أنت ما تأكل

8

بقلم: روكسان رأفت

 

صالة استقبال واسعة يدخلها ضوء الشمس من زوايا كثيرة، يعمُّها الهُدوء، وتُؤنِسُك في الخلفية أصواتُ الموسيقى الهادئة!

تتجول بعينيك في المكان لترى كل ما هو جميل؛ أوانٍ ومزهريات مليئة بالزرع الأخضر تستند إلى الجدران البيضاء التي تخلو جميعها من أي شيء سوى شاشة تليفزيونية وجملة مثبتة تستوقفني كل مرة!

في زيارتي النصف دورية للطبيب، كنت أتأمل تلك الجملة في كل مرة، فأنا اعتدت التأمل في أمور كثيرة تبدو عاديةً تقابلني في يومي.

جملة بسيطة مترجمة إلى اللغة الإنجليزية تقول: “You are what you eat!” .. أو بالعربية “أنت ما تأكل”.

 

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أقرأ فيها هذه الجملة، لكنني نسيتها مع مرور الأيام. هذه الجملة حقيقية جدًا حتى أنني أخبرتها لأطفالي، ورحت أشرح كيف أكون ما آكل؟

في البداية، تظن أن الجملة منطبقة فقط على الطعام والتغذية، لكن بالتركيز والربط تجد أن الجملة تنطبق على كل شيء في الحياة. فإذا كان الطعام الداخل أجسادنا يؤثر جدًا على مستوى طاقتنا وشبعنا وتغذيتنا وسعادتنا، فكذلك كل شيء يدخل بوابة حياتنا.

في اعتقادي أن أكثر ما يضرُّ بصحتنا الجسدية هو العشوائية!

نأكل أي شيء في أي وقت وبأي كمية؛ وهذا هو بالتحديد ما يساعدك فيه الطبيب، يحدد لك النوع والكمية وتوقيت الأكل.

 

لكن إذا خرجنا من دائرة الطعام لباقي دوائر الحياة، فسنجد أيضًا أن العشوائية هي أكثر ما يضر بكل جوانب حياتنا.

ولا أقصد أن يكون لدينا خطة مفصلة لكل أمر في يومي؛ فهذا شيء مُجهد وصعب وغير عملي. لكن المقصود أن يكون لدينا ما يكفي من الوعي في اختياراتنا حتى ننعم بحياة هادئة، مُثمرة، صحية وسعيدة إنْ استطعنا.

حواسنا الخمس هي مداخل الحياة اليومية بالنسبة لنا، وهي بالتالي أساس أفكارنا التي تقود حياتنا. فإذا تعاملنا بعشوائية في كل ما يدخل من خلالها سوف ينطبع ذلك على شكل حياتنا.

 

1-   العشوائية في اختيار نوع الحياة

وهذا هو الأساس، نحن لا نفكر بوعي في شكل الحياة التي نتمنَّاها، نحن نحمل مع التيار في مرات كثيرة. صحيح أننا نتأثر بالأوساط والثقافات التي نعيش فيها، لكنني أعتقد أنه لا بد من الحد الأدنى من الاختيار تجاه شكل حياتنا، تجاه مفاهيمنا عن النجاح والتوازن والسعادة.

هل أعرف ما أتمناه وأحبه وأطمح إليه؟ هل أستطيع تحديد أولوياتي بوعي كل يوم، ليحدد ذلك شكل حياتي؛ أم أنني أحمل باختيارات وقرارات وأهداف الآخرين؟ .. هل تقودني ثقافة الأغلبية أم يقودني اختياري وقيمي وذوقي الشخصي؟

 

2-   العشوائية في اختيار الأفكار

شئت أم أبيت فأنت لديك بعض المعتقدات المألوفة والتي تحرك خلفية حياتك دون أن تدري!

هذه الأفكار معظمها تسلمناها وتشربناها من المجتمع حولنا ومن عائلاتنا. ربما تمتحن هذه المعتقدات في أوقات الضيق والاحتياج والمحكَّات العملية ولا ندرك أننا نؤمن بها. بالطبع يتضح خطأ بعضها مع الزمن؛ لكن الأصعب أننا لا نستطيع معرفة ما يحركنا في كواليس حياتنا. فنحن نتغذى على كل فكرة نؤمن بها. هي التي تحركنا وتسوق اختياراتنا ومشاعرنا وسلوكياتنا. فإن كنا عشوائيين في اختيار ما نؤمن به فسيظهر ذلك لاحقًا على تفاصيل حياتنا.

 

3-   العشوائية في اختيار ما تتغذى عليه عقولنا

وكيف يتغذى العقل؟

يتغذى على كل ما نقرأه، كل ما نسمعه من موسيقى، تأثير مَن نجالسهم كل يوم.

يتغذى على كل ما نجترُّه ونبني عليه عاداتنا اليومية. وبما أننا أصبحنا نعيش في عالم نوافذه مفتوحة فقد صارت العشوائية هي السائدة.

نتعرض يوميًّا لكَمٍّ هائل من المُدخَلات؛ سواء موسيقي أو مكتوب أو مجسد في صورة أفلام ومسلسلات. وإذا لم يتفق ما نتغذى عليه يوميًّا مع شكل الحياة التي نريدها -كما سبق واتفقنا في النقطة الأولى-؛ فلن تكون حياتنا من اختيارنا، بل منساقة وراء من لا نعلم!

إذن، “أنت ما تأكل” جملة لا تنطبق فقط على الطعام والتغذية الجسدية -وإنْ كانت خير دليل-؛ لكنها تتعلق بكل ما يدخل حياتنا يوميًّا.

كل ما نسمع ونقرأ ونرى من جمال أو قُبح. وهذه الفكرة -وإنْ كانت مُقلقةً- فهي حقيقية بالقدر الكافي الذي يجعلنا نعي جيدًا اختياراتنا اليومية، ولا نكون عشوائيين. صحيح في مرات كثيرة تكون العشوائية هي الشيء السهل والمريح لكن هذه هي الحياة، كل ما هو جيد فهو مقصود وغير عشوائي.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.

المقالة السابقةعلى الموجة 

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا