علامات الاكتئاب وأسبابه عند الأطفال والمراهقين والنساء

2211

شهدت السنوات الأخيرة زيادة في مستويات الوعي بالصحة النفسية، فقد أصبحت منصات التواصل الاجتماعي منبرًا ضخمًا لأطباء واختصاصيي الصحة النفسية لنشر معلوماتهم ونصائحهم، ثم أصبحوا جزءًا أساسيًا من البرامج الحوارية الأساسية في غالبية القنوات والفضائيات العربية، واحتلت كتبهم التي أصبحت تنشر في أهم المواسم، رفوف الكتب الأكثر مبيعًا.

وبرغم أن كل ما سبق انعكست إيجابياته على الفرد والمجتمع، وأصبح كل واحدٍ منا على دراية بصحته النفسية وما قد يصيبها من علل، وسبل الوقاية والعلاج، فإن هناك جانبًا سلبيًا للأمر، حيث أصبح كل شخص يعتقد أن قراءة بعض الكتب ومشاهدة بعض الحلقات لهذا الطبيب أو ذاك كافيًا ليستطيع أن يُشخِّص نفسه نفسيًا. فالغالبية العظمي تتعامل مع الحزن على أنه اكتئاب، وتقلبات المزاج العادية على أنها اضطراب ثنائي القطب Bipolar. بينما الأمر أعمق من ذلك بكثير، وقد يحتاج الطبيب أكثر من جلسة ليحدد المرض ثم آلية العلاج.

أولاً وأخيرًا، في تشخيص الاضطرابات النفسية، القول الفصل يكون للأطباء والاختصاصيين النفسيين، أما كل المواد التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، فهي من قبيل رفع الوعي وليس التشخيص، بما فيها المادة المكتوبة في السطور الآتية عن علامات الاكتئاب، يُمكن اعتبار هذه المادة مؤشرًا للقارئ بالحاجة أو عدمها لزيارة الطبيب، لكنها بالتأكيد ليست تشخصيًا على الإطلاق.

تعريف الاكتئاب

يظن عدد كبير من الناس أن الاكتئاب شكل من أشكال الحزن الشديد، أو المرحلة التي تأتي بعد الحزن الشديد، لكن الحقيقة أن الاكتئاب هو اضطراب نفسي، أكبر من مجرد حالة مزاجية سيئة، فهو ليس نقطة ضعف ولا يُمكن الخروج منه ببساطة دون الاستعانة بطبيب أو مختص نفسي.

بحسب موقع “Mayo Clinic” الطبي، فإن تعريف الاكتئاب: هو اضطراب مزاجي يسبب شعورًا دائمًا بالحزن وفقدان الاهتمام. ويسمى أيضًا اضطراب اكتئابي رئيسي أو اكتئاب سريري، وهو يؤثر على شعور الفرد وتفكيره وسلوكه، ويمكن أن يؤدي إلى مجموعة متنوعة من المشكلات العاطفية والجسدية، فقد تواجه المريض صعوبة في القيام بالأنشطة اليومية العادية، وأحيانًا قد يشعر كما لو أن الحياة لا تستحق العيش.

أما المشيرة النفسية أ. سوزي لطفي في كتابها المشورة النفسية (الجزء الثاني)، تُعرِّف الاكتئاب بأنه: مجموعة من الأعراض المركبة، التي يُطلق عليها العلماء اسم Depressive Disorder اضطراب اكتئابي. فأعراض الاكتئاب تختلف من شخص لآخر، فالبعض يتخذ لديهم الاكتئاب شكل أحاسيس قاسية من اللوم وتأنيب النفس واليأس والتشاؤم، ويجيء عند البعض الآخر مختلطًا في شكل شكاوى جسمانية وأمراض بدنية بصورة قد لا نعرف الحدود بينهما.

ويُعرِّف عالم النفس مارتن سيليجمان الاكتئاب بأنه: شعور بالعجز الناشئ عن الاعتقاد بفقدان السيطرة على الموقف. وينشأ هذا العجز عندما يدرك الفرد أنه غير قادر على تجنب حدث غير ملائم، أو لا يستطيع تحقيق نتيجة مرغوب فيها بجهوده أو بجهود الآخرين، فيعتقد الفرد أن كل أفعاله وأفكاره غير مجدية.

أسباب الاكتئاب

أما عن أسباب الاكتئاب فيمكن حصرها في:

  • التعرض لخبرة شعورية مؤلمة، مثل: وفاة شخص مقرب، فقدان شيء مهم، الفشل في علاقة، أحداث مأساوية مثل الحروب والكوارث الطبيعية، كوارث مادية.
  • عوامل جينية: بعض الناس لديهم استعداد جيني للإصابة بالاكتئاب عن غيرهم.
  • عوامل تربوية: هناك بعض الأشخاص يصابون بالاكتئاب نتيجة الطريقة الخاطئة التي تربوا عليها، التي زرعت في أنفسهم رسائل نفسية سلبية.
  • عوامل متعلقة بالعامل الجنسي، مثل: اكتئاب ما بعد الولادة واكتئاب سن اليأس عند النساء.

ما الفرق بين الاكتئاب والحزن

الاكتئاب بالنسبة لغالبية الناس استجابة شعورية لتجربة مؤلمة أو صادمة، لكن الأمر ليس بهذا الوضوح، فالشعور بالحزن عندما ينتهي بزوال السبب ويعود الفرد لطبيعته، يكون بذلك حزنًا عاديًا/ استجابيًا، ولا يُنظر له على أنه اكتئاب إلا إذا استمر لفترة طويلة، تُقدر بأسبوعين أو أكثر بحسب الدليل التشخيصي الأمريكي.

أما الاكتئاب المرضي/ الإكلينيكي، فيتميز بأربع مميزات:

  • أكثر حدة.
  • يستمر لفتراتٍ طويلة.
  • يعوق الفرد بدرجة جوهرية عن أداء أنشطته وواجباته المعتادة.
  • أسبابه قد لا تكون واضحة أو مرتبطة بحدث معين مثل الحزن الاستجابي.

وبحسب كتاب “المشورة النفسية”، يتميز الاكتئاب الإكلينيكي عن الحزن العادي:

  • بأن الاكتئاب يحدث دون وجود أسباب خارجية واضحة.
  • المزاج المضطرب ومشاعر الحزن واليأس تكون أكثر حدة ولفتراتٍ طويلة.
  • قد يمتزج بخليط من المشاعر الأخرى، مثل: القلق، التوجس، الخوف من المستقبل، التهديد.
  • يصبح المكتئب أكثر اعتمادية وسلبيًا كثير الشكوى.
  • يتفنن المكتئب في اكتشاف أخطائه وإعلان جوانب ضعفه وسلبياته.
  • الرغبة في البقاء وحيدًا واعتزال الناس.
  • أوهام وتخيلات وهلاوس في حالات الاكتئاب الذهاني.
  • ميول انتحارية في حالات الاكتئاب الحاد.
علامات الاكتئاب
علامات الاكتئاب

علامات الاكتئاب

تختلف علامات الاكتئاب باختلاف نوع الاكتئاب، بالإضافة إلى اختلافات حسب الجنس، فالنساء أكثر عُرضة للإصابة بالاكتئاب من الرجال، واختلافات حسب المرحلة العمرية، فعلامات الاكتئاب عند الأطفال قد تختلف قليلاً عن العلامات عند المراهقين وعن العلامات عند الكبار.

الدليل الأمريكي في إصداره الرابع لتشخيص الاضطرابات النفسية حدد علامات الاكتئاب كالتالي:

  • الميل للشعور بالحزن الشديد.
  • فقدان الاهتمام والاستمتاع بالحياة.
  • اضطرابات الطعام: زيادة الشهية أو نقص الشهية وما يترتب على ذلك من زيادة أو نقص في الوزن.
  • اضطرابات النوم: أرق، نوم متقطع، قلة النوم، الإفراط في النوم.
  • تأخر نفسي حركي.
  • فقدان الطاقة والإنهاك.
  • الشعور بالرداءة وعدم الجدارة والذنب ولوم الذات.
  • نقص التركيز والخبرة والإدراك.
  • القلق والخوف من المستقبل.
  • الشعور بالخوف والتهديد.
  • التفكير في الموت، وفي حالات الاكتئاب الحاد قد يصل الأمر إلى الإقدام على الانتحار.

بينما يقوم علماء النفس بتقسيم علامات الاكتئاب إلى 4 فئات، هي:

  • علامات وجدانية: وتظهر في مشاعر الحزن وغياب مشاعر الرضا والسعادة.
  • علامات معرفية: تتمثل في النظرة السلبية نحو الذات والعالم والمستقبل.
  • علامات متعلقة بالدافعية: وتظهر في السلبية وانخفاض مستوى النشاط العام، صعوبة اتخاذ القرار، بطء في المهارات النفسية الحركية، ميول انتحارية.
  • علامات جسمانية: اضطرابات النوم، اضطرابات الشهية، فقدان الرغبة الجنسية.

علامات الاكتئاب عند المرأة

تشير الدراسات التي أجريت في السنوات الثلاثين الأخيرة، أن النساء أكثر عُرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية بشكلٍ عام، واضطراب الاكتئاب بشكلٍ خاص عن الرجال، بما يُعادل الضعف، بل إن بعض الدراسات أشارت أن النسبة قد ترتفع لتصبح ثلثين للنساء مقابل ثلث للرجال. ويرى الدارسون أن الأمر لا يتعلق بالعامل الجنسي -كون الشخص ذكرًا أو أنثى- فحسب، وإنما الضغوط النفسية والاجتماعية التي تقع على فئة دون أخرى، والإحباطات المرتبطة بالنمو الاجتماعي والرغبة في تحقيق الذات.

وبالقياس على المجتمعات العربية، نجد أن هناك فجوة بين الجنسين، يظهر ذلك في:

  • تحمل المرأة مسؤوليات الأسرة والرعاية أكثر بكثير من الرجال، يُضاف إليها أعباء الرغبة في الكسب المادي أو تحقيق الذات في حال النساء العاملات.
  • العنف واضطرابات ما بعد الصدمة، كونها الحلقة الأضعف في المجتمع، حيث تعاني من العنف القائم على نوع الجنس وتبعاته المادية والنفسية.
  • قلة فرص العمل وفجوة الأجور بين الجنسين.
  • الضغوط الاجتماعية الممارسة على النساء.

كل ما سبق يجعل المرأة أكثر عرضة للاكتئاب من الرجل، فتعاني من علامات الاكتئاب التي ذُكرت سابقًا، يُضاف إليها معاناة من أنواع أخرى من الاكتئاب:

أنواع اكتئاب خاصة بالنساء

اكتئاب ما بعد الولادة

يحفز ميلاد الطفل مشاعر قوية من الإثارة والمرح إلى الخوف والقلق، ويشمل هذا الاكتئاب علامات: تقلُّبات حادة في المزاج، نوبات من البكاء والقلق، اضطرابات النوم، اضطراب الشهية، صعوبة التعلق بالطفل، الميل إلى العزلة، الشعور بالخزي، أفكار إيذاء النفس أو الطفل، أفكار الموت والانتحار.

ذهان ما بعد الولادة

حالة طبية نادرة تظهر عادةً في الأسبوع الأول بعد الولادة، تتميز بعلاماتٍ حادة، هي: وساوس بشأن الطفل، هلاوس وضلالات، البارانويا، الهياج العصبي، محاولات إيذاء النفس أو الطفل.

اكتئاب سن اليأس

تُصاب بعض النساء عند وصولهن لمرحلة سن اليأس، أي انقطاع الطمث ونهاية سنوات الإنجاب، باضطراب الاكتئاب، ومن علاماته: تقلب الحالة المزاجية، العصبية والغضب، اضطرابات النوم، اضطرابات الشهية، فقدان الرغبة الجنسية.

علامات الاكتئاب عند الأطفال

بحسب منظمة الصحة العالمية فإن الطفولة هي المرحلة العمرية التي تتراوح ما بين لحظة الولادة وحتى 9 سنوات، وخلالها قد يُصاب الطفل بعددٍ من الاضطرابات النفسية نتيجة عوامل بيئية أو جينية أو تربوية، ومن هذه الاضطرابات، اضطراب الاكتئاب، وهو حالة نفسية سلبية مصحوبة بانخفاض احترام الذات وفقدان المتعة أو فتور الهمة، تحدث كرد فعل لحدث معين في حياة الطفل أو كعرض جانبي لأحد الأدوية أو عرض لأحد الأمراض التي تصيب الأطفال.

من علامات الاكتئاب عند الأطفال، والتي لا يجب تجاهلها على الإطلاق بحسب موقع “Web MD”:

  • الهياج والغضب.
  • مشاعر مستمرة من الحزن واليأس.
  • العزلة والانسحاب الاجتماعي.
  • زيادة الحساسية تجاه الرفض.
  • اضطرابات الشهية.
  • اضطرابات النوم.
  • نوبات بكاء أو صراخ.
  • صعوبات في التركيز.
  • انخفاض الطاقة والانهاك.
  • الشكاوى الجسدية (مثل آلام المعدة والصداع) التي لا تستجيب للعلاج.
  • انخفاض القدرة على العمل خلال الأحداث والأنشطة في المنزل أو مع الأصدقاء، في المدرسة، والأنشطة اللا منهجية، وفي الهوايات أو الاهتمامات الأخرى.
  • الشعور بالذنب وانعدام القيمة.
  • الضعف وسرعة التأثر.
  • التفكير في الموت وميول انتحارية.

علامات الاكتئاب عند المراهقين

نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرًا عن اكتئاب المراهقين بتاريخ 28 سبتمبر 2020، جاء فيه أن مرحلة المراهقة تمتد بين الأفراد من عمر 10-19 عامًا، وهي مرحلة فريدة وتكوينية، مرتبطة بتغيرات بدنية وعاطفية واجتماعية متعددة. ويشير التقرير إلى أن اعتلالات الصحة النفسية تمثل 16% من العبء العالمي للأمراض والإصابات بين الأشخاص، الذين تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات و19 سنة، حيث تبدأ نصف اعتلالات الصحة النفسية في الظهور عند سن 14 سنة، ولكن معظم هذه الحالات غير مكتشفة وغير معالجة.

ويضيف التقرير، أن الاكتئاب يُعد رابع الأسباب الرئيسية المؤدية إلى المرض والعجز في صفوف المراهقين، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 سنة، والسبب الرئيسي الخامس عشر بالنسبة للمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات و14 سنة. ويشكل القلق تاسع الأسباب الرئيسية المؤدية إلى المرض والعجز في صفوف المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 سنة، وسادس الأسباب الرئيسية بالنسبة للمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات و14 سنة. ومن علاماته ما يلي:

  • الاضطرابات العاطفية: نوبات حزن/ بكاء/ غضب، الشعور باليأس والفراغ، الشعور بانعدام القيمة، الشعور الذنب، الحساسية الشديدة للرفض، تراجع الثقة بالنفس.
  • الاضطرابات السلوكية: صعوبة الانتباه والنشاط المفرط والتصرف دون مراعاة العواقب.
  • اضطرابات الشهية: فقدان أو زيادة الشهية، وتصيب الإناث بصورة أكبر من الذكور.
  • اضطرابات النوم: الأرق، النوم المتقطع، قلة النوم، أو الإفراط في النوم.
  • اضطرابات جسدية: كثرة الشكوى من آلام الجسم غير المبرَّرة والصداع، التهيُّج أو عدم القدرة على الاسترخاء.
  • الذهان: تظهر عادة في أواخر مرحلة المراهقة أو في بداية مرحلة البلوغ، وتشمل هلاوس وضلالات.
  • سلوكيات المجازفة: تعاطي المخدرات أو إدمان الكحول أو السلوكيات الجنسية المحفوفة بالمخاطر.
  • الانتحار وإيذاء النفس: حيث يعد الانتحار ثالث سبب للوفاة عند الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عامًا.

الاكتئاب ليس مرضًا ولا وصمة عار

يرى د. نبيل القط أن الناس تخشى الطب النفسي خوفًا من الوصم بأنهم مرضى نفسيين، وهو أمر عارٍ عن الصحة من الناحية العلمية، فليس هناك مرض نفسي، وإنما اضطراب نفسي، والفرق ما بين المصطلحين كبير. فالاضطرابات النفسية ظهرت مع الإنسان الحديث، نتيجة التحول من الحياة التقليدية البسيطة إلى الحياة الحديثة، التي فرضت على الإنسان شروطًا وأشكالاً للحياة لم تكن موجودة سابقًا، ما اضطر البعض للتكيف مع الحياة الحديثة، بينما البعض الآخر لم ينجح في التكيف، ومن هنا ظهر الاضطراب النفسي.

الاكتئاب أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا، وبحسب رؤية د. نبيل القط، فإنه شكل من أشكال عدم التكيف مع متطلبات العصر الحديث، حيث يعاني الإنسان من ضغوطٍ شتى، والحياة فيه أشبه بماراثون طويل، قد يضطر الإنسان أن يتوقف عند نقطة معينة منهكًا محتاجًا لشحن الطاقة من جديد. لا عيب مطلقًا في التوجه لطبيبٍ أو أخصائي أو مشير نفسي ليكون محطة التقاط الأنفاس وشحن الطاقة ومعرفة سبب الإنهاك وعلاجه، فكما يمرض الجسد ويحتاج للعلاج أو الدواء، تمرض الروح وتحتاج لهما أيضًا.

المقالة السابقةكيف تلتئم: محاولة إيمان مرسال لمواجهة أشباح الأمومة
المقالة القادمةرسالة إلى ابنتي ورد

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا