة حتى بعد ما كبرنا .. بطريقتنا وعلى مزاجنا ونستمتع بيها .. ومتقلقش ده وقت محدد، هيرن الجرس وهنرجع ثاني نطلع الفصل، ونكمّل اليوم قصدي .. الحياة.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةوجبة فري
المقالة القادمةعاداتك .. حياتك

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا