بقلم/ أمل طه
يصنع الآباء فارقًا كبيرًا في حياة أبنائهم، منذ شرارة الحياة الأولى وحدوث الحمل وسنوات النمو، وحتى فترة المراهقة. وجود الأب ودعمه يُشكلان دورًا جوهريًا في بناء الجوانب الإيجابية في شخصية الطفل وسلامة صحته النفسية والعاطفية والسلوكية والعقلية، إلا أنه في بعض الحالات التي يُغيِّب فيها الموت أو الانفصال أو الطلاق الأب فالأمر يأخذ مُنحنى آخر.
سنحاول في هذا التقرير أن نُسلِّط الضوء على بعض الآثار السلبية لغياب الأب عن الأسرة، الأمر الذي قد يساعدك كأم عزباء في التغلب على هذه السلبيات، وإيجاد حلول بديلة تجعلك تُرجحين كفة الميزان لصالح سلامة طفلك.
تأثير الأب على السلامة العقلية للطفل:
يعزز الآباء الصحة النفسية والعقلية لأبنائهم منذ اللحظة الأولى للميلاد وحتى قبل ذلك، فالدعم العاطفي الذي يقدمه الزوج للزوجة خلال فترة الحمل يعمل على تقليل الضغط والتوتر الذي تعاني منه، والذي ينعكس على صحتها وصحة جنينها. هذا الدعم الممتد لبعد الميلاد من خلال رعايته للصغير والتواصل معه باللعب، والذي اعتبرته الأبحاث الحديثة هو جسر الأمان الذي يمد الأب به طفله تمهيدًا للتعامل مع العالم بمفهومه الواسع.
غياب الأب يعني غياب كل هذا الدعم، الذي من شأنه أن يؤثر سلبًا على سلامة الطفل النفسية والعقلية، هذا ما أكدته دراسة أجرتها كلية الطب جامعة ماكجيل بكندا، فالأطفال الذين ترعرعوا في ظل غياب الأب، خصوصًا في مراحل النمو الأولى، قد تتأثر البنية الدماغية لهم، خصوصًا الجزء الذي يتحكم في النشاط الاجتماعي والمعرفي، مما يجعلهم أكثر عدوانية وحِدة، خصوصًا في حالات الغضب التي تنتابهم، كما أن لديهم ميولاً أكبر لتبني أنماط سلوكية غير سوية.
اقرئي أيضًا: أنا لا أحب أبي، لماذا؟ وماذا أفعل؟
معدل الذكاء
دراسة أخرى أجريت في جامعة ونتشو الطبية بالصين، قارنت بين مجموعتين من الأطفال، إحداهما تعيش دون رعاية الأب، والأخرى تتمتع برعاية كلا الوالدين، فوجدت أن كمية المادة الرمادية المرتبطة بنسبة الذكاء توجد بشكل أكبر لدى المجموعة التي تتمتع برعاية كلا الوالدين، وتوصلت إلى أن النمو في ظل غياب الأب يؤخر نمو الدماغ ويؤثر على معدل الذكاء.
تعرفي على: 7 اعترافات خاصة جدًا لأم عزباء
الغضب
نوبات الغضب غير المبررة التي قد يمر بها طفلك، هي نتيجة طبيعية لغياب الأب وشعوره بالتخلي، خصوصًا في حالات الانفصال والطلاق، الأمر الذي يعتبر أقل حدة في حالة الوفاة، فعادة ما يترجم الطفل غضبه إلى سلوك التمرد تجاه الأم، وسلوك العنف تجاه أقرانه، فيفشل في إقامة علاقات صداقة ويشعر بعدم قبول اجتماعي.
تقدير الذات المنخفض
يمكن أن نصف الشخص الذي لديه تقدير ذات متدنٍ بأنه الشخص الذي يفتقر إلى الثقة، في قدراته وغير راضٍ عن نفسه، ويعتقد أن الفشل هو حليفه الوحيد، كون الأب هو المرشد الأول للعالم الخارجي وهو انعكاس لصورة الطفل عن نفسه، فوجوده في حياة الطفل يساعده على خلق صورة إيجابية عن نفسه. غياب الأب يخلق صدمة عاطفية للطفل تؤثر على هويته وتجعله يشعر بالدونية.
ربما يكون العرض السابق قاسيًا عليكِ كأم عزباء، إلا أن تجاهلك لكل تلك السلبيات قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.. يجب أن تتحلي بالصبر والحب حتى تتغلبين عليها.
قدمي يد المساعدة لنفسك
لا تؤنبي نفسك وتُثقليها بشعورك بالذنب، فأنتِ لستِ السبب في وضعك كأم وحيدة، لا تنظري إلى ما ينقصك أو ما لم تستطيعي تقديمه لطفلك. انظري إلى ما يزال في جعبتك، أنت أم وحيدة ولكنك تمتلكين طفلاً رائعًا تقومين كل يوم من أجله بأشياء، وإن كانت في نظرك بسيطة لكنها كبيرة وعظيمة بالنسبة إليه، حتى وإن لم يكن يدرك قيمتها الآن لصغر سنه.
الأمومة في حد ذاتها عمل بطولي، فما بالك وأنت الأم والأب معًا! رددي دائمًا “أنا بطلة حياتي”.
لا يعي التجربة إلا من مر بها
حافظي على صحتك النفسية، واطلبي الدعم بلا تردد من الأمهات صاحبات التجارب المشابهة. استمدي منهن طاقتك الإيجابية، لأن أطفالك حتمًا سيتأثرون بحالتك المزاجية.
خففي من ثقل المسؤوليات بأن تخصصي وقتًا للقراءة أو ممارسة الرياضة أو المشي.
حاولي أن تحصلي على قسط من الراحة، فمن المهم أن تخلقي حالة من التوازن في حياتك حتى تستطيعين أن تستمري وتثمري.
قدمي يد المساعدة لطفلك
عليكِ تقديم الدعم والأمان لطفلك، لا تقلقي من مشاعره عند تعبيره عن غضبه واستيائه من غياب والده، أخبريه أنكِ تقدرين حجم الفقد الذي يعانيه، كرري على مسامعه أنك بجواره وتحبينه وأنه ليس وحيدًا، فكبت مشاعره والتقليل منها ولومه على أنه لا يُقدَّر ما تقومين به من أجله، قد يجعله يُخفي مشاعره ويتحاشى الإفصاح عنها أمامك.
أنتما في مركب واحد
لا تنظري لنفسك كأنك ضحية لعلاقة غير موفقة، وأن طفلك جزء من هذه التجربة السيئة، لا تشعريه أنه عبء عليكِ، في الحقيقة الضحية الحقيقية في هذه التجربة هم الأطفال. ربما مررتِ بتجربة سيئة لوقت معين، ولكن مع الوقت الأمور ستتحسن وستتغلبين على كل هذا، وستبدئين من جديد، لكن ماذا عنه؟ لقد فقد استقراره الأُسري للأبد؛ حاولي أن تكوني داعمة له لا عبء عليه.
الوقت
خصصي وقتًا للتحدث إلى أبنائك، الدقائق القليلة التي تسردين لهم فيها قصة قبل النوم لن تؤثر على مسار يومك، ولكنها لحظات سحرية بالنسبة إليهم، قد تكون أمورك المالية ليست على ما يرام، قد لا تكوني قادرة على تلبية كل احتياجاتهم، إلا أن الاهتمام والإنصات المغلفين بالحب قد يكون لهما مفعول السحر عليهم. الحياة قاسية بالقدر الكافي، لذلك امنحيهم السعادة عن طريقك، مرري لهم الحب والاحترام. طوري خيالهم من خلال مشاركتهم في اللعب، اخلقي لأحلامهم أجنحة، عززي ثقتهم بأنفسهم.
ساعديه على خلق محيطه الاجتماعي
ساعدي طفلك على تكوين علاقات صداقة صحية، أشعريه دائمًا أنه مقبول اجتماعيًا، الحب هو مفتاح لحل كل المشكلات النفسية التي قد تواجه طفلك، حاولي أن تكوني أمًا مستبصرة لما يدور في خاطره، من المهم أن تكوني على وعي بجوانبه النفسية.
اقرئي
اقرئي أكثر في علم نفس الأطفال، وعلم نفس النمو. كوني أنتِ الأخصائي النفسي له واحميه من سلبيات التجربة، اقرئي عن تجارب مماثلة ناجحة وتعلمي منها.
غياب الأب قد يكون أمرًا قاسيًا، إلا أنه ليس النهاية؛ هناك الكثير من النماذج الناجحة التي تربَّى فيها الأطفال في بيوت بدون أب، اجعلي ابنك أحد هذه النماذج المشرفة.. قاتلي فالنساء بطبعهن محاربات.
مراجع:
1- دراسة الجامعة الكندية
https://ifstudies.org/blog/yes-father-absence-causes-the-problems-its-associated-with/
2- دراسة الجامعة الصينية
https://onlinelibrary.wiley.com/doi/pdf/10.1111/aepr.12166
3- https://exploringyourmind.com/risk-present-absent-mother-father/
النساء بطبعهن محاربات