التصالح مع الجسد: أهم صعوباته وخطوات تحقيقه

2543

منذ طفولتنا المُبكرة نتلقى رسائل من الآخرين بشأن لون بشرتنا أو حجم أنفنا أو مدى بدانتنا أو نحافتنا، كل هذه الرسائل تخلق لدينا شعورًا سلبيًا تجاه أنفسنا، ونفورًا من أجسادنا، بمرور الوقت وبعد أن نكبر نُزيد الأمر على أنفسنا سوءًا، فنصبح كمن يُلّقي بالبنزين على نار كراهيتنا لأجسادنا ومشاعرنا السلبية تجاهها، لتشتعل وتزداد أكثر. دعنا نبدأ الأمر من البداية، ونتعرّف على الأسباب التي تجعل من الصعب على النساء قبول أجسادهن، وكيف يمكن استعادة الثقة بالنفس و التصالح مع الجسد.

الإعلام يصعب على النساء قبول أجسادهن

أصبحت كراهية النساء لأجسادهن ظاهرة يومية، فكثيرًا ورُبما غالبًا ما نستمع إلى من تكره شيئًا في شكلها، أو تشعر بالضيق من وزنها الزائد الذي لا تستطيع إدارته أو التحكم فيه، ورُبما كرهنا حتى النظر إلى أنفسنا في المرآة، لأننا لا نرضى عمّا نراه، ولا يُلبي خيالاتنا أو طموحاتنا تجاه أنفسنا.

أحد الأسباب في أن النساء يكرهن أجسادهن هو تأثرهن بشكل متزايد بالمشاهير ووسائل التواصل الاجتماعي، الذين -دعونا نواجه الحقيقة في ذلك- لا يعيشون حياة طبيعية، وطوال الوقت نحن نحاول إجراء مقارنات قاسية بينهن وبين النساء الحقيقيات، اللائي يحاولن التوفيق بين العمل والأسرة.

تاريخيًا، كان الجسد الأنثوي المثالي قويًا وممتلئ الشكل. ومع ذلك، حتى في وقت مبكر من القرن التاسع عشر، عندما تم استخدام الكورسيهات المؤلمة والمضرة بالصحة لإبراز الثديين والفخذين والأرداف، كان من المتوقع أن تسعى النساء جاهدات للحصول على نموذج مثالي للجمال. في القرن العشرين، أصبح الرأي العام الأمريكي أكثر انشغالًا باللياقة البدنية الصبيانية النحيفة، حيث كان ينظر إلى المرأة الممتلئة على أنها تفتقر إلى ضبط النفس، وهو اتجاه نما بشكل كبير بحلول نهاية القرن.

في العصر الحديث، شهدنا اتجاهًا يدعو للنحافة بأي ثمن، وقد أتى هذا بنتائج عكسية، فأصبحت الولايات المتحدة مثلًا لديها أعلى معدلات السمنة واضطرابات الأكل في العالم. كان هذا بسبب الرسائل التي يرسلها المجتمع طوال الوقت. فمنذ الصغر، تطمح النساء إلى قياسات شبيهة بباربي، والتي تكون مستحيلة من الناحية الفسيولوجية، بدون جراحة أو تجويع كامل.

وفقًا للجمعية الوطنية لاضطرابات الأكل، فإن 42% من فتيات الصف الأول إلى الثالث يرغبن في إنقاص الوزن، و81% من الأطفال في سن العاشرة يخشون من السمنة. وبمرور الوقت، تحولت النماذج من النحافة إلى الهزال، الأمر الذي أتى بنتائج عكسية وانعكس تأثيره السيئ في تزايد مشكلة اضطرابات الأكل وعدم الرضا عن صورة الجسد. في عام 1975 كان وزن معظم العارضات أقل بنسبة 8% من متوسط ​​وزن المرأة، اليوم أوزانهم 23% أقل.

إذًا كيف حققت دعوة النحافة هذه النتائج العكسية؟ في جميع العلاقات، سواء أكانت صداقة أو زواج أو علاقة أسرية أو مهنية، يبحث الناس عن القبول. عندما يتلقون بدلًا من ذلك النقد أو الرفض أو الحكم السلبي فإنهم يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدد من مشكلات الصحة العقلية، بما في ذلك صورة الجسم السيئة واضطرابات الأكل.

تتمتع وسائل الإعلام اليوم بتأثير أقوى بكثير من أي وقت مضى، وفي بعض الأحيان لها الأسبقية على الأصدقاء أو العائلة أو النساء الحقيقيات الأخريات. في حين اعتادت النساء في الماضي على النظر إلى نماذج حقيقية يُحتذى بها من متوسطي ​​الحجم، فإن النساء أصبحن الآن يقارنَّ أنفسهن بصور، في الماضي كانت الفتاة تكبر وهي تريد أن تبدو مثل والدتها أو أعز أصدقائها. الآن تريد أن تبدو مثل نجمة سينما عالمية لا تراها إلا في الصور.

هنا يكمن الضرر الحقيقي. كلما تعرض الفرد لوسائل الإعلام، زاد اعتقاده بأنها تعكس العالم الحقيقي. ما لا يدركه معظم الناس هو أن غالبية الصور التي يرونها في المجلات قد تم تغييرها بطريقة ما، وأن الرغبة في الحصول على مثل هذا الجسد هو أمر مستحيل ماديًا، وهو يُمثل إعداد لكراهية الذات.

ما يجب معرفته هنا والتأكد منه أن المُقارنة لن تؤتي ثمارها أبدًا، فالحمية لا تعمل دائمًا، وهذه الأجسام المثالية في المجلات واللوحات الإعلانية تم تحسينها رقميًا. صناعة الأزياء تصنع الملابس فقط للنحيف والطويل، مهما كان مقدار الوزن الذي تخسره، فلن يكون ذلك كافيًا لك أبدًا. يمكنكِ الاستسلام الآن.

لا تشرعي في عيش حياة من المحاولات البائسة لتحسين الذات، يتخللها بانتظام الإفراط في تناول الدهون والسكر بسبب حالات اليأس المُتكررة. من الأفضل بكثير تجاوز اليأس والاكتئاب والوصول إلى التقبّل، تقبّل جسدكِ وقبول نفسكِ.

“كلما نظرت للمرآة أشعر وكأنني لست أنا”

“لست أنا هذه التي تنظر إليّ من المرآة، لا أشعر أنها تُمثلني أو حتى تُشبهني، كلما رأيتها أدرت وجهي سريعًا، كأنني أهرب منها”، هكذا تقول “نوال”، (اسم مُستعار)، المرأة الثلاثينية. تُعاني “نوال” من زيادة بالوزن منذ طفولتها المُبكرة، لا تستطيع العمل على إنقاص وزنها، كل ما تفقده بعذاب الحميات الصعبة تستعيده بمنتهى السهولة أضعافًا مُضاعفة، تُعاني لتفقد كيلوجرامًا واحدًا، لكنها تجد نفسها قد زادت أكثر من خمسة كيلوجرامات بمنتهى السهولة.

“ليست مشكلتي صحتي، فأنا قطعًا لا أفكر في صحتي حينما أتبع هذه الحميات الصعبة التي تجعلني آكل نوعًا واحدًا من الفاكهة أو الخضراوات لمدّة أسبوع متواصل، كل ما أفكر فيه هو شكلي، وما أفقده من الوزن في أسبوع أستعيده في يوم واحد بعد التوقف عن الحمية. أشعر أن هذا دمرني نفسيًا واجتماعيًا، أشعر كأن لا أحد يتقبلني، أنا لا أحب شكلي، فكيف سيتقبلني غيري”.

الدائرة المُفرغة التي تدور فيها “نوال” أصبحت مُعاناة دائمة تُعانيها الكثيرات من النساء اللاتي يحلمن بدرجة مُحددة من الرشاقة وشكل موحد من الجمال، وهو بالطبع ما لا يحصلن عليه، فيجدن أنفسهن قد وقعن في أسر رفض الذات، ورُبما كراهية أنفسهن، فما هي كيفية الخروج من هذه الدائرة الجحيمية؟


كيف أزيد ثقتي بنفسي وأتصالح مع جسدي؟

هناك بعض الإستراتيجيات للتصالح مع جسدك والتعرّف عليه والتخلص من الأفكار السلبية، منها:

1. تعرفي على ما يمنحكِ السعادة

تعرّفي على ما يمنحكِ السعادة. أكتبي قائمة بأكثر لحظاتكِ إمتاعًا. ضمِّني أكبر قدر ممكن من التفاصيل، مثل من كنتِ معه، وماذا كنت تفعلين، وأين كنتِ، وما إلى ذلك. فكري في الأشياء المشتركة بين هذه المواقف. هل كان نوع الأشخاص الذين كنتِ معهم هم سبب سعادتكِ أم السبب هو المكان مثل الوجود في الطبيعة أو في مدينة كبيرة؟

عندما تُدركين الظروف التي حصل فيها جسمكِ على أكبر قدر من المتعة في الماضي، حاولي زيادة مقدار الوقت الذي تقضيه في مواقف مماثلة في المستقبل. كل شخص لديه جسد فريد، مما يعني أنكِ ستحتاجين إلى التجربة ومعرفة ما يمنحكِ المتعة.

2. تعرّفي على ما تُجيدينه

تعرّفي على ما تجيدينه بشكل طبيعي. جزء من وجود بنية جسدية وكيمياء فريدة هو التوافق مع حقيقة أن بعض الأجسام ستكون بطبيعة الحال أفضل في بعض الأنشطة من غيرها، مثلًا إذا كُنت طويلة بعض الشيء فقد يجعلكِ هذا بطلة رياضية لكرة السلة أو الكرة الطائرة، تعلُّم أن تتقبلي جسدكِ يعني تعلم تقبل أن أداء جسدكِ أفضل في أفعال معينة، على عكس الآخرين. قد يستغرق الأمر بعض الوقت للتعرف على هذه الأنشطة.

إذا لم تكوني متأكدة من الأنشطة المناسبة لجسمكِ بشكل طبيعي، فاقضي بعض الوقت في تجربة أنشطة لا تتخيلي أبدًا أنك مهتمة بها. خذي صفًا في اليوجا، أو الفخار، فلا توجد طريقة لمعرفة ما يُجيده جسدكِ حتى تفعلي ذلك.

3. حددي ما تحبينه في جسمكِ ومظهركِ

حتى الأشخاص الذين لديهم صورة سيئة للغاية عن أجسادهم، يمكنهم العثور على شيء في أجسادهم يُحبونه ويُقدّرونه. من المهم أن تتعلم حب وتقدير كل صفاتك الجيدة، بما في ذلك الصفات الجسدية. لا تسمح لنفسك بالتعلق بالصفات التي تزعجك، ركز فقط على الإيجابية.

4. اقبلي جسمكِ كما هو

هذا يعني عدم محاولة تغيير هويتكِ أو التركيز على الصفات التي لا تحبينها. تعلّمي كيف تستمتعين بجسمكِ، كيف تتحركين وتشعرين وتتجولين. تخلي عن الطريقة التي اعتدتِ أن تبدين بها، خصوصًا إذا كان جسمكِ قد تعرّض لتغيرات من الحمل أو الولادة أو الإصابات أو الحالات الطبية. كوني لطيفة وودودة مع جسدكِ كما هو الآن.

لا تتبعي نظامًا غذائيًا، إلا إذا كان هناك ضرورة صحية. تعلمي الاستماع إلى جسدك وتناول كمية مريحة لا تؤذي نفسكِ بكثرة الطعام ولا تحرمي نفسكِ من الطعام أو تضطربي بسبب مقدار ما تأكلينه.

5. اعرفي مقدار الوقت الذي تخصصينه للأفكار السلبية

الأفكار السلبية لا تفعل شيئًا لتحسين صورتكِ الذاتية. اقضي يومًا أو يومين تلاحظين خلالهما عدد المرات التي تفكرين فيها في جسمك. كم مرة تعتقدين أو تقولين شيئًا سلبيًا عن جسمك؟ كم مرة لديك أفكار إيجابية؟ احتفظي بسجل في دفتر يوميات أو دفتر ملاحظات أو على هاتفك لهذه المهمة. دوِّّني كل فكرة سلبية تطرأ بسرعة. في نهاية اليوم، من المحتمل أن تندهشي من مقدار الأفكار السلبية التي تُرددينها لنفسكِ بشأن جسدكِ ومظهركِ خلال يوم واحد.

6. استبدلي الأفكار السلبية بأفكار إيجابية

في حين أن هذا قد يكون صعبًا في البداية، إلا أنه جزء مهم من تقبّل جسدكِ. بمجرد أن تلاحظي أنك بدأتِ تفكرين في فكرة سلبية، استبدليها فورًا بشيء إيجابي عن نفسك. امنحي نفسكِ الوقت لتعتادي على التفكير الإيجابي.

المقالة السابقةتاريخ حمالة الصدر واختلاف أهميتها بين الشعوب
المقالة القادمةحين استعدت جسدي
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا