خلي بالك من زيزي: كل شيء يبدأ من الطفولة

1350

بقلم: سماح صلاح

تابعت مسلسل خلي بالك من زيزي، الذي عرض في رمضان، واستمتعت كثيرًا بالفكرة والمضمون، ووددت لو شاركتكم بانطباعي الشخصي عن أبطال المسلسل والأفكار التي لاحقتني بمجرد نزول تتر النهاية.

الأم والخالة

داومت “زيزي” على الهروب من بيت أمها وأبيها إلى بيت الخالة، هروبًا من اللوم والتقريع والاتهام بالفشل إلى الحنان واللين، اعتمد الأب والأم على الأسلوب القديم في التربية، مدرسة “اكسر للبنت ضلع يطلع لها أربعة وعشرين”، لا سيما وهذه البنت دومًا ما تسبب المتاعب والمشكلات، مشحونة بالغضب، لديها طاقة متجددة تستغلها في التخريب والإتلاف، لم ترَ أمها حلاً أفضل من الانخراط في العمل لسداد الفواتير ودفع التعويضات، ولم يكن من الأب إلا أن يحبسها دومًا في غرفة الغسيل.

كانت “زيزي” -لسوء حظها- تعاني من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، هذا الاضطراب الذي بات في السنوات القليلة الماضية معروفًا وتوجد آليات للتعامل مع الأطفال المصابين به، أما منذ ثلاثين عامًا كان هذا يصنف “شقاوة أطفال” تستلزم التهذيب والعقاب بدلاً من الاحتواء. نتجت عن طريقة “غرفة الغسيل” في التربية لطفلة تعاني من الاضطراب سالف الذكر، شحنة من الغضب تمشي على قدمين، لا تقدم يُذكر في الدراسة نتيجة لعدم التركيز، ولا قدرة على العمل ولا على الاستمرار وإنجاح زواج كان من الممكن أن يحظى بفرصة أفضل.

أما الخالة التي تمثل الجانب اللين في حياة “زيزي”، تسببت في جعل ابنتها اعتمادية واتكالية، لا تقدر حتى على النوم بمفردها ولا السفر ولا الاعتناء بأولادها، حيث قامت الأم بكل شيء عوضًا عنها، ربما شفقة عليها أو رغبة منها في ملء فراغ تركه أب مغترب متزوج من أخرى، أو ربما تكفيرًا عن فترة أهملت فيها الأم ابنتها بسبب ساعات طويلة من النوم، بسبب اكتئاب ألمّ بها بعد أن شبعت من رفض زوجها وإهماله، فما كان منها إلا أن انتقلت من النقيض إلى النقيض، من نوم متواصل أبعدها عن ابنتها، إلى حماية مفرطة، وفي كلتا الحالتين كان التطرف سببًا في إحداث خلل في شخصية الابنة.

جلسات مع الطبيب النفسي

تحدثت “زيزي” مع طبيب نفسي بعد عناء طويل، ربما لو أرشدها أب أو أخ أو زوج أو فطنت أمها لحاجتها لعلاج نفسي لاختصرت سنوات من هذا العناء، ووجدت حلاً لاضطرابها، ومكانًا صحيحًا لاستغلال طاقتها، حاول المعالج سبر أغوار ماضي مريضته ومحاولة الوصول لأصل المشكلة، فاكتشف لاحقًا أنه سجن أوضة الغسيل، خلّف لديها إحساسًا بالرفض والاستبعاد، وربما الاستغناء وانعدام القيمة. عاتبت أمها بجملة واحدة بعد أن وضع الطبيب يدها على أصل المشكلة: “ليه مكنتيش بتفتحيلي الباب؟”، ترى أي باب كانت “زيزي” بحاجة إلى فتحه، باب سجنها أم باب أوسع على الحياة، على الفرص المتاحة والحلول الممكنة؟ كل الأطفال بحاجة إلى فتح الأبوب أمامهم، وإن لم يحدث هذا فإن العاقبة ستكون شحنات من الغضب وانعدام ثقة بالنفس وبالأهل، تلازمهم طيلة حياتهم أو تستلزم علاجًا طويلاً.

كانت “زيزي” تعاني مع أسرتها ومع زملائها في المدرسة بلا شك، لأن المجتمع يهوى التنميط، أي وضع صورة نمطية لما يجب أن يكون عليه التلميذ، صامتٌ دومًا تعني مؤدب، يستذكر دروسه بانتظام حتى ولو لم يعِ شيئًا منها، يكفي أن يعيدها على أسماع أساتذته كلما سُئل، ونمطٌ للشكل النموذجي، ومن هو الجميل ومن القبيح، معايير تم الاتفاق عليها منذ الأزل، ولا يصح مجتمعيًا الخروج عليها ولا تعديلها.

شعور الرفض هو أحد أقسى التجارب التي يتعرض لها الإنسان عامة، لا سيما الأطفال، تظل في ذاكرتهم إلى الأبد، وتؤثر سلبًا على جميع جوانب حياتهم.

عطيات: زيزي المستقبل

إذا ما تحدثنا عن مفهوم التنميط في هذا العمل فلا بد أن نتحدث عن “عطيات”، الطفلة ذات ثمانية أعوام، خرجت “عطيات” عن النمط لأكثر من سبب، لأنها تعاني من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، ترسب غالبًا في الاختبارات لهذا السبب، ولأنها قادمة إلى القاهرة من محافظة أخرى، وصمت بالفشل للسبب الأول، وبأنها فلاحة للسبب الثاني، على الرغم من أن وصف فلاحة لا يعد سُبة إلا أن البعض يستخدمه بغرض الإهانة في دولة ذات أرض زراعية، قامت حضارتها حول نهر النيل لهذا السبب، ولكن مع تعاقب السنين وانتشار مظاهر الحضارة أصبحت الفِلاحة وصمة، لأنها حضارة ظاهرية تنطوي على بداوة في النفس والخُلُق.

يناديها المحيطون باسم “تيتو” ولكن ما إن نما إلى علم الزميلات أن هذا ليس الاسم الحقيقي حتى بات هذا سببًا آخر للسخرية والتنمر، أما إذا تحدثنا عن البيئة الداخلية في منزل هذه الطفلة سنجد أن الشقاق متأصل فيه بين أم قاهرية وأب من محافظة أخرى، موصوم هو الآخر بأنه فلاح.

انطبع كل هذا على الطفلة، فشعرت بالتشتت والانقسام في المنزل والاستبعاد في المدرسة، لأنها خرجت عن النمط المحبوب من قبل الإدارة والمدرسين وعن النمط المألوف للزملاء من الأطفال، لتخبرنا بطفولة تتماس مع طفولة “زيزي”، وربما نفس المستقبل المشترك، ولكن.. يتغير مجرى الأحداث لحسن حظ “تيتو” وربما لـ”زيزي” أيضًا.

اقرأ أيضًا: كيف أعرف أن طفلي عنده فرط حركة.. الأسباب والأعراض

كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة

يقول الشاعر محمود درويش: ” كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة ولدنا غريبين معًا”

هذا هو ما حدث حينما التقت كل من “عطيات” و”زيزي”، غريبتان ومنبوذتان ومتسقتان تمامًا على اختلاف المشكلات والنشأة والعوامل المحيطة، ولكن وحَّدهم اضطرابٌ في السلوك، جعل كل منهما في حاجة ماسة إلى الأخرى، حاربت “زيزي” كل عُقد الطفولة بمساعدتها لـ”تيتو” ومحاولة تجنب كل المعوقات وعوامل الاستبعاد، رأت “زيزي” ببصيرة الإنسان الذي مر بالتجربة، وليس المعلم، كل الأبواب المغلقة في وجه الطفلة، فحاولت فتحها جميعًا والتخلص من أقفالها، خلقت منها المعاناة شخصًا راغبًا في قتل مسبباتها، إذا كان الطفل لا يرغب في الثبات والجلوس بشكل تقليدي لتلقي المعلومة لأسباب خارجة تمامًا عن إرادته، فلنقدم له المعلومة كما يحب، تلك الطاقات الحركية الهائلة يمكن استغلالها في رياضة يقبلها الطفل ويستمتع بممارستها.

كذلك قدمت “تيتو” مساعدة هائلة لمعلمتها، حيث فتحت لها بابًا يطل على عالم من الأطفال الذين يعانون مثلما عانت، جعلها تشعر بجدوى العمل والقدرة على التغيير، ومحاولة شطب المعايير وتغيير الأنماط، حيث إنه في عالم الإنسان ليس هناك نمط موحد ولا إطار ثابت، لتخبرنا “زيزي” و”تيتو” أن الكل إنسان مقبول كما خُلق، لا يملك أحدٌ لأحدٍ شيئًا، لذا ينبغي على كل فرد رفض الحكم عليه، مهما كانت صفة القاضي في حياته، سواء كانوا أهله أو معلميه أو المجتمع بأسره.

اقرأ أيضًا: خلي بالك من زيزي: كيف يمكن للفن أن يغير العالم؟

المقالة السابقةتخلصي من الضغط النفسي: 5 ألعاب لمواجهة التوتر والإجهاد
المقالة القادمةعندما تكون العزلة من مظاهر الحياة
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا