الله الذي أعبده   

75

بقلم: روكسان رأفت

          

العلاقة مع الله تُشكِّل جزءًا أساسيًّا وكبيرًا من حياتنا، وشخصياتنا، واختياراتنا اليومية!

فجملة “شعب مُتديِّن بطبعه” -التي نُوصف بها- حقيقية إلى حد كبير.

فسواء، وعينا بذلك أم لا؛ تُشكِّل رُوحانيَّة كلٍّ منا دورًا هامًّا في النظر للحياة وتذوقها، في القرارات الشخصية بالقيام ببعض السلوكيات دون الأخرى.

 

الفرق بين الرُّوحانيَّة والدين

وأقول رُوحانيَّة لا ديانة؛ لأنهما مختلفتان! .. فبينما تختلف الديانات السماوية بيننا، إلا أن لكل منا طريقة في التعامل والنظر إلى الله سبحانه!

فالرُّوحانيَّة هي: طريقتك الشخصية الفريدة في التعامُل اليوميّ مع الله بالشعائر والطقوس والمُناجاة والقُرب.

وبينما تُشكِّل نظرتُنا للإله الذي نعبده أمرًا جوهريًّا في حياتنا، إلا أننا لا نتعامل معها كباقي أمور حياتنا. أقصد أننا خلال سنين حياتنا تتغير نظرتنا للأشياء، تتغير اختياراتنا، تتغير حتى نظرتنا للموسيقى والفنون؛ إلا أن علاقتنا بالله لا نجرؤ على مراجعتها أو السؤال عنها!

وإذا صادف أيٌّ منَّا هذه الخِبرة سيشعر بالحرج الشديد والخزي للدرجة التي تجعله يتستَّر على هذا الأمر وهذه الأسئلة.

ولا عجب في ذلك، فنحن نتسلم علاقتنا بالله -سبحانه- ضمن ميراثنا الكامل من أهالينا وبيئاتنا ومجتمعاتنا. وقلما نجد شخصًا يُضفي خبراته الشخصية على علاقته بالله حتى تصير خبرة فردية تمامًا، خالية من أي إرث شخصي.

 

أشكال تصوراتنا عن الله

مما أراه من حولي ومن خبرتي الشخصية؛ أننا -في الأغلب- نرى الله في صورتين: إما أنه شخص قوي مسيطر، مخيف، يكره الأسئلة ويحب الالتزام، نقترب منه عن استحياء وبصعوبة. أو لطيف وحنون وبسيط ويغفر ويسامح بلا حساب.

بالطبع هاتان أشهر صورتين يمتلكهما خيالنا عن الله. وهناك العديد من التصورات لدرجة أنني -يومًا ما- قرأت كتابًا، لا أتذكر اسمه يتناول أشكال تصوراتنا عن الله! .. ورغم أنني أدعوها تصورات، لكننا نتحدث عنها كما لو كانت حقائق، فلا نناقشها أو نختبرها أو نتساءل عنها!

من ضمن ما تعلمت في سني حياتي الأخيرة أن الله الذي أعبده إله مختلف عن تصوراتي، ويمكن الاقتراب إليه والتواصل معه، هو أكبر مما أنا أعرفه، ومختلف عما أتخيله.

حتى إن بدا غير مفهوم؛ فهو جدير بالقُرب والمحبة. الله الذي أعبده يحبني محبة مختلفة عما علمت وتعلمت عن المحبة من أهلي ومجتمعي وعائلتي!

الله ينظر للأمور بطريقة مختلفة عني، ويتضمن تفاصيل حياتي ضمن صورة كبيرة تكتمل تفاصيلها وأجزاؤها جنبًا إلى جنب. فهو -سبحانه تبارك اسمه- أعظمُ في رؤيته الشاملة من رؤيتي المحدودة قصيرة المدى.

لقد تعلمت أن نظرتي وعلاقتي بالله تتغير وتختلف كلما تقدمتُ في العمر، وكلما نضجتُ في الشخصية، وكلما أدركتُ وتبصرتُ أكثر. تتغير كلما اقتربتُ منه وأردتُ معرفته بحق. فقد نحَّيتُ ظنوني عنه -وإن كانت سببًا في تشتيتي-، وحاولت الاقتراب منه بحيادية ورغبة حقيقية في معرفته بحق، رغبة صادقة غير متجاهلة للإرث السابق في معرفتي عنه.

 

الرغبة في القُرب هي المفتاح

كتبت -يومًا ما- منشورًا على صفحتي الشخصية، أقول فيه: “وكثيرًا ما نعتقد أن… وفتحت القوسين لأكتب الكثير من الأشياء التي نعتقد أنها ترضي الله أكثر من غيرها، مثل التدين والجد والالتزام والفلسفة والعُمق. وختمت منشوري بجملة “حتى نقترب”!

وأعتقد أن هذه هي الطريقة الوحيدة والواحدة لكي نعرفه بحق وجدية، أن نقترب إلى ذاك الذي خلقنا في أحسن تقويم نفسًا ورُوحًا وجسدًا. نفس تحتاج، ورُوح تجوع إليه، وجسد يستند في ضعفه على نفخة حياة ذلك الإله فينا.

 

كيف تغيرت نظرتي للإله الذي أعبده

يتفق الكثير من القريبين إلى الله أن تصوراتنا عن الله تتأثر بشكل كبير بعلاقتنا بآبائنا الأرضيين! .. وأعتقد أن هذه حقيقة لا نستطيع إنكارها. فبينما لم نرَ الله وجهًا لوجه؛ إلا أننا رأينا صورة مصغرة عنه في آبائنا. وكما كانت شخصية الأب صارت تخيلاتنا عن الله.

في الأغلب ينقسم الآباء لأربعة صور: قُساة، مُتساهلون، مُتجاهلون، آباء بحق!

وفي الأغلب قلما نرى آباءً بحق، معظم من نراهم هم قُساة، متسلطون، متعجرفون، وغير متقبلين للأخطاء. أو العكس تمامًا يفتقرون للحزم، يسامحون دون وعي، غير جديرين بالثقة.

ولا يخلو الأمر من آباء متجاهلين، غير موجودين بالصورة، لا يعلمون شيئًا عن أبنائهم، لا يحبون ولا يغضبون ولا يؤثرون! سوف ترى بنوتك لأب من هؤلاء الثلاثة على الأغلب، إلا إذا كنت حظيت بالنوع الرابع من الآباء؛ وهو الأب الحقيقي.

لقد تعلمت مؤخرًا أن الله الذي أعبده هو أب حقيقي مسئول! حازم وحنون، يحب ويربي، يسمي الخطأ بإسمه ويرحم، لا ينتقم وإنما يتركني أتعلم كيف أحتمل نتيجة اختياراتي!

الله الذي أعبده يحبني، ولا يتساهل في تعليمي ونموي ونضجي.

الله الذي أعبده يصبر، ولا يستعجل عملية تشكيلي، ولا يغضب من بطء إيقاعي الإنساني.

الله الذي أعبده هو مثال للأب الحقيقي؛ الذي ربما قلما نراه حولنا.

أنا لا أدعي أنني أعرف الله حق المعرفة، وأثق به ثقة متناهية؛ لكنني أحبه وأريد قربه، أريد أن أثق في صلاحه، فهو إله جدير بالمعرفة.

أنا أريد أن أتعلمه وأتعلم عنه، وأتمنى أن تكون خبراتنا ومعرفتنا وتصوراتنا عن الله متوازنة وحقيقية وشخصية.

لا تخشَ الاقتراب؛ فلا يوجد أب حقيقي لديه شوق ورغبة أعمق من اقتراب أبنائه.

 

المراجعة اللغوية/ عبد المنعم أديب.

المقالة السابقةطعم الصوم
المقالة القادمةالكدَّاب بيروح فين؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا