كيفية علاج العنف الجسدي ضد المرأة والأطفال وأثره عليهما

2234

عندما نتحدث عن كرب ما بعد الصدمة، فهناك الكثير من الأحداث المحفزة له، كالتعرض للحوادث، أو حتى مشاهدتها، وفقدان الأحباء والأمراض الخطيرة، والكوارث الطبيعية، والصدمات النفسية والعاطفية، والإساءة اللفظية. ولكن من أهم الأحداث المسببة لكرب ما بعد الصدمة، هي الإساءة الجسدية أو العنف Abuse، فالعنف الجسدي بكل أنواعه هو أحد أهم البوابات لإصابة الشخص بكرب ما بعد صدمة PTSD، سواء كان هذا الشخص بالغًا أو طفلاً.

انواع العنف الجسدي

قد يعتبر البعض أن العنف الجسدي هو فقط الضرب، وهذه نظرة قاصرة للغاية، فالقائمة طويلة لما يعتبر عنفًا جسديًا، وما يمكن أن يؤدي بطبيعة الحال لاضطرابات نفسية، أكثرها شيوعًا هو اضطراب ما بعد الصدمة.

1. العنف الموجه للجسد

وهو العنف المعتمد على التعامل مع جسد شخص بطريقة غير مرغوبة وعنيفة، سواء تم هذا العنف على أشخاص غرباء أو اندرج تحت مصطلح العنف المنزلي، وهو العنف الموجة ضد الزوجة/ الزوج أو الأطفال أو أحد أفراد الأسرة، ويشمل هذا النوع من العنف أفعالاً مثل:

  • الضرب باستخدام أداة مؤذية، كسكين أو عصا… إلخ، وهو أوضح درجات العنف الجسدي.
  • الضرب المبرح باليد أو الصفعات.
  • الضرب غير المبرح كالضرب الخفيف الجَدِّي على الكتف أو المؤخرة.
  • الجذب من الملابس بعنف.
  • الجذب من الشعر أو الأذن.
  • الدفع للشخص ووكزه.
  • العض والخدش والحرق (وهي أفعال تتم بشكل أكبر مع الأطفال).
  • المنع من الحركة عن طريق التثبيت.
  • جذب الوجه بعنف وتثبيته لإجبار الشخص على التحديق في وجه مُعنِّفه.

والحقيقة أن البعض قد يعتبر هذه الأفعال عادية، ولا تندرج تحت العنف الجسدي، لكنها للأسف تترك أثرًا نفسيًا شديدًا، بل إن التكرار لبعض هذه الأفعال التي يعتبرها البعض بسيطة قد تكون أكثر تأثيرًا على الشخص المُعنَّف، لأنه دائمًا ما يمتنع شخصيًا عن الشكوى بخصوصها، ويعتبرها أفعالاً ربما عادية لن يوجه أحد اللوم لمعنفه لو ذكرها، وهو ما يجعل أثرها النفسي كبير، فهي تتراكم نفسيًا لتؤدي في النهاية لأعراض واضحة لكرب ما بعد الصدمة.

لذا لو تعرضت لأي من هذه الممارسات من قِبَل أي شخص أب/ أم/ زوج/ أخ/ صديق/ رب عمل، فعليك أن تكون واعيًا تمامًا أن الأمر ليس بسيطًا، وأنك لا تبالغ في شعورك، وأن ما تتعرض له هو عنف جسدي.

2. العنف الجنسي ضد المرأة

الشق الآخر من الإساءة الجسدية، هو العنف الجنسي، فقد لا تكون الإساءة بصفعة، بل بقبلة، وتظل إساءة ربما أشد نفسيًا وأكثر خطورة.

والعنف الجنسي لا يقتصر على الحالات التقليدية التي -للأسف- لا يرى أغلب أفراد المجتمع العنف الجنسي إلا بها، وهي الصورة الأبشع الاغتصاب، فالعنف الجنسي الذي يتحول في أغلب الحالات لكرب ما بعد الصدمة يمكن تقسيمة لعدة أنواع:

عنف جنسي مع غير ذي صلة

وهنا يكون العنف الجنسي موجهًا من ذكر إلى أنثى لا تربطه بها علاقة عاطفية (يوجد عنف جنسي عكسي من أنثى لذكر بشكل أقل انتشارًا)، كالاغتصاب وهتك العرض والتحرش، كلها تندرج تحت العنف الجنسي، وحتى أبسط درجات التحرش وهو لمس جسد الأنثى بدون إرادتها بتعمُّد، أو تعريتها أو إجبارها على لمس معنفها هو عنف جسدي يمكن أن يؤدي إلى كرب ما بعد الصدمة.

فالفتاة التي تتعرض للتحرش من رئيسها في العمل، أو في المواصلات العامة، أو من أحد الأقارب، يتفاقم لديها شعور القلق والتوتر النفسي بشكل شديد التأثير، ليتحول لحالة أكيدة من كرب ما بعد الصدمة.

العنف الجسدي ضد الزوجة

التعامل مع الزوجة جنسيًا حتى فيما هو دون العلاقة رغم عدم رغبتها هو عنف جنسي

من أكثر المفاهيم المغلوطة الشائعة في المجتمعات الشرقية، أنه لا يوجد اغتصاب للزوجة، وأن العلاقة الزوجية حق للزوج في أي وقت يجوز تحصيلة غصبًا أو بالعنف. وهو ما يؤدي بكثير من الزوجات المعنفات واللاتي يعانين بالفعل من اضطراب ما بعد الصدمة، إلى عدم اللجوء لطلب المساعدة، نظرًا لعدم اعتبار أنفسهن ضحايا عنف. إلا أن فعليًا قيام الزوج بعلاقة مع الزوجة دون رضاها هو اغتصاب وعنف جسدي وجنسي أكيد. بل التعامل مع الزوجة جنسيًا فيما هو دون العلاقة، بالرغم من رفضها وإعلانها الواضح عن عدم رغبتها أو استعدادها لذلك هو عنف جنسي ضدها.

العنف الجنسي ضد الأطفال

وهذا النوع من أكثر الأنواع المسببة للصدمة Trauma في الأطفال، والمؤدية لأعراض اضطراب ما بعد الصدمة لديهم، ويعتبر أيضًا الفعل من ضمن أفعال العنف الجنسي، حتى لو اقتصر على التعرية من الملابس والمشاهدة، أو لمس الطفل، أو تحسس أجزاء حساسة من جسده، أو العكس حث الطفل على تحسس أعضاء حساسة للبالغ، وبالطبع حتى الوصول لأقصى درجات العنف الجنسي وهي الاغتصاب.

اقرأ أيضًا: كرب ما بعد الصدمة عند الأطفال

العلاقة بين العنف الجسدي واضطراب ما بعد الصدمة

خزنوا أحداث الطفولة ووجهوا المشاعر السلبية المصاحبة لكرب ما بعد الصدمة، ليتحول الشخص إلى ضحية مرة أخرى أو إلى جلاد

الحقيقة أن العلاقة بين الاثنين وطيدة، بل وجد الباحثون أن في أغلب الحالات المتعرضة للعنف الجسدي وجدت أعراض كرب ما بعد الصدمة، بل في دراسات عدة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوروبا، نظرًا لتوثيقهم المنظم للعنف الجسدي، وجد أن الأشخاص اللذين تعرضوا للعنف الجسدي في طفولتهم وأصيبوا بكرب ما بعد الصدمة دون علاج ومتابعة نفسية، أصبحوا لدى بلوغهم أكثر عرضة للتعرض للعنف الجسدي أو ممارسته.

فهم خزنوا أحداث الطفولة ووجهوا الغضب والمشاعر السلبية المصاحبة لكرب ما بعد الصدمة التي لم يتم التعامل معها وعلاجها، ليتحول الشخص إلى ضحية مرة أخرى أو إلى جلاد، يمارس العنف بديلاً عن تلقيه، وليتخلص من مشاعره السلبية بمزيد من العنف.


أعراض اضطراب ما بعد الصدمة لدى المعنفين جسديًا

من أكثر الأمور المضللة في حالات اضطراب ما بعد الصدمة الناتجة عن العنف الجسدي، أن الأعراض قد لا تظهر في الحال، بل قد يظل الشخص يبدو طبيعيًا بعد تعرضة للعنف الجسدي، لتظهر أعراض كرب ما بعد الصدمة بعد شهور، وفي بعض الحالات سنوات، حين يحفزها حافز نفسي جديد.

ليس معنى هذا أن كل الحالات سيتأخر ظهور أعراضها، فالأغلبية يمرون بالطور الطبيعي للأحداث، وتظهر أعراضهم مباشرة بعد التعرض للعنف الجسدي. ولكن بعض الحالات التي لا تظهر أعراضها إلا بعد فترة زمنية طويلة تكون أكثر صعوبة في التشخيص، وفي الوصول إلى العنف الجسدي القديم المؤدي للصدمة.

اقرأ أيضًا: ما هي أعراض كرب ما بعد الصدمة

وعامة فإن الأعراض التي تدلل على معاناتك بكرب مع الصدمة تكاد تكون متشابهة في كل الأحوال، حتى لو اختلفت الفترة الزمنية لظهورها، وتشمل:

1. أعراض تكرار العنف

وهنا يتذكر الشخص ما تعرض له من عنف جسدي/ جنسي ليظل الحدث يعاد في ذهنة تكرارًا، قد يكون هذا على هيئة ذكريات تنبثق في عقله بشكل مباشر يدفعه للتوتر أو حتى الإصابة بنوبة هلع panic attack، أو عن طريق تكرار الحدث في كوابيس ليلية، أو ومضات سريعة من العنف المتعرض له الشخص يتذكرها أثناء ممارسته حياته العادية.

2. محاولات تجنب ما له علاقة بالعنف

هنا يحاول الشخص ألا يوجد في أي مكان أو حدث أو ذكرى خاصة بالعنف الذي وقع عليه، فهو لا يستطيع الوجود في مكان يتم تعنيف شخص آخر به، ولا يستطيع سماع ألفاظ عن نوع العنف المتعرض له، بل ربما مشهد في فيلم سينمائي لعنف شبيه لما تعرض له، يؤدي إلى حالة من الاضطرابات قد تصل مرة أخرى إلى نوبة هلع.

3. التغيرات المزاجية والشخصية

وهنا يعاني الشخص المتعرض لكرب ما بعد الصدمة لبعض أو كل التغيرات المزاجية، مثل:

  • المعاناة من مشكلات في الذاكرة كنسيان أجزاء من تجربة العنف أو أسبابها أو مسببها.
  • التفكير بشكل سلبي عن نفسه بأن يُحمِّل ذاته اللوم أو أنه يستحق هذا العنف.
  • التفكير بشكل سلبي عن الآخرين بأن يتخيل أنه لا أحد يحبه وأنه ليس مهمًا لدى أحد.
  • الشعور بالاكتئاب والرغبة بالانعزال عن الآخرين، حتى من يعرف يقينًا بمساندتهم له، وصعوبة التواصل معهم ومع العالم الخارجي.
  • عدم التركيز وفقدان القدرة على القيام بالمهام السابقة التي يؤديها الشخص قبل تعرضه للعنف.

4. ردود الفعل المختلفة

في هذه الحالة يجد الشخص أنه بعد التعرض للعنف تحولت ردود أفعاله تجاه الكثير من مواقف الحياة اليومية، إلى ردود فعل مختلفة، مثل:

  • الغضب السريع والانفعال.
  • الصمت مع الأرق وعدم النوم.
  • النوم والهروب لساعات طويلة.

5. الأعراض الأكثر حدة

قد لا تقف الأعراض لدى التغيرات المزاجية والنفسية، فكلما زادت حدة العنف الجسدي/ الجنسي اتخذت أعراض كرب ما بعد الصدمة شكل أكثر حدة، فيبدأ الشخص في:

  • الشعور بأعراض وآلام جسدية لا علاقة لها بمكان إصابات العنف، مثل ألم مزمن في عضو ما أو صداع أو ألم في المعدة أو إسهال أو ضيق وحرقان في الصدر أو تقلصات في العضلات أو ألم في أسفل الظهر.
  • قد يتفاقم الأمر مع عنف الصدمة، ليلجأ الشخص إلى الأدوية المهدئة والمسكنات، حتى يعتاد عليها ويتحول لتعاطي المسكنات أو المخدرات أو الكحول لمواجهة الألم العاطفي.
  • العجز الجنسي وهو أحد مضاعفات كرب ما بعد الصدمة، خصوصًا في الاعتداءات الجنسية، حيث يفقد الشخص قدرته على ممارسة علاقة طبيعية.
  • وفي النهاية قد يصل الشخص لمواجهة أفكار انتحارية، حول إنهاء حياته بيده، وهي الدرجة الأكثر خطورة لكرب ما بعد صدمة.

لذا ففي حالة التعرض لأي من درجات العنف الجسدي لا يجب عليك الصمت، بل التعامل مع الموقف وطلب المساعدة من متخصص لتشخيص حالتك، ولعلاج كرب ما بعد الصدمة في حالة تعرضك له.

المقالة السابقةإلى تلك الليلة الفارقة
المقالة القادمةحوار حول تأهيل الأطفال لمواجهة الصدمات

3 تعليقات

  1. احسنت يا استاذه و يحتاج الامر الي مزيد من التوعيه لان الاساءه الجسديه تؤثر علي الجهاز المناعي و الخلوي للجسم و تظهر امراض و اعراص لا يعرف سببها مما يستوجب تجربه ادويه و طرق علاج متعدده مما يستهلك الجهد و المال……يحتاج المجتمع الي اعاده تعريف العنف الجسدي و التشريعات التب تعالج التقليل ان لم يكن القضاء عليه……

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا