طعم الصوم

40

بقلم: محمد عبد القادر

 

بما إننا اليومين دول بنعيش فترة صيام (شهر رمضان – الصوم الكبير)؛ فالمفترض إن الجانب الرُّوحاني جوَّانا يكون في حالة ارتقاء!.. بس يا ترى لغاية فين ده بيحصل فعلًا؟ .. ولغاية فين بيظهر في أخلاقنا واحنا صايمين. سواء في الشارع، أو في الشغل، أو في البيت، أو في علاقاتنا بشكل عام؟!..

للأسف أوقات كثيرة معظمنا بيتعامل مع الصيام على إنه مجرد فرض، أو طقس بنأديه وخلاص .. وده بيخلي خُلْقنا ضيق، ومش مستحملين نفسنا ولا بعض .. وللأسف ده أبعد ما يكون عن الغرض الحقيقي والأساسي من الصيام؛ وهو تقوية العلاقة مع الله!

 

طيب وأنا إزاي هعمل علاقة مع الله وأنا معرفوش؟!

وهنا تحضرني إحدى قواعد العشق الأربعين لـ”شمس الدين التبريزي”، اللي بيقول فيها: “إن الطريقة التي نرى فيها الله؛ ما هي إلا انعكاس للطريقة التي نرى فيها أنفسنا. فإذا لم يكن الله يجلب إلى عقولنا سوى الخوف والملامة، فهذا يعني أن قدرًا كبيرًا من الخوف والملامة يتدفِّق في نفوسنا. أما إذا رأينا الله مُفعَمًا بالمحبة والرحمة؛ فإننا نكون كذلك”.

علاقتنا مع نفسنا بتنعكس على علاقتنا مع الله؛ سواء أدركنا ده أو لأ .. وكل ما علاقتي مع نفسي هتكون عميقة ومبنية على القبول والرحمة، كل ما صورتي عن نفسي هتكون أجمل .. مش معنى كده إني هضحك على نفسي، وأتجاهل نقاط ضعفي .. لكن علشان أقدر أشتغل على الحاجات اللي ينفع تتغير فيّ، بحتاج الأول أحبني وأقبلني كُلي على بعضي كده بعيوبي، وأصبر عليها .. ساعتها هقدر أصدق إن ربنا كمان شايفني بنفس النظرة .. وهقدر أشوفه إله رحيم ورءوف وصبور، بدل ما أنا بشوفه إله قاسي مستنيلي على الغلطة .. لكن كمان بحتاج أفكرني بمبدأ مهم، وهو إن القبول لا يعني الموافقة .. لأني لو وافقت على كل حاجة فيّ بدون ما أسعى للتغيير، ساعتها هكون شخص غير مسئول.. وده هيخليني -بشكل غير واعي-  أشوف ربنا إله سلبي وغير ضابط!.. وساعتها برضه علاقتي معاه هتتأثر.

نرجع تاني لمفهوم “العلاقة مع الله” .. كلمة علاقة يعني صلة وتواصل .. مشاعر وأفكار وتساؤلات .. وساعات مشاكل وخناقات .. علاقة يعني حرية .. فأنا لمَّا بختار أصوم مثلًا، أنا محتاج أقرر ده بشكل حر .. وهو ده اللي بيساعدني على تنمية الجانب الرُّوحاني جوَّايا.

 

طيب هو إيه الفرق بين الرُّوحانية والتدين؟!

الحقيقة إن الفرق كبير وجوهري .. الرُّوحانية هي علاقة شخصية مع الله، هي شعور بالتواصل مع القوة الإلهية غير المحدودة، واللي من خلالها بتلامس مع محدوديتي، وبتصالح معاها .. واللي جزء منها مش بيحصل إلا لما بتواصل مع الحب والرحمة والسلام اللي جوَّايا..

أما التدين فهو الالتزام بالشعائر الدينية، والقيام بالفرائض والطقوس؛ علشان “نحاول” نرضي ربنا. يمكن ده يخلينا نرضى عن نفسنا شوية!.. في الحالة دي احنا بنؤدي الطقس الديني علشان مصلحتنا، بغض النظر عن جودة علاقتنا مع الله .. أساسًا العلاقة مع الله مش بتبقى موجودة في المُعادلة! .. والتوجه ده للأسف بيغذي جوَّانا  الشعور بالذنب والخوف .. وطبعًا ده بيشوّه صورتنا عن نفسنا، وبالتالي بيشوّه صورة ربنا في عيوننا.

جملة أخيرة: شتَّان الفرق بين الطقوس اللي بنعملها بدافع التدين، والطقوس اللي بنعملها بدافع الارتقاء بالجانب الرُّوحاني اللي جوَّانا!.. تعالوا نجرب السنة دي إننا نختار نصوم علشان نختبر طعم جديد في علاقتنا مع الله .. أتصور هنلاقي الطعم بقى أحلى.

 

المراجعة اللغوية/ عبد المنعم أديب.

المقالة السابقةالطبيعي يكسب
المقالة القادمةالله الذي أعبده   

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا