لماذا نكره أجسادنا: كيف تحددين المشكلة وكيف تواجهينها؟

1284

54% من السيدات لديهن صورة سيئة عن أنفسهن ويكرهن أجسادهن، كما أثبتت دراسات على عينات من السيدات في أعمار مختلفة عبر العالم. ووفق الطبيبة النفسية البريطانية شارلوت ماركي، أصبح جمال المرأة له مقايس محددة و علامات الجمال تحددها الميديا ونظرة المجتمع، وهكذا تجد السيدات أنفسهن دائمًا في صراع نفسي ليرين أنفسهن جميلات.

ليس هذا فقط، فقد فرّق الطب النفسي بين كراهية المرأة لجسدها وعدم رؤيتها علامات الجمال به، وبين شعورها بالعار من هذا الجسد، فهذه درجة أعلى تذهب إليها الكثير من النساء في كراهية أجسادهن، أن تتحول أجسامهن لعار يشعرن بالخجل منه، وذلك يحدث بسبب تاريخ طويل من التنمر، التحرش، العنف الجسدي، العنف الجنسي عانين منه النساء على مر العصور.

معنى كراهية الجسد

عندما تقارن بين قطعتين من ملابسها وتحجم عن ارتداء قطعة ملابس تحبها فقط لأنها ستظهرها بدينة فهي علامة على كراهية جسدها.

هناك الكثيرات قد يعتقدن أنهن لا يكرهن أجسادهن، أو يستغربن المصطلح متسائلات: هل يكره الشخص جسده؟! والواقع أن كراهية الجسد وعدم رؤية علامات الجمال به تكاد لا تخلو منه امرأة في وقت ما من حياتها، وله العديد من العلامات لتعرف المرأة هل تكره جسدها:

1. الاعتماد على شكل الجسد في الشعور بالسعادة

عندما تشعر المرأة أنها ستكون أكثر سعادة حين تفقد بعد الكيلوجرامات فهي في هذه اللحظة تكره جسدها. والعكس صحيح في اعتماد ساعدتها على زيادة بعض الوزن.

2. التوقف عن ارتداء ما تحبين

عندما تقارن بين قطعتين من ملابسها وتحجم عن ارتداء قطعة ملابس تحبها فقط لأنها ستظهرها بدينة فهي علامة على كراهية جسدها.

3. الشعور بالتعاسة من مشكلات الجسد الطبيعية

عندما تنظر سيدة لعلامات الحمل في جسدها أو ترهل الجلد بعد عملية جراحية أو بسبب علاج أو سن وتشعر بالتعاسة، فهذا من كراهية ما هو طبيعي في أجسادنا.

4. التفكير في عمليات التجميل والاعتقاد بكونها قبيحة

عندما تشرد بمخيلتها لتفكر في أي جزء من جسدها كانت ستحب إجراء عملية تجميل لإصلاحه –رغم عدم وجود تشوه أو عيب خلقي به- أو أنها قبيحة الشكل وتحتاج لتعديلات لتصبح أكثر جمالاً، فهذا عدم حب للجسد.

5. الشعور بالعار من فسيولوجية جسدها

بل ستتعجب الكثير من السيدات عند اكتشاف أن خجلهن من الحديث عن فسيولوجية أجسادهن مثل الدورة الشهرية أو آلام الأعضاء التناسلية، أو عدوى في الجهاز البولي تسبب لها ألمًا، أو حتى ألم أثناء الجماع بعد الولادة.

6. الاعتقاد أن جمال المرأة عورة

عندما تشعر بالعار من إظهار جسدها حتى في منزلها وهي وحيدة أو بين أفراد أسرتها، خوفًا من عيوبه، فهي قد صعدت درجة أكثر قوة في كراهية جسدها.

7. الخجل من اكتشاف ذاتها

عندما تشعر المرأة بأن معرفة تفاصيل جسدها، شكله، استكشافه، هو نوع من الإباحية والدنس فهي وصلت لذروة كراهية الجسد.

8. لوم الذات عند التعرض للتنمر أو التحرش

عندما تصدق أن المشكلة في جسدها وكونها تتعرض للتحرش والتنمر هو بسببه، فهذا التعبير الأمثل عن فكرة كراهية الجسد التي تبلورت لتتحول لانطباع ذاتي سيئ ومتدنٍ عن الذات.

لذا أي سيدة خلال عمرها قد شعرت ببعض هذه المشاعر أو كلها وتغافلت عن رؤية علامات الجمال أو معرفة أن جمال المرأة ينبع أولاً من اعتقادها بكونها جميلة ومن عدم خجلها من جسدها وثقتها بذاتها، فهي تعاني بالفعل من درجة من درجات كراهية الجسد، تزيد أو تقل وفق اجتماع أو انفراد العوامل السابقة.


الطفولة المشوهة: كيف تبدأ كراهية الجسد؟

الأطفال ليسوا بمعزل عن الشعور بكراهية الجسد والعار منه، وعدم رؤيتهم للكثير من علامات الجمال في انفسهن، ولا معرفة أن جمال المرأة يبدأ من الثقة. لذا فدور الأهل (الأم والأب معًا) هو تعزيز ثقة فتياتهم بالنفس، وأن يجعلوهن يحببن أجسادهن

قد يعتقد البعض أن كراهية الجسد والشعور بالعار تجاهه هو سلوك لدى المرأة الناضجة فقط، ولكن هذا السلوك يبدأ من الطفولة، لو نظرنا لبعض الحقائق الإحصائية سنجد أن:

وفقًا للجمعية الوطنية لاضطرابات الأكل، هناك 42% من فتيات الصف الأول إلى الصف الثالث الابتدائي يرغبن في إنقاص الوزن، و81% من الفتيات في سن العاشرة يخفن من السمنة، مع كثرة تعليقات الأهل وإرعابهن من أن يزيد وزنهن.

– وجد أن نحو ثلثي الفتيات في الصفوف من الخامس إلى الثاني عشر اعترفن أن صور المجلات تؤثر على رؤيتهن لجسم مثالي، وقالت نحو نصف الفتيات إن الصور جعلتهن يرغبن في إنقاص وزنهن.

– وفقًا لمجلة Teen التي تختص بشؤون المراهقين في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن 35% من الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 6 و12 عامًا يتبعن نظامًا غذائيًا واحدًا على الأقل، وأنه من 50 إلى 70% من الفتيات ذوات الوزن الطبيعي يعتقدن أن وزنهن زائد وفي حاجة لإنقاصه ليصلن إلى الصورة المثالية عن الجمال.

مع هذه العلامات نجد أن الأطفال ليسوا بمعزل عن الشعور بكراهية الجسد والعار منه، وعدم رؤيتهم للكثير من علامات الجمال في انفسهن، ولا معرفة أن جمال المرأة يبدأ من الثقة. لذا فدور الأهل (الأم والأب معًا) هو تعزيز ثقة فتياتهم بالنفس، وأن يجعلوهن يحببن أجسادهن عن طريق فعل/ الامتناع عن فعل عدد من الأمور التي يقوم بها الأهل، وقد لا يعتقدون أنها تترك أثرًا حقيقيًا في نفسية أطفالهم.

لماذا نكره أجسادنا؟

1. تعليق الأهل على وزن الطفل

يعتقد كثير من الأهل أن التعليق على وزن طفلهم نوع من الحب والرغبة في أن يعيش حياة صحية، وأن تأنيبه أو الإشارة لكونه يعاني زيادة الوزن، سيئ المظهر، لن تلائمه ملابسه، المقارنة بينه وبين إخوته وأصدقائه من أصحاب الوزن المثالي.. كل هذه الأمور يفعلها الأهل بدافع الحب ولكنها تؤدي إلى نتيجة عكسية في نصائح إرشادية للأهل. يوضح بحث عن دور الأهل في الصورة الذهنية لأطفالهم أن طريقة العرض تفرق كثيرًا، فبدلاً من إخبار الطفل بأنه زائد الوزن ويجب أن يتبع حمية، يتم عرض الأمر كمقترح أسري مثل “نحن نعاني من وزن زائد ونحتاج لحمية وممارسة التمارين الرياضية”.

2. قبول تنمر الآخرين على الأطفال

في نورث داكوتا أثناء احتفالات الهالوين، يقوم الأطفال بالمرور على المنازل في الغرب للحصول على الحلوى، قررت سيدة أن تمارس دور اعتبرته تربويًا، فقامت بدل الحلوى بكتابة ملاحظات على الوزن لبعض الأطفال وأهاليهم، وعندما يأتي طفل زائد الوزن لطلب الحلوى تعطيه ورقه تخبره “يجب ألا تتناول الحلوى لأن وزنك زائد”، وتعطي والده/ والدته ورقة أخرى مكتوب بها ” طفلك مصاب بسمنة متوسطة ويجب ألا يتناول السكريات وأن تعالجه، وعليك القيام بدورك كوالد ولا تسمح لطفلك بالاستمرار في هذه العادات الغذائية غير الصحية”. الكارثة لم تكن فقط فيما فعلته السيدة من إيذاء لنفسية هؤلاء الأطفال، بل في رد فعل الأبوين اللذين شعرا بالخجل في أغلب الحالات، ليصمتا عن إساءتها، أو يمنعا أطفالهما من استكمال جولتهم وحرمانهم من المتعة خجلاً مما اتهمتهم به هذه السيدة. لقد توقف الأهل عن الدفاع عن أطفالهم في هذه اللحظة بل بعضهم شارك في العنف الجسدي والنفسي.

قد تكون هذه الصورة الأكثر تطرفًا ولكن، كم من الأهل يتركون فردًا من العائلة يصدم الصغيرة بأنها أصبحت زائدة الوزن، ويجب أن تنحف لتصبح جميلة؟ هذا التعليق لا يوجد طفل ذو وزن زائد لم يسمعه. ومن هنا تبدأ صورته الذهنية السيئة عن نفسه ويقفد ثقته بذاته، لذا من واجب الأهل ليس فقط لوم أبنائهم على طبيعة أجسادهم، بل منع الآخرين والوقوف في وجه كل من يحاول إفقاد الطفل ثقته بذاته.

3. الجسد عورة لا تتلفظي اسمه

منذ الصغر يبدأ الأهل في تعليم الفتيات أن يتكلمن بلغة سرية وإطلاق أسماء كودية عن أجسادهن، فهذا العضو ندعوه Apple وليس ثديًا، وتلك المنطقة نسميها “سيكو سيكو” وهكذا تكتشف الفتاة أن مجرد نطق اسم منطقة من جسدها هو تابو محرم، وأنها إن فعلت فسيكون مصيرها العقاب والازدراء.

4. الدورة الشهرية سر خطير

تنمو الفتاة قليلاً لتحدث لها تغيرات فسيولوجية طبيعية، حيث تبدأ الدورة الشهرية ويظهر عليها علامات الجمال ، وهنا ترفع المتاريس ويبدأ اعتبار الأمر سرًا حربيًا:

  • لا تنطقي اسم الدورة الشهرية ، تسمى “البتاعة، المسائل” في البيئات الشعبية قليلاً يقولون “العادة”، “ظهري”، وفي الطبقة المتوسطة والبيئات العليا ينطقونها بالإنجليزية period. من الصعب ان تجدي فتاة تقول “الدورة الشهرية” أو “الحيض” وإلا اتهمت بالبجاحة وعدم الخجل.
  • لا تشتري الفوط الصحية من الصيدلية، يفضل السوبر ماركت لتتوه بين الطلبات، وقد تعلم البائع أن يداري هذا “العار” بلفه في ورق جرائد ثم وضعه وحيدًا في كيس أسود لإخفائه.
  • إياكِ والشكوى من آلام الدورة الشهرية أمام أبيك أو إخوتك، بل اظهري كأنك كائن فضائي لا تسير فسيولوجية جسدها مثل جميع نساء الأرض ولا تأتيك الدورة الشهرية من الأساس.
  • في رمضان فإن البنت لا تفطر أبدًا أمام أسرتها أو أبيها أو أخيها، ولا يجب أن يكتشفوا كونها فتاة وتحيض، تخفي كأنك عار وتعانين من فعل فاضح لا يجب أن يظهر.

هذه القواعد الصارمة تكون المعول الأول في شعور الفتيات أنهن عار وأن أجسادهن تؤدي بهن للتعنيف ويجب مدارتها وكراهيتها.

قد تظن أن هذه الصورة عن جسد وجمال المرأة مقتصرة على الشرق فقط، ولكن إن كانت مبالغ بها هنا فإنه حتى الغرب يعاني من الأمر نفسه، ففي واقعة شهيرة قام التليفزيون الأسترالي بعرض إعلان عن الفوط الصحية وللمرة الأولى بدّل لون السائل فوق الفوطة الصحية من الأزرق الاعتيادي في هذا النوع من الإعلانات إلى الأحمر الطبيعي للون الدماء، وقد قوبل هذا الأمر باعتراض حاد، وتم إرسال أكثر من 600 شكوى للقناة بعدم ملائمة ذلك، على الرغم من كون الفيلم الذي عرض الإعلان الترويجي في منتصفه كان فيلم أكشن عنيف مليء بالدماء، ولكنها دماء مقبولة ولا تمثل خجلاً في رأي الكثيرين.


العنف ضد المرأة أهم عوامل كراهية الجسد

عندما يصبح الجسد وسيلة للتعذيب يجب أن تكرهه، لذا فإن الكثير من السيدات كرهن أجسادهن لكونها كانت مصدر اللوم الأساسي لهن في الحياة.

الجسد أداة للتعذيب: الآثار النفسية بعد التحرش

كم من الفتيات والسيدات يعانين من ظاهرة التحرش! وهكذا يصبح الجسد أداة للاحتقار والاستغلال والتعذيب من قبل الرجل، ليس هذا فقط بل عندما تواجه البنت المتحرش أو تقاوم أو تفضح أفعاله، يواجهها المجتمع بل في كثير من الأحيان أسرتها ذاتها باللوم واعتبار أنها المسؤولة عن هذا بسبب جسدها، ملابسها، سلوكها.

التنمر: لا مكان للمختلف

يتم تكريس فكرة التنمر على جمال المرأة ورفض أي علامات الجمال التي تظهر عليها عبر الأسرة والمجتمع والميديا بشكل طبيعي، فالأفلام والإعلانات والبرامج، يسخرن من زائدات الوزن، يصورن أن سمار البشرة يحتاج لعلاج تبييض البشرة، يصدرن أن الشعر الكيرلي عار و”منكوش” ويجب أن تكوني ذات شعر أملس جميل. هكذا تعاني المختلفات من التنمر طيلة الوقت، يقال لهن إن أجسادهن سيئة وإنهن أقل من الأخريات حتى يكرهن أجسادهن ويصدقن ذلك، فلا ترى أي سيدة جمال المرأة ولا علامات الجمال إلا فيما يصدره المجتمع كونه جميلاً.

العنف الأسري والتحكم

أغلب الفتيات عانين من التحكم الأسري في حتى مرحلة الطفولة البريئة، بدعوى الأخلاق والتدين، فلا ترتدي الفتاة ملابس مبهجة أو تتلاءم مع طفولتها، ولا تظهر علامات الجمال حيث جمال المرأة خطيئة، وما أن تبدأ في ظهور ملامح أنثوية ضئيلة عليها يتم منعها من الرياضة ومن ركوب دراجتها مُصدِّرِين أن اهتزاز جسدها –الذي لم يبلغ من الأساس- عورة يجب مدارتها، وإن رفضت في كثير من الأحيان تعاني من العنف الجسدي لإخضاعها، مع المزيد من البلوغ تكتشف الفتاة درجة أخرى من العنف الجنسي وهي الختان، والحجة الجاهزة هي الحفاظ على أخلاق الفتاة.


كيف أحب نفسي: ابدئي بجسدك

هذا هو السؤال الأهم إن كنا قد اكتشفنا في رحلتنا أننا نكره أجسادنا، فكيف نصل لمرحلة أن نحبه. مرة أخرى نعود للطبيبة النفسية شارلوت ماركي التي تقول:

– يجب إفهام الفتيات منذ البداية أن هناك أطيافًا كثيرة لما هو طبيعي وجميل، فالجمال ليس شكلاً واحدًا على الجميع اتباعه، فالنحيلة جميلة والممتلئة جميلة والقصيرة جميلة والطويلة جميلة.

– منذ الصغر يجب تعويد الفتيات أن ما يرونه في التلفاز والمجلات ووسائل الميديا غير حقيقي، وأن فتيات الغلاف لسن هكذا في الحقيقة، وأن التأثر بالميديا مضر نفسيًا وجسديًا.

– استكشاف الجسد ليس إباحية. ترى شارلوت أن على الأمهات مساعدة بناتهن في اكتشاف أجسادهن ومعرفة أعضائهن الخاصة وأسمائها الحقيقية، وبناء ثقة بين الفتاة وجسدها، وأنه أمر طبيعي لا خجل منه، وحتى من تغافل أهلهن عن ذلك في الطفولة عليهن البدء الآن بالوقوف أمام المرأة والبدء في اكتشاف أخص أجزاء جسدهن، لتعتدن عليه ولا يصبح غريبًا معاديًا.

– الجئي للطبيب النفسي إن وجدت صعوبة في القيام بذلك بنفسك. في دراسة أجريت في أستراليا وجد أن 55% من السيدات يحجمن عن الكشف الدوري عن سرطان عنق الرحم نتيجة الشعور بالعار من أجسادهن، إما بالخجل من التعرض للكشف، وإما الخجل من عدم استعدادهن له من عدم حلق العانة أو تجهيز الذات، فيتم تأجيل الفحص تباعًا. لذا فإن الطب النفسي سيقدم لكِ التمارين والوسائل الفعالة لتعيدي علاقتك مع جسدك وتحبينه مرة أخرى.

في النهاية فإن جمال المرأة يبدأ من ثقتها بذاتها ومعرفتها أن علامات الجمال تكمن داخلها، وأن تقاوم الصورة الذهنية المسيئة التي يقدمها التحرش والتنمر والعنف الجسدي والعنف الجنسي والتي تجعل الفتاة ترى أن جسدها لم يجلب لها سوى الألم واللوم والعنف، فتكرهه، وتكره ذاتها معه.

المقالة السابقةالروح هى الجسد والجسد هو الروح
المقالة القادمةi’m thinking of ending things: أين نذهب إن خذلنا الخيال

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا