حوار حول تأهيل الأطفال لمواجهة الصدمات

2903

“أنا هقعد في الـNaughty corner لحد أما ماما ترجع”، دي كانت جملة قالها الطفل “شادي” في فيلم “هيبتا” لما مامته اتوفت، وكأنه بيقول إن أنا السبب في اللي حصل ده، وأنا هحاول أصلح غلطي ده. شفت أطفال اتعرضوا لأحداث مؤلمة قوي وأكبر من طاقتهم، بيختاروا إنهم يدخلوا في حالة من الإنكار أو يعانوا من تبول لا إرادي، وأطفال تانية بيحاولوا يناموا بعيد عن باب الحجرة، عشان خايفين لأنهم عاصروا القصف وأحداث الحرب البشعة، وأطفال بينهاروا لما يحصل نفس الأحداث اللي تفكرهم بالحدث اللي تعرضوا له من حرب أو اعتداء أو عنف. بسبب عدم تأهيل الأطفال دي لمواجهة الحوادث المؤلمة.

وكنت دايمًا بتساءل: إيه ذنب الطفل اللي لا حول له ولا قوة؟! وإزاي ينفع نساعده إنه يعدي الظرف ده؟! بس الحقيقة الكلمة المفتاحية اللي طلعت بيها بعد الإنترفيو مع سارة عزيز، من مؤسسة سيف هي التمكين، لأن الحقيقة إن وقت التعرض للصدمة بالنسبة للطفل، أو حتى بالنسبة للكبار، هو الوقت اللي بيبين عضلاتهم النفسية وقد إيه هما واقفين على أرض صلبة.

لما سألت سارة:

إيه أكتر الأحداث المسببة لكرب ما بعد الصدمة، أو إيه أكتر المسببات شيوعًا؟

كان ردها صادم وغير متوقع بالنسبة ليَّ، إلا إنه اقنعني جدًا. فقالت إن السؤال ده مينفعش نسأله، لأن الصدمة هي صدمة، مش بحجمها أو نوعها، لكن باستعداد الشخص، وبإنه مكانش مستعد يستوعب الحدث ده، وكان أكبر منه، فالصدمة تعريفهاtoo much.. too fast.. too soon ، فهي حاجة كانت أكبر من قدرتي على التحمل وقتها، وحصلت فجأة وفي وقت قليل، فبالتالي الصدمة مينفعش أتجنبها، لكن ينفع أمكّن الطفل لمواجهتها.

وده خلاني أسألها:

لو كان الصدمة لا مفر منها.. فهل أقدر أمنع تطورها لكرب ما بعد الصدمة؟

سارة كان ردها إن هنا بييجي دور التمكين للطفل أو تأهيل الأطفال. والتمكين أو التأهيل هو:

– أقول للطفل إن من حقه يحس بأي مشاعر هو حاسسها، وكأني بأكد صحة المشاعر دي، أيًّا كانت هي إيه، وبأكد حقه إنه يحس المشاعر دي وبالقدر ده.

– التمكين كمان هو إني أعلم الطفل يقول لأ، وأعلمه يدافع عن نفسه وعن حقه.

– تمكين الطفل كمان إن يكون عنده عيلة بينتمي ليها، وأوقات لعب وضحك بيقضيها مع أهله ومع الناس اللي بتمثل دايرة الدعم له، سواء العيلة الصغيرة من الأب والأم أو العيلة الأكبر من الجد والجدة والخال والناس القريبة له من العيلة أو الأصحاب.

كل ده كأني بقوي جهاز مناعة الطفل ضد الصدمات، فلما يتعرض لأي نوع من الصدمات، يبقى واقف على أرض ثابتة، وفيه بيننا علاقة تقدر تخليني أساعده وتخليه ميحتاجش يهرب أو يلجأ إنه ينفصل، فتظهر عليه أعراض كرب ما بعد الصدمة.

والحقيقة إن لما سألت سارة:

إيه اللي ممكن يلاحظه الأب والأم يخليهم يعرفوا إن ابنهم تعرض لصدمة أو بيمر بأزمة؟

الأطفال اللي متمكنين وعندهم مساحة يعبروا عن مشاعرهم، هم أكتر أطفال بيقدروا يقولوا تفاصيل الحادثة اللي اتعرضوا ليها، سواء اعتداء جنسي أو تنمر

قالت إن الأب والأم اللي فعلاً عارفين أولادهم، هيقدروا يلاحظوا التغيير اللي بيحصل للطفل لما يتعرض لأي حدث ممكن يسبب له تروما. والحقيقة قالت حاجة خضتني، إلا إنها حقيقية وواقعية جدًا، وهي إن لما بيعملوا في “سيف” تدريب للأطفال من سن 4 – 12 سنة، ويسألوهم: إيه أكتر 3 جمل ماما بتقولهالك أو بابا بيقولهالك؟ عادة بتكون الإجابة: اعدل الشبشب.. وضَّب أوضتك.. خلص مذاكرتك… وما شابه من قائمة أوامر، ونادرًا لما بيكون فيه حاجة بتعبر عن العلاقة اللي بينهم وبينه، زي مثلاً “أنا بحبك”. لكن كلها حاجات لوجيستيكية بحتة.

كامبريدج أصدرت دراسة بتقول إن تأهيل الأطفال وتمكينهم وتوفير مساحة يعبروا عن مشاعرهم، هم أكتر أطفال بيقدروا يقولوا تفاصيل الحادثة اللي اتعرضوا ليها، سواء اعتداء جنسي أو تنمر، لأنه محتاجش ينفصل عشان يدرك اللي حصله أو يدخل في حالة الإنكار.

ونهت النقطة دي بجملة مهمة قوي: العلاقة تمكين.. أنا مقدرش أعمل تسليح ضد الصدمات، لكن أقدر أمكنه، والعلاقة دي هي اللي هتخليني أقدر أشوف التغيرات لما تحصل على ابني فأقدر أساعده.

لقراءة المزيد عن كرب ما بعد الصدمة عند الأطفال

ورجعت أسألها بحكم خبرتها:

إيه أحسن الطرق للعلاج في رأيها؟

طبعًا سارة كان رأيها إن اللعب هو أحسن الطرق اللي تخليني أسمح للطفل يعبر عن نفسه، وكمان في تمكين الطفل من البداية. وده اللي خلاها تفكر في safeelings وهي لعبة معمولة عشان تساعد الأطفال يعبروا عن مشاعرهم بطريقة صحية ويتدربوا على كده. وعشان كمان تساعد الأهل يقضوا وقت قيم مع أطفالهم يوميًا، من نص ساعة إلى ساعة. كمان من أهدافها تقليل الوقت اللي الطفل بيقضيه قدام الشاشات.

تأهيل الأطفال
Safeelings game developed by Sara Aziz, safe kids founder

اللعبة فكرتها إن الطفل بيختار 4 مشاعر من اللي هو حاسسهم انهارده من الكروت زي اللي في الصورة. ويبدأ يقول هو ليه حس بكده، ويحكي موقف، فمثلاً متحمس، مضحك، واثق، زعلان… وكل إحساس فيه منه صورة لولد وصورة لبنت، عشان نقولهم إن مفيش مشاعر مقصورة على الأولاد ومشاعر مقصورة على البنات، فالبنت ينفع تبقى متحمسة ومرتاحة ومضحكة وواثقة ورافعة راسها، والولد عادي يزعل ويعيط.

الأربع مشاعر اللي الطفل بيختارهم بيكوّنوا قصة، بس قبلها لازم نقول جملة مهمة قوي، وهي “أنا ممكن أحس حاجات كتير عكس بعضها مع بعضها”، وإن زي ما كل حيوان مهم في مملكة الحيوانات فكل شعور مهم في تكويني. ولو قلبنا الأربع كروت بتوع المشاعر اللي الطفل اختارهم على ظهرهم، هنلاقي إنهم كونوا صورة حيوان وله قصة وفيه QR code ينفع نعمله مسح أو  scan ونخش نسمع تراك ينفع نشغله وإحنا بنحكي للطفل القصة بأسلوب قصصي جميل.

شرح تفاصيل اللعبة.

ورجعت للنقطة اللي بدأت بيها:

إيه تفسير الإحساس بالذنب اللي بيكون عند الطفل عند التعرض لأي صدمة، سواء اعتداء جنسي أو فقدان أحد الوالدين، أو في حالات الطلاق؟

وكان ردها هو إن ده بسبب شخصنة كل الأفعال اللي بيعملها الطفل، فطول الوقت بربط نتايج اللي بيعمله بيه هو، مش نتايج اللي بيعمله بالفعل اللي صدر منه، فبيحصل تشخيص لكل حدث، فيشعر الطفل إنه هو المسؤول، فمثلاً لو الطفل وقع الكرسي غصب عنه، ممكن أقوله “إنت غبي.. إنت وحش…” وممكن أقوله إنت عملت كذا وكذا غلط فده اتسبب في إان الكرسي وقع أو اتكسر. وهنا الطفل بيفهم إن الفعل اللي عمله غلط مش إن هو وحش في المطلق، فبالتالي لما أبوه يموت يبقى هو برضو السبب.

وهنا سارة قالت نصًّا:افصلوا اللي الطفل بيعمله عنه، عشان تدوه أمل إنه لو عمل حاجة مختلفة هيطلع نتيجة مختلفة”.

هل فيه أي أعراض ينفع يلاحظها المدرس في المدرسة أو الحضانة؟

وده كان سؤال سألته لسارة في آخر حوارنا، وكان ردها إن لما الطفل سلوكه وتفاعله يبدأ يطلع بعنف مفرط وحركة زائدة، أو ينزل عن الطبيعي بانطواء مبالغ فيه، أو تأخر أكاديمي ملحوظ، هنا نبدأ نقلق وممكن نحاول نوصل ده للأهل. سارة كمان علقت إن كان دايمًا بيبان مع الأطفال اللي باباهم بيسافر في الحضانة، كان دايمًا بيبان عليهم واحد من الأعراض دي.

للمزيد من التفاصيل عن العنف المدرسي.

وفي آخر كلامي أحب أفكرك، لو إنت أب أو أم أو مُعلِّم أو جدة أو خالة، مش هنعرف نحمي الطفل للآخر، بس ينفع نقويه ونمكنه عشان يطلع شخص سوي، يعرف يتعامل مع الحياة بصعوباتها من غير ما يحتاج يهرب منها أو يتحطم بسببها.

مؤسسة سيف

هي مؤسسة مصرية، أنشأتها سارة عزيز سنة 2012. تقوم سيف بخدمات نفسية واجتماعية عن طريق خدمات مجتمعية متعددة بهدف نشر الوعي ضد استغلال الطفل والتحرش والعنف والتنمر. تهدف سيف أيضًا لتأكيد المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. تساعد سيف على تحسين أوضاع الأطفال الناجين من الصدمات وإعادة تأهيل الأطفال بتقديم خدمات مشورة للطفل وتدريبات متنوعة.

سارة عزيز

مشيرة نفسية متخصصة، حاصلة على درجة الماجيستير في مجال العلاج النفسي، وحاصلة على دبلومة متخصصة في كيفية (مساعدة/ عمل جلسات مشورية) للناجين من العنف أو الاستغلال الجنسي.
لديها متسع من الخبرة، نتيجة العمل لأكثر من ٣٠٠٠ ساعة مع الأطفال والبالغين والكبار الناجين من الأزمات المتعلقة بالاعتداء الجنسي والعنف. تُعد سارة من أكثر الأشخاص الشغوفة بتقديم دعم نفسي لضحايا استغلال الأطفال، كما أنها تعمل على القضاء على دائرة استغلال الطفل من خلال التصدي جاهدة للاعتداء الجنسي والعنف.

المقالة السابقةكيفية علاج العنف الجسدي ضد المرأة والأطفال وأثره عليهما
المقالة القادمةمرض التروما: ما هي التروما وما هو علاج التروما

2 تعليقات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا