يمكن للتأمل أن يزيل إنهاك اليوم وأن يُحضر معه السلام الداخلي. اقرأ المقالة لمعرفة كيف يمكنك أن تتعلم بسهولة ممارسة التأمل وقتما احتجته.
بقلم: طاقم العمل في مؤسسة مايو كلينك
ترجمة: رزان محمود
إذا جعلك الإنهاك قلقًا ومتوترًا ومهمومًا، فكّر في تجربة التأمل. يمكنك بقضاء عدة دقائق في التأمل أن تستعيد هدوءك وسلامك الداخلي.
يمكن لأي شخص ممارسته، فهو بسيط وغير مكلّف ماديًا، كما أنه لا يتطلب أي معدّات خاصة.
وتستطيع أيضًا ممارسة التأمل أينما أصبحت، سواءً أكنت تتمشى أو تركب الحافلة أو تنتظر في عيادة الطبيب أو حتى وسط اجتماع عمل صعب.
منافع التأمل
يعطيك التأمل إحساسًا بالهدوء والسلام والتوازن، الأمر الذي يرفع من العافية العاطفية ومن الصحة العامة.
كما أن هذه المنافع لا تنتهي بانتهائك من جلسة التأمل، بل إنه يساعد على تمضيتك بقية اليوم بهدوء، وبمقدوره تحسين بعض الحالات الطبية.
ولا يعتبر بديلاً عن العلاج الطبي المعروف، لكنه يمكن أن يشكّل إضافة ناجعة للعلاج الذي تتبعه.
أنواع التأمل
إن كلمة “التأمل” مصطلح شامل للعديد من أساليب الاسترخاء، فهناك الكثير من تلك الأساليب التي تحتوي على مكوّنات تأملية. وتشترك جميعها في نفس الهدف، أي الوصول لحالة من السلام الداخلي.
تشمل طرق التأمل التالي:
– التخيّل الموجّه: في بعض الأحيان يُطلق عليه التخيّل أو التصوّر الموجّه. وفي هذه الحالة من التأمل تشكّل صورًا عقلية لأماكن أو مواقف تعتبرها باعثة على الاسترخاء.
تحاول في هذه الحالة تنشيط أكبر قدر ممكن من الحواس، مثل الروائح والمناظر والأصوات والملموسات. يمكن أن يوجّهك في هذه الحالة مرشد أو معلّم.
– تأمل الرُقية: في هذا النوع تردد بلا صوت كلمة مهدئة أو فكرة أو عبارة، لمنع الأفكار المشوِّشة.
– تأمل يقظة الذهن: يرتكز هذا النوع على أن تصبح منتبهًا للحظة الحالية، أو أن يزيد وعيك وتقبلّك للحياة في اللحظة الحالية.
في تأمل يقظة الذهن، تعمل على توسيع إدراكك الواعي. وفيه، تركّز على ما تشعر به أثناء التأمل، مثل تدفق تنفسّك. يمكنك ملاحظة أفكارك ومشاعرك، لكن عليك أن تدعها تمرّ دون إصدار الأحكام عليها.
– تشي جونج: يمزج هذا الأسلوب عمومًا بين التأمل والاسترخاء والحركات الجسدية وتمارين التنفس، لأجل استعادة التوازن والمحافظة عليه. ويعتبر جزءًا من الطب الصيني التقليدي.
– تاي تشي: وهذا يعتبر شكلاً من الفنون العسكرية الصينية الخفيفة. وفيه تمثّل سلسلة من الأوضاع أو الحركات بإيقاعك الخاص، في أسلوب بطيء ورؤوف، وذلك أثناء ممارسة التنفس العميق.
– التأمل المتسامي: وهو تقنية بسيطة وطبيعية. وفيه تردد صمتًا رُقية مصممة لك شخصيًا، مثل كلمة أو صوت أو عبارة، وذلك بطريقة خاصة. يتيح هذا النوع من التأمل لجسدك أن يغرق في حالة من الراحة العميقة والاسترخاء، ويسمح لعقلك أن يصل لحالة من السلام الداخلي، دون اللجوء للتركيز أو بذل مجهود.
– اليوجا: وفيها تمارس سلسلة من تدريبات الأوضاع والتحكم في التنفس لتعزيز الحصول على جسد أكثر مرونة وعقل أهدأ. من المستحسن أن تقلل انتباهك على يومك المشحون بالمشاغل، وأن تركّز أكثر على اللحظة الحالية، وذلك أثناء تنقلك خلال الأوضاع التي تتطلب توازنًا وتركيزًا.
عناصر التأمل
تشمل الأنواع المتعددة من التأمل مختلف الخصائص التي تساعدك على ممارسته. وهي تتنوع استنادًا إلى مَن تتبع إرشاداته أو مَن يدرّس المادة العلمية. تشمل بعض أكثر الأنواع انتشارًا خصائص مثل:
– التركيز المكثف: يعتبر تركيز انتباهك عمومًا أحد أهمّ العناصر المؤسسة للتأمل.
إن تكثيف انتباهك هو ما يساعدك على تحرير عقلك من الكثير من المشتتات التي تسبب لك الإنهاك والهمّ. يمكنك أن تركّز انتباهك على أشياء مثل صورة معيّنة أو رُقية أو شيء محدد أو حتى على تنفسّك.
– التنفس المسترخي: تشمل هذه التقنية التنفس العميق المتساوي في مُدده، مع توظيف عضلة الحجاب الحاجز لتوسيع رئتيك. ويهدف إلى إبطاء تنفسك والحصول على أكسجين أكثر، والتقليل من الاعتماد على الكتفين والرقبة وعضلات أعلى الصدر حين الشهيق والزفير، وبذلك تزيد من كفاءة تنفسّك.
– الجلوس الهادئ: إذا كنت مبتدئًا في التأمل فإن ممارسته ستصبح أسهل إذا كنت في بقعة هادئة تقلّ فيها المشتتات، بما في ذلك منع التلفزيون والراديو والهاتف المحمول.
وكلما أصبحت أكثر كفاءة في التأمل، تستطيع ممارسته في أي مكان، خصوصًا في المواقف عالية الإنهاك حيث تزيد استفادتك منه، مثل أثناء الازدحام المروري أو اجتماع عمل مجهد أو وقوفك في طابور طويل للدفع في محل البقالة.
– وضع مريح: يمكنك ممارسة التأمل سواءً كنت جالسًا أو مستلقيًا أو ماشيًا أو في أي أوضاع وأنشطة أخرى. فقط حاول أن تصبح مرتاحًا من أجل الاستفادة القصوى من تأملّك.
أساليب يومية لممارسة التأمل
لا تدع فكرة ممارسة التأمل ممارسة “صحيحة” تزيد من الضغط العصبي الواقع عليك. فإذا اخترت اتباع التأمل، يمكنك الذهاب لمراكز متخصصة في ممارسة التأمل أو مجموعات تعليمية يقدمها مرشدون مدرّبون. لكن هذا لا يمنع أنك تستطيع ممارسة التأمل بسهولة وحدك.
يمكنك أن تجعل التأمل مرتبطًا بنسق معين أو عشوائيًا، حسب رغبتك، لكن احرص على ملائمته لنمط حياتك والموقف الحالي. فبعض الناس يضعون التأمل داخل روتينهم اليومي، حيث -على سبيل المثال- يمكنهم بداية يومهم وإنهاؤه بساعة من التأمل. لكن كل ما تحتاجه فعلاً بضع دقائق من الوقت المستغلّ جيدًا، في التأمل.
هاك بعض الأساليب التي يمكن ممارسة التأمل بها وحدك، أينما تختار لذلك:
– التنفس العميق: هذه التقنية ملائمة للمبتدئين لأن التنفس وظيفة طبيعية.
كثّف كل انتباهك على التنفس. ركّز على شعورك أثناء الشهيق والزفير من منخارك وسماعك لهذه العملية. تنفسّ بعمق وبطء. وحينما يشرد انتباهك، أعد تركيزك بلطف لتنفسّك.
– امسح جسدك: حين توظف هذه التقنية، كثّف انتباهك على الأجزاء المختلفة من جسدك. زِد من وعيك بالمشاعر المختلفة لجسمك، سواءً كانت تلك الأحاسيس ألمًا أو توترًا أو دفئًا أو استرخاءً.
اجمع بين تمرينات مسح الجسد والتنفس، وتخيّل استنشاق الحرارة أو الاسترخاء داخل الأجزاء المختلفة من جسدك، وخارجها.
– كرِّر رُقية: يمكنك أن تخترع رُقياك الخاصة، سواءً كانت دينية أو دنيوية. تشمل أمثلة الرُقى الدينية، الأدعية من القرآن في الإسلام وصلوات المسيح في المسيحية وتكرار الاسم المقدس للربّ في اليهودية أو رُقى “الأوم” في الهندوسية والبوذية والديانات الشرقية الأخرى.
– تمشّى وتأمل: إن الجمع بين التمشية والتأمل وسيلة فعّالة وصحية للاسترخاء. يمكنك استخدام هذه التقنية في أي مكان تمشي فيه، مثل غابة هادئة أو أرصفة المدينة أو في المجمّع التجاري.
عند اتباعك لهذه الطريقة، ابطئ من سرعة مشيك لأجل التركيز على كل حركة من ساقيك أو قدميك. لا تضع تركيزك على وجهة محددة، بل ركّز على ساقيك وقدميك، مرددًا كلمات محفّزة في ذهنك مثل الرفع والحركة والوضع، أثناء رفعك لكل قدم، حرّك ساقك للأمام ثم ضع قدمك على الأرض.
– انخرط في الدعاء: يعتبر الدعاء أفضل طريقة معروفة وواسعة الانتشار لممارسة التأمل. يمكنك أن تجد أدعية مكتوبة ومنطوقة في معظم التقاليد الإيمانية.
يمكنك الدعاء باستخدام كلماتك الخاصة، أو بقراءة الأدعية التي كتبها الآخرون. ابحث في المكتبات القريبة منك عن أمثلة لكتب الدعاء، أو اسأل الشيخ أو القس أو مرشدك الروحاني عن المصادر الممكنة للحصول على الأدعية.
– اقرأ وتمعّن: يقول الكثير من الناس إنهم استفادوا من قراءة الأشعار أو النصوص المقدسة، واستقطاع بضع لحظات للتفكير في معناها، بهدوء.
يمكنك أيضًا الاستماع للموسيقى الروحانية، أو للكلمات المنطوقة أو أي موسيقى تجدها باعثة على الاسترخاء أو الإلهام. قد تحتاج لكتابة أفكارك في مذكراتك أو لمناقشتها مع صديق أو مرشد روحاني.
– كثّف من حبّك وامتنانك: في هذا النوع من التأمل، تركز انتباهك على شيء أو وجود مقدّس، غازلاً أحاسيس الحب والعطف والامتنان مع أفكارك. يمكنك أيضًا أن تغلق عينيك وتستعمل تخيّلك، أو أن تحدّق فيما يمثّل ذلك الشيء المقدّس.
بناء مهاراتك التأملية
لا تحكم على مهاراتك التأملية لأن هذا لن يفيد سوى بزيادة الضغط العصبي الواقع عليك. تذكّر: التأمل يحتاج للممارسة.
ضع نصب عينيك أنه -على سبيل المثال- من الشائع أن يشرد ذهنك أثناء التأمل، مهما كان طول المدة التي مارست فيها التأمل من قبل. إذا كنت تهدف بهذه الممارسة تهدئة عقلك وشرد انتباهك، أعده ببطء للشيء أو الإحساس أو الحركة التي تركّز عليها.
جرّب أنواعًا كثيرة، ومن المحتمل أن تجد أنواعًا من التأمل تناسبك أفضل، وتلائم ما تستمتع بفِعله. أقلِم التأمل مع احتياجاتك في اللحظة الحالية. تذكّر: لا يوجد طريقة صواب أو خطأ للتأمل. ما يهمّك أكثر أن يساعدك التأمل على التقليل من إنهاكك وأن تشعر بأنك أفضل، شعورًا عامًا.
______