بقلم/ سلمى شعبان
تعصف الهرمونات بحياة كل امرأة عصفًا فعليًا. تقلب حياتها رأسًا على عقب، وتزج بها في جنبات مليئة بالعواصف والمرتفعات والمنخفضات، لتجعل منها هشة للغاية في أوقات ما، وقوية وعنيفة بشدة في أوقات أخرى. إذا ما كان هناك رجل يقرأ تلك الكلمات سيظنها حتمًا ضربًا من ضروب المبالغة الشديدة، ولكنني أؤكد لك عزيزي أنني لا أبالغ البتة. بل إنني لن أتمكن من سرد حقيقة ما تشعر به أي امرأة حيال أمور الهرمونات بالتحديد، فالتجربة خير دليل وخير برهان.. ومن أين لك أن تجرب عزيزي تلك التجربة المريرة.
تمر الفتيات بمرحلة اضطراب الهرمونات بشكل شهري، ولكنني اليوم قررت أن أتحدث لكل زوج قد أوشكت زوجته على أن تضع حملها، لأقول له وأنبه:
عزيزي الزوج.. خلي بالك مراتك نفسة.
فإذا ما كانت كل السيدات على وجه الأرض تتحدث وتصف ألم الولادة والمخاض والحمل، فلن تجد من بينهن من تستطيع أن تصف لك ماذا قد عانت هي في فترة نفاسها. تلك الفترة التي كانت بالنسبة لي بمثابة اكتشاف جديد ومختلف في عالمي الأنثوي. لن أحدثك عزيزي عن المعلومات الطبية التي تؤكد أن بعض الأمراض النفسية المستعصية قد تظهر في تلك الفترة الصعبة بسبب اضطراب الهرمونات الشديد الذي تعاني منه السيدة جراء انتهاء الحمل والولادة، وإعادة عمل كل أعضاء الجسم، لتعود إلى شاكلتها ولتهيئ جسد زوجتك للإرضاع وخلافه.
لا لا.. سأحدثك من قلب الحدث. فما يحدث لزوجتك بمجرد وضعها عبارة عن اضطراب غير معقول في الهرمونات، يسبب لها اضطرابًا قويًا في المشاعر، لتكون متخبطة بشدة قد لا تتخيلها، بل إنها تكون فيما يسمى بمرحلة كآبة ما بعد الولادة، والتي إن لم تقدم لها الدعم الكافي والصبر المطلوب على ما تعانيه، قد يتطور الأمر معها للاكتئاب.
المزعج في الأمر أن بعض السيدات قد تستمر معها تلك الكآبة لفترة قد تصل إلى العامين، أما المؤلم أن السيدة قد تعاني وهي لا تعلم أن ما تعاني منه يتطلب العلاج أو على أقل تقدير زيارة للطبيب.
لا تعتقد عزيزي الزوج أن زوجتك قد تعاني من تلك الاضطرابات في ولادتها الأولى فقط، والتي قد تكون شرسة، ولكنها تشعر بنفس الاضطراب في كل مرة تلد فيها، بدرجة قد لا تصدقها، المختلف في الأمر هو أنها قد تكون على دراية أن ما يحدث لها الآن هو طبيعي ومؤقت، وأنها ستتمكن من تجاوز الأمر لاحقًا.
عزيزي الزوج.. مراتك نفسة.
تلك الكلمة العامية التي تعني الكثير والكثير، فهي ليست في حالتها الطبيعية، هي تحتاج منك العطف والكثير من الـ”معلش” والـ”حقك عليَّ” و”ربنا يعينك، أنا مقدر”. تلك الكلمات البسيطة التي قد يصحبها أي مساعدة تستطيع تقديمها، حتى وإن كنت بتحمُّلك عصبيتها وتقلب مزاجها قد تخفف عنها عبء ما يفعله جسدها بها وهي لا تدري. أعرف الكثير من السيدات اللاتي داهمهن الاكتئاب في فترة النفاس، إحداهن قد أقدمت على الانتحار وقتل وليدها بفعل الاضطراب الشديد في الهرمونات، والذي لم يصحبه الوعي الكافي منها أو من المحيطين، ليتطور بشكل كبير وبسرعة أكبر.
عزيزي الزوج.. خلي بالك.. مراتك نفسة.
أذكر بعد ولادة طفلي الأول، كيف عصفت بي مشاعري في تلك الفترة، فقد كنت أبكي دون سبب، وذهبت في زيارة لطبيب الأطفال للاطمئنان على طفلي، وكان الجو شديد الحرارة في غرفة الانتظار، ليسيل العرق في كل الاتجاهات وطفلي لم يتجازو أربعة أيام، لأدخل غرفة الطبيب وأجدها باردة، وأطلب منه أن يغلق المكيف خوفًا على طفلي، ليدور بيني وبين الطبيب حوار بسيط جدًا ويرفض مرددًا أنه طبيب أطفال ويعلم أن تلك البرودة لن تؤثر على الطفل، لأعود إلى منزلي محملة بكم من المشاعر المتفاوتة وأبكي خوفًا على طفلي من المرض والموت! هكذا وبكل بساطة! يا إلهي! نعم دارت في رأسي مخاوفي أن أفقد طفلي، كل ذلك بفعل الهرمونات. لأجد كل من حولي يحاول تهدئتي لتمر الأزمة بسلام.
نعم عزيزي الزوج، قد تدور برأس زوجتك أفكار سيئة لدرجة قد لا تتوقع معها أنها تعاني كل هذه المعاناة. ومهما حاولت تلك المسكينة أن تعبر لك عن مخاوفها وقلقها لن تستطيع، هي نفسها تكون متخبطة بالدرجة التي لا تستطيع أن تعبر بها عن نفسها.
كنت أتخيل أن تلك المشاعر المتفاوتة لن تكون بنفس الحدة في ولادتي الثانية، فأنا الآن أكثر خبرة على الأقل بضرواة تلك الهرومونات في هذه الفترة، لكنني وقعت فريسة لها من جديد في ولادة ابني الثاني، لتكون أشد قسوة، حيث كانت ولادتي في الغربة، ورغم اختياري إلا أن الهرمونات عصفت بي لدرجة كنت أبحث فيها عن أي سيدة تؤنس وحدتي مع أطفالي، حتى أتوقف عن التفكير بأي أمر مزعج. أنا لا أذكر كيف كانت أفكاري ولكنها كلها كانت مزعجة بسبب تلك الهرمونات.
كنت أسمع في السابق دعوة يرددها العجائز بعد الولادة، ولكنني علمت معناها جيدًا عندما اختبرت النفاس، فقد تكون تلك الفترة من أقسى الفترات التي تمر بها أي أنثي. كانت الدعوة “ربنا يتمم نفاسك على خير”. بالفعل! فانتهاء مرحلة النفاس دون أي خسارة معنوية أو نفسية لكل سيدة مكسب لها، وخير لها وبداية صفحة جديدة لها مع وليدها المنتظر.
عزيزى الزوج.. خلي بالك مراتك نفسة.
فعندما تسمع صراخها تَذكَّر، عندما تسمع شكواها وتذمرها تذكر أنها تعاني حتى وإن لم تكن ترى أنت ذلك. وإن رأيت دموعها تنساب فلتضمد ألمها ببعض كلمات التشجيع أو بنزهة مختلفة أو حتى بقضاء بعض الوقت معها أو مع الأطفال. وإن لم تستطع فعليك بالصمت التام، ولتعلم أن العاصفة ستمر وستعود لك زوجتك أمًا وحبيبة.
ربنا يتمم نفاسك على خير