فولدرات دماغ المكتئبين

794

 

 

 

يبدأ يومي.

يبدأ يومي في الأفول.

جملتان قريبتان للغايةِ، غير أنهما تحملان معنييْن مختلفين تمامًا. في الأولى يبدأ يومي سعيدًا، وفي الثانية يبدأ في الانتهاء. مؤخرًا بدأتُ أصحو من النوم غير راغبة في الصحو، بالتحديد حين يتأخر ميعادُ صحوي عن الظهيرة. زمان، كنت أصاب بالضيق لو تأخرتُ عن العاشرة صباحًا.. زمان! فما الذي حدث؟!

 

كل ما حولي فجأةً يشير إلى أنني لا أفعل شيئًا مفيدًا في حياتي.

“إيه يعني شغل بيت وعيال وترجمة صفحتين؟!”.. رأسي تقول!

 

يقول زوجي: “دماغك فيها زي فولدرات، كل ما تفكري فـ فكرة كأنك بتنقري على فولدر معين، يقوم الفولدر يطلع بكل حاجة شبيهة”.

 

معنى ذلك أنني أسترجع كل الضيق إذ ذاك؟ أفتح فولدر الحزن والإحباط، أتذكر آخر طعامٍ احترق سهوًا، انزلاقي وسقوطي على الأرض منذ أسبوع، مئة جنيه التي ضاعت البارحة، غضب ابنتي الدائم وعدم سماعها الكلام، وبالتالي التأكد من أنني لستُ أمًا جيدة بما يكفي… إلخ! فولدر كامل من الأفكار القاتلة، بالذات حين تجتمع كلها معًا، فتكون دافعًا أكيدًا للتخلص من تلك الحياة التي تكتظ بالمشاهد المؤلمة.. أليس كذلك؟

 

وحين أبتسم أتذكر لحظاتي الحلوة الشبيهة كذلك.

فولدر السعادة يفتح بابه:

أتذكر دعوة زوجي للغداء أمس، ثم يوم زفافنا، ابنتي الأولى، “لماضتها” الرائعة، كوننا متشابهتين للغاية، رموشها الطويلة الجميلة، أمومتي الحديثة وحُبي لأمي، أنا أم جيدة بلا شك!

فولدر كامل من الروعة والإبهار تجعل المرء ممتنًا لحياته المثمرة، ويرغب في عيْش المزيد منها.

 

ثم..

الغروب -ولا أدري لِمَ- يُشعرني بأنني لم أنجز شيئًا. يخيفني أن اليوم على وشك الانتهاء. وكأن آخر اليوم.. هو آخر كل يوم.

 

آخذ بالنصيحةِ وأحاول حينها أن أنقر على “فولدر الإنجازات”.. أتباطأ مرهقة بفِعل فولدر الإحباط.. أتجاسر قليلًا.. ثم أحاول.

 

تنفتح “فولدرات”فرعية عديدة تدهش.

ماذا فعلتُ اليوم إذًا من منطلق فولدر الإنجازات؟ أعددت غداء رائعًا ومرهقًا أعجب طفلي الصغير كثيرًا. رعيتُ ابنَي، بدَّلتُ ملابسهما ومشطتُ شعريهما وأطعمتهما عدةَ مرات. أصلحتُ عدةَ أخطاءٍ بشكل نصف تربوي. أخطأتُ عدة مرات بالطبع، لكنني بشر، أليس كذلك؟!

 

حسنًا.. أنا كالأمهات العربيات جميعًا، إنني أقوم طوال اليوم وكل يوم بوظيفةٍ أكثر من دوام الناس العاديين بكثير.. فهي تستمر سبعة أيامٍ في الأسبوع، 24 ساعة يوميًا، لا توجد “شيفتات” في وظيفتي، والتي بالمناسبة لا أتقاضى عنها مرتبًا. لكن كلمة “ماما” هي كل ما أتوق إليه إلى جانب سعادتهما.

واليوم إلى جانب ذلك، قمتُ بعملٍ جزئي من الترجمة.. بسيطٌ لكنّه لذيذ. نظفت حجرةً واحدةً من حجرات البيت. قرأتُ صفحةً واحدة من رواية، وحادثتُ أمي على الهاتف.

 

وإذًا.. أمامي الآن.. “فولدر الضيق”، و”فولدر الإنجاز”.. أيهما سأختار لينتهي يومي به؟ قراري نقرةٌ رقيقة. أعرف نتيجة نقر فولدر الضيق جيدًا، جربته في مراتٍ سابقة.

لعلَّ لِفولدر الإنجاز طعمًا آخر يحمله لي غدًا.

 

كي أكون صريحةً مع نفسي والجميع، لا بد أن أقرَّ بأن ذلك لا يفلح معي طوال الوقت. أحيانًا يصعب النجاح. أحيانًا تصعب حتى المحاولة بعد محاولات كثيرة للأسف غير ناجحة. حينها يصعب للغاية أن تفتح الفولدر المتفائل للغاية لديك. غلاف الفولدر يغدو ثقيلاً للغاية حينها.

وعندئذٍ حبذا لو استعنتَ بصديق، قريب، حبيب.. يعرف عنكَ بعض ما قد يسعدكَ، يعرف كيف يذكِّركَ بلحظةٍ فارقة، بشخصٍ آخر تحبه، بأملٍ ما.

 

والأهم.. ربما يعيد تعريفك على نفسكَ، التي بالتأكيد لا تذكرها في تلك اللحظات، حين لا ترى في نفسك سوى السيئ، والفشل والإحباط. يريكَ نفسكَ وأنت تنجح، تنجز، تساعد، تفرح، ولك أهداف وأحلام.

 

حبذا لو فتحت “فولدر التسامح” حينها. أن يسامح المرء نفسه، أن يهدأ حين لا يستطيع الإنجاز بقوة. أن يعذر نفسه، يا له من إنجاز هائل!

 

في عقل كل إنسان ستجد هذين المجلديْن “الفولدرين”.. الإنجاز والإحباط. وفي عقل المكتئب ستجدهما بمقاييس مختلفة للغاية. ستجد فولدر الإحباط شديد الكثافة، سهل التسلسل، في حين يكون فولدر الإنجاز دقيقًا رقيقًا، كورقة شجر جافةٍ يمكنك سحقها بين أصابعك وأنت حزين. خذ حذركَ وأنت في فولدر الأحزان، فلديك قوةٌ كامنةٌ تمكنك من تحطيم أحلامك الوردية لو أردتَ. اغلق فولدر الضِيق والسخافات والمشكلات المستقبلية بإحكام أولاً.. اغسل وجهك أو غيِّر جلستكَ أو تحدث إلى أحدهم، ثم اتجه نحو الفولدر الآخر برفقٍ وافتحه، فولدر الروعة حيث النجاح حتى في عدم القيام بشيء. يكفيك أن ترى نفسك جميلاً وأن تحب نفسك.

 

 

فولدر الإنجاز وفولدر الإحباط وفولدر الضيق

 

المقالة السابقةعزيزي الزوج.. خلي بالك مراتك نفسة
المقالة القادمةقصتي عن الفقد والاكتئاب

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا