الوصفة المثالية للتربية الإيجابية

912

عزيزاتي الأمهات الجديدات، أمهات الجيل الحالي، اللاتي يبحثن في كتب التربية ومواقع رعاية الأطفال يوميًا عن معلومة أو
طريقة تعينهن على تنشئة الصغار جيدًا.. قد يغريكن عنوان هذا المقال، ظنًا أنّه يقدم الحل السحري لتربية طفل صغير في هذا
العالم المجنون، ولكن سأهمس لكُنَّ بسر صغير جدًا "كلنا في الهوا سوا". نعم كما قرأتِ بالضبط، لا أحد يمتلك المفاتيح
السحرية للتربية، ولا هناك كتالوج حصري للأمومة يمكن تحميله بصيغة إلكترونية. فخذي نفسًا عميقًا واهدئي قليلاً، وتعالي
معي للسطور القادمة.
تربية حديثة Over-dose
مثل كل ما يتعلق بتناول جرعة زائدة من أي شيء، فإن جرعات التربية الإيجابية الزائدة عن الحد تدمر أمومتك وحياة طفلك،
تمامًا مثل "التطنيش" وتربية الطفل بطرق عفى عليها الزمن، عملاً بمبدأ "هذا ما وجدنا عليه آباءنا". أرجوكِ، أذكركِ ونفسي
بأنه ليس عليكِ تطبيق نهج التربية الحديثة بحذافيره مع صغيرك، بل هو منهج وضعه مجموعة من البشر أفكارهم تحتمل
الصواب والخطأ، لنأخذ منه ما يناسب طبيعة أطفالنا وطرق معيشتنا وبيئتنا المحيطة، وأيضًا قدرتنا على الاحتمال كبشر، بشر
وليس ملائكة معصومة من الخطأ.
سأبدأ معكِ بحكايتي الشخصية، بحكم عملي في موقع متخصص للأم والطفل لسنوات قبل الزواج، تلاها حضور ورش خاصة
عن التربية والأطفال، وتعمقت أكثر وأكثر حين علمت بخبر حملي بطفلتي، فقد ينبئك ذلك بكم الجرعة التي تناولتها عن كل ما
يتعلق بنظريات التربية الحديثة وتحديثاتها اليومية، ظننت أنني جاهزة بكل الأسلحة والحلول اللازمة لتربية صغيرتي فور أن
تصل للعالم.
وحين جاءت "فريدة" ابنتي، وأردت تطبيق كل ما قرأته وظللت أقرأه، ضربَت طفلتي عرض الحائط بمعظم هذه النظريات،
مكوّنة كتالوجًا خاصًا تمامًا بها في التربية، يُحدَّث يوميًا كلما زاد عمرها وتطورت شخصيتها. هل حدث كل ذلك بين عشية
وضحاها؟ الحقيقة لا! بل بعد عام كامل أصابتني به أمراض التوتر والقلق والعصبية والصدام، لأن صغيرتي لا تمتثل لما قرأته

وأطبقه، ظننت أن العيب في أو فيها، ولكن في النهاية أدركت أن الخطأ الحقيقي كان في طريقتي أنا لفهم الأمور وتطبيقها
"زيادة عن اللزوم"، وأن كل ما زاد عن الحد سينقلب للضدد حتمًا.
عندما تحولت الإيجابية لسلبية
لست هنا لأخبرك بأن التربية الحديثة لا فائدة لها، لكنني أخبرك بصدق وتجربة أم، أن المبالغة في تطبيق نظرياتها على طفلك
دون النظر لطباعه وشخصيته ومتطلباته ستحول عالمه لكارثة حقيقية.
في يوم ما كنت أكتب مقالاً عن مبادئ التربية الإيجابية وفكرة العقاب، فوجئت بأن من وضعوا بعض النظريات التي وُهِمنا
بروعتها سابقًا، عادوا لنفيها وإثبات خطئها. كم أمًا وطفلاً هنا دفعوا ثمن هذه التجربة؟ لا بأس نحن نعيش لنتعلم بالتأكيد، ولكن
ما يُغرس في نفوس صغارنا يدوم للأبد.
الاحترام.. التشجيع الدائم.. العواقب وليس العقاب.. الاستماع للطفل والتفاعل معه.. عدم لوم الطفل على الأخطاء بل مساعدته
على الحلول، كل ذلك من نظريات ومبادئ للتربية الإيجابية لا غبار عليه، ولكن…
من حقك كأم أن تنهاري وتغضبي وتصرخي وتعبري عن غيظك وغضبك، حتى لو فعلتِ ذلك في غرفة منفصلة بعيدًا عن
طفلك.
من حقك أن توجدي وقتًا لنفسك، وأن تختاري ذهاب طفلك للحضانة من عدمه متى لاحظتِ استعداده ومتى اضطرتك ظروفك
لذلك، مع تخيُّر المكان الآمن المناسب.
من حقك أن تختاري نوم طفلك بجانبك أو في غرفة منفصلة، رضاعته حتى تمام العامين أو فطامه قبل ذلك، وأن تلحقيه بنهج
المنتسوري أو لا، وأن تقدمين له في مدرسة دولية أو مدرسة خاصة تناسب ظروفك وتفكيرك، كذلك أن تلحقيه بالتمارين
الرياضية أو تجعليه يمارس طفولته كما يحلو له، بجانب تخصيص وقت بسيط للرياضة حتى تتضح اهتماماته.
هل تتذكرين معي إعلان الزبادي المشهور الذي كانت تتحدى فيه الأمهات بعضهن البعض في الهاتف مقارنة بتفوق وقدرات
أطفالهن في الرياضات المختلفة؟ هل تتذكرين كم كُنَّ Over ومُبَالغ بهن واضعات الصغار في مارثون وهمي؟ سأتركك
تتخيلين مستقبل هؤلاء الأطفال لاحقًا.
خير الأمور أوسطها وأبسطها
"لا اللي اتزعقله مرتين طلع مريض نفسي ولا اللي متزعقلوش خالص طلع طبيب نفسي!" خذي التربية هونًا هونًا.
العبارة السابقة هي خلاصة ما قرأته واقتنعت به حتى الآن، وأعني بـ"الزعيق" هو ارتفاع الصوت قليلاً، أو الزهق بدون
إهانة أو ضرب أو تجريح للطفل.
إلغاء العقاب الحازم تمامًا الذي يحترم عقلية وسن طفلك في سنوات المدرسة وما يليها، يحوله لشخص مستهتر لا يعرف كيفية
الأسف واحترام قواعد الغير وتقبل عواقب أفعاله.
عدم اللوم على الأخطاء أبدًا، ليس حلاً مثاليًا ليتعرف طفلك على أن ما فعله خاطئ وليس فقط شيئًا سيئًا يمكن حله ببساطة
لاحقًا.
عدم توجيه طفلك وتركه يفعل ما يحلو له دائمًا بدافع الإيجابية، لا يساعد طفلك في تكوين شخصيته ووضعه على المسار
الصحيح، كوني بجانبه للمساعدة أحيانًا وليس دائمًا، حتى يتعلم السيطرة على رغباته وتقويمها بالمحاكاة.
نفس الأمر مع كل مبدأ وكل خطوة في التربية، عندما يتعلق الأمر بجيل عنيد متفتح لديه شخصية متفردة، يتطور بسرعة لا
تتخيلنها، فإن الاستناد لنظريات ثابتة يُعد ظلمًا كبيرًا لطفلك ولكِ.
أعلم أن الأمر شائك ومعقد قليلاً، يشبه المشي على الحبال، فهناك شعرة بين التربية الإيجابية السليمة والمبالغة والإفراط فيها،
لكن لا بأس، لا يحتاج صغارك للمثالية، بل لأم طبيعية مُحبة حنونة ومتزنة نفسيًا دون "أفورة".

المقالة السابقةجروبات البنات وأفورة الفتوكات اللهلوبات
المقالة القادمة10 مشاهد من الدراما المصرية أفورتها لا تُنسى
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا