كثيرون يشعرون أن نظام التعليم الحالي لا يرقى لطموحاتهم، فما بين نوعية المناهج وانحدار الكثير من المدارس، وارتفاع مصروفات المدارس المتميزة، تجدين نفسك في حالة من القلق حول مستقبل أبنائك التعليمي، والحقيقة أن العديد من الأمهات قد لجأن إلى فكرة التعليم المنزلي فى مصر ، كطوق نجاة أخير، اعتقادًا أنه الحل الوحيد الممكن، والبعض يسمع عن التعليم المنزلي، ولكنه لا يدرك كنهه، لذا فهو يحجم عن الاقتراب من هذه الخطوة.
ستجدين البعض متحمسًا أشد الحماس للتعليم المنزلي، ويهون عليكِ الخطوات، حتى تعتقدين أنه أمر سهل، يمكن تحقيقه بلا مجهود، وأخرين يهاجمونكِ ويتهمونكِ بالتقصير في حق طفلك، وحرمانه من التعليم المضمون لو اتبعت هذا النظام. دعيني أؤكد لك: الطرفان على خطأ، فلا شيء سهل ولا شيء مضمون، لذا دعينا اليوم نغوص في أعماق فكرة التعليم المنزلي، Home schooling، في مصر، لنستكشف الوضع تمامًا.
هل التعليم المنزلي هو الأفضل؟
ستجدين حيرة شديدة، وأنتِ تفكرين في هذه الخطوة، هل حقًا التعليم المنزلي هو الحل أم هو المشكلة؟ الحقيقة أنه ككل الأمور، يحوي مميزات، ولكنه أيضًا يحوي عيوبًا، وفي السطور القادمة سنستعرض الاثنين، مما يساعدك في حسم رأيك، هل يمكنك اختيار هذا النوع من التعليم في مصر أم لا.
تعرفي على: ما هي شروط اختيار المناسبة؟ دليل اختيار المدرسة المناسبة للطفل
لماذا ومتى التعليم المنزلي في مصر ؟
إن كانت مدرسة طفلك لا تحقق شروط الأمان أو الأخلاق
التعليم المنزلي يناسبك تمامًا في حالة كانت مدرسة طفلك لا تحقق شروط الأمان أو الأخلاق أو التعليم المطلوبة، فللأسف تعلم كل الأمهات صعوبة الالتحاق بالمدارس المتميزة، سواء لأسباب عمر الطفل، أو عدم توفر أماكن كافية، أو بسبب ارتفاع مصاريفها، لذا يلجأ الجميع لمدارس أخرى، قد تكون أقل من طموحك لطفلك، لتفاجئين بعد انتظامه في الدراسة، أن المستوى الأخلاقي متدنٍ، أو أن طفلك يتعلم أمورًا لا تريدين أن يتعرض لها في هذه السن، أو أن المدرسة مهملة في شروط الأمان للطلاب، أو بالطبع تكتشفين أن مع كل ما دفعتِه فأنتِ مضطرة للمذاكرة لطفلك أو لتوفير مدرسين خصوصيين، نظرًا لتدني المستوى العلمي والتعليمي، هنا التعليم المنزلي خيار صالح لكِ.
تعرفي على: إزاي نكمل الدراسة في البيت كأن الولاد لسة في المدرسة؟
إذا كانت لديكِ رؤية تربوية محددة تريدين تحقيقها
كثير من الأسر لديها رؤية تربوية محددة في تعليم أبنائها، مثل رغبتهم في اعتماد الطفل على مناهج، تحث على التفكير لا الحفظ، أو عدم الانغلاق على المواد المقررة، والانفتاح على ما يتوافق مع إمكانيات الطفل بشكل أكبر، وهكذا فالتعليم المنزلي سيوفر لك المئات من البدائل المتاحة، ليس في مصر فقط، ولكن عبر العالم، ليكتشفها طفلك وينهل منها.
لديك طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة
للأسف أغلب المدارس العادية ترفض التحاق الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، حتى لو كانت احتياجتهم غير مؤثرة بشكل كبير على الاستيعاب والتحصيل، مما يجعل الخيار الوحيد المتبقي أمام الأسرة، هو المدارس المتخصصة، وعدد هذه المدارس وتوزيعها قليل، لذا تعاني الأسرة من الانتقال، وهكذا فإن التعليم المنزلي في هذه الحالة يكون هو الخيار الأمثل.
تعرفي على: كيف يمكنك تنمية مهارات الطفل؟
صعوبات ومعوقات التعليم المنزلي في مصر
دعيني في البداية أؤكد لك، أن التعليم المنزلي في مصر ليس نزهة، بل هو تحدٍّ كبير، فعلى العكس من دول أخرى، توفر التعليم المنزلي كأحد خيارات التعليم الأساسية، مصر لا تقدم هذه الخدمة، فالتعليم المنزلي هنا غير مُعترف به، ويجب تدبير أوضاع الطفل، ليستطيع حمل شهادة في النهاية. لذا فهناك معوقات كثيرة ستقابلك منها:
شهادة تساعد ابنك على الالتحاق بالجامعات المصرية
الصعوبة الأهم -كما أوضحت- هي عدم وجود شهادة تساعد ابنك على الالتحاق بالجامعات المصرية مستقبلاً، أو تثبت حتى ما حققه من تحصيل. والسؤال الأهم في هذه النقطة: هل تشكل المادة مشكلة بالنسبة لك؟ إن كانت الإجابة بلا فلا مشكلة لديك، فهناك نوع من التعليم المنزلي يُمكِّن طفلك من الدراسة بشكل افتراضي، في مدارس عالمية، ويحصل على شهادة تمكنه من الالتحاق بالجامعات الأجنبية، لذا فهذه النقطة يمكن تخطيها، في حالة المستوى المادي المرتفع. ولكن في حالة وجود ميزانية محدودة للأسرة، فهناك طرق لحل هذه المعضلة، منها التسجيل في المدارس الحكومية أو الخاصة دون الحضور، مع إحضار شهادة مرضية، أو التحويل لنظام المنازل. أو التسرب من التعليم، والتقديم في النهاية لمحو الأمية، وهو حل شديد التطرف لا أفضله شخصيًا.
الحياة الاجتماعية للأطفال
من الصعوبات أيضًا غياب الحياة الاجتماعية للأطفال، فالمدارس ليست فقط مكانًا لتحصيل المعلومات، بل هي الملعب الأول لطفلك، ليكون شخصًا اجتماعيًا، يستطيع التعامل مع الآخرين، ويجيد هذا التعامل عامًا بعد آخر. لذا في حالة اختيار التعليم المنزلي، لا يمكن بأي حال أن تتركي طفلك حبيس المنزل، ليَكبر شخصًا انطوائيًا، بل يجب -كجزء من الخطة التعليمية- توفير الأنشطة المختلفة له، مثل النشاط الرياضي الجماعي، وكورسات تعلم اللغات، أو المهارات الخاصة مع أطفال آخرين، ليستفيد طفلك من الوقت المتوفر له، في نشاطات مفيدة، تعوضه عن فقدان النشاط الاجتماعي المدرسي، لذا تذكري لا تعليم منزلي بدون نشاط اجتماعي موازٍ، إن كنتِ تخططين لتربية طفل سليم نفسيًا.
لا يمكن بأي حال أن تتركي طفلك حبيس المنزل، ليَكبر شخصًا انطوائيًا. لذا تذكري: لا تعليم منزلي بدون نشاط اجتماعي موازٍ، إن كنتِ تخططين لتربية طفل سليم نفسيًا
تعرفي على: لماذا يتعثر الموهوبون دراسيًا؟
التعليم المنزلي ساحة حرب
هل أنتِ مستعدة للحرب؟ نعم هي حرب ضد الجهل والتنميط، لمساعدة طفلك ليكون أفضل، فالطفل المنتظم مدرسيًا تقوم المدرسة بالجزء ربما الأكبر من عبء الاستذكار، بينما هنا العبء الأكبر عليكِ، حتى لو استعنتِ بمدرسين خصوصيين. ففي أغلب أنظمة التعليم المنزلي –عدا التعليم الموازي- سيكون على كاهلك ووالده -خصوصًا في السنوات الآولى- اختيار نظام التعليم، واختيار كل منهج على حدة، ومتابعة استذكار الطفل مع المدرس، أو أن تساعداه في الاستذكار في البداية. وكل هذا ليس بالمجهود القليل بأي حال من الأحوال، ففي حالة لم تكونا أنتِ ووالده مستعدين لهذا العمل الشاق، فلا أنصحك باجتياز هذا العالم.
أنواع التعليم المنزلى للاطفال كثيرة المهم “اعملي الصح”
شروط التعليم المنزلى فى مصر وأنواعها
يمكن اختصار التعليم المنزلي المتوفر في مصر في 3 أنواع رئيسية، وهي الأهم، وسنناقشها سريعًا:
التعليم الموازي
وهنا هو تعليم منزلي، ولكنه يتبع خُطى التعليم التقليدي. فقط الأسرة تُسجل للطفل في إحدى المدارس، ويتوقف عن الذهاب للمدرسة. بينما يقوم المدرسين الخصوصيين، أو الوالدان، بتدريس نفس المناهج المقررة في المدرسة. وهذا النوع يصلح في حالة معاناة الطفل أخلاقيًا أو تعليميًا، في مدرسة ذات مستوى ضعيف، أو الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث لا شكوى أو اعتراض على المنهج التعليمي. والطفل لن يواجه مشكلة في الشهادة، لأنه سيؤدي الامتحان في نهاية كل عام في مدرسته، ليحصل على الشهادة بشكل طبيعي.
التعليم عن بُعد
هذا النوع يحتاج وفرة مادية إلى حد كبير، حيث يتمكن الطالب من الالتحاق بكورسات المدارس الافتراضية المتوفرة، وهي أنواع كثيرة، بعضها يتطلب حضورًا للشرح، عبر مؤتمرات الفيديو، وبعضها يكتفي بتوفير المناهج، والفيديوهات للشرح من متخصصين، مع توفير امتحانات نهائية، إما أون لاين وإما في مقر سفارة الدولة التي اخترتِها للتعليم. وفي الحالتين سيحصل طفلك على شهادة، تُمكِّنه من الالتحاق بالجامعات الأجنبية، في مصر أو الخارج. والأغلب في المرحلة الثانوية يمكنكِ إلحاقه بنظام تعليم أجنبي، من المتوفرين في مصر، مثل IG، بشكل رسمي.
النظام المختلط (المنهج المُعد من قبل الوالدين)
هنا لا يلتحق الطفل بنظام تعليمي مغاير متكامل، بل يختار الوالدان المناهج المناسبة للطفل، والمتوفرة عبر عشرات المنصات المختلفة، التي سنذكرها لاحقًا، مجانًا أو بمقابل بسيط، ليبنيا نظامًا تعليميًا متكاملاً لطفلهما، وفق احتياجات الطفل، مع الالتحاق بمدرسة عادية دون حضور. ويساعد الأهل -في الأغلب- الطفل على استذكار المناهج التقليدية، قبل الامتحانات، لاجتياز الامتحان كل عام، والحصول على الشهادة. مع حرصهم على أن يكون المنهج المعد للطفل أعلى من المنهج العادي، لسهولة إجابته في الامتحانات النهائية.
والآن عليكِ الاختيار وفق كل المعايير السابقة، فلتضعي أمامك: ما تريدين لطفلك تحصيله، قدرات طفلك، إمكانياتك المادية، الهدف من اختيار التعليم المنزلي، قدراتك الشخصية أنتِ ووالده. ثم تقررين النظام الأمثل من الثلاثة أنظمة السابقة.
أماكن التعليم المنزلى فى مصر كيف أبدأ؟ ومن يساعدني؟
كما سبق، أوضحت أن التعليم المنزلي لا يتمتع حاليًا بمؤسسات رسمية، أو حتى خاصة، ولكنها معترف بها وصلبة، بل هو يتنامى بشدة حاليًا بالجهود الذاتية. ولكن مع تنامي رغبة العديد من الأسر في التعليم المنزلي، بدأت مؤسسات خاصة تظهر على السطح، لتقدم العديد من الخدمات. سنذكر أهمها هنا، وأهم ما تقدمه كل مؤسسة، وكيف يمكنك الاستفادة منها.
مؤسسة ابن خلدون
من أقدم المؤسسات التي تقدم هذه الخدمة في مصر، هي مؤسسة ابن خلدون. فهي تسير معكِ خطوة بخطوة، لتعرفك على التعليم المنزلي وخياراته. تقدم لك نماذج إعداد المناهج لطفلك، فهي توفر عليكِ البدء من الصفر. بل توفر لكِ نماذج لنمط حياة متكامل للطفل، تشمل وقت التمارين والتدريبات ومساعدة الأسرة كذلك.
كذلك توفر دورات تدريبية للوالدين، لتساعدهما كيف يُعلما أبنائهما ذاتيًا. كما توفر لكِ خيارات المناهج المختلفة، سواء كانت منصات للتعليم الافتراضي عن بُعد، أو منصات تقدم مئات المناهج المجانية، أو بمقابل بسيط -يدفع للمنصة وليس لمؤسسة ابن خلدون- لتختاري منها مناهج طفلك. وحاليًا يقوم المركز بإعداد مناهج خاصة به، ينتظرها الكثير من الأهالي الذين اختاروا بالفعل التعليم المنزلي. وللوصول للمؤسسة ابن خلدون من هنا.
مؤسسة نماء
تقدم مؤسسة نماء تطبيقًا وواجهة متكاملة للتعليم الإلكتروني. وهي منصة مُبشِّرة لتقديم خدمة التعليم عن بُعد نفسها، وليس مجرد المساعدة عليها. حتى الآن المنصة تعمل على التنسيق، وحصر المدارس والأماكن التعليمية، وتقدم خدمات عامة. ولكن لديها خططًا طموحة على المستوى البعيد. لذا إذا أخذتِ خيار التعليم المنزلي يمكنك متابعة تقدمها. وللوصول لمنصة نماء من هنا.
مش مدرسة
هي مؤسسة وليدة، وحاليًا مفيدة للمراحل الأولى التمهيدي وkg1 وkg2، حيث تدلك مش مدرسة على الطريق السليم للطفل. كما توفر له النشاطات المختلفة، والمناهج المعدة بشكل مختلف عن المناهج التقليدية. ويتطلب الالتحاق بـ”مش مدرسة” ذهاب الأطفال لفترات محددة، للاستفادة من الأنشطة المعدة سلفًا لهم. كما أنهم يقومون بعدد من السيمنارات، لمعرفة أفكار ورؤى الأسر، لتطوير خدماتهم وتطوير عملية التعليم المنزلي. وللوصول إلى مش مدرسة من هنا.
جروب التعليم المرن
هو الجروب الأكبر عن التعليم المنزلي في مصر. وستدهشين من كم المقتنعين بالفكرة، والمطبقين لها، والمستعدين لمساعدتك هناك. الجروب يقدم لك بالخطوات ماذا تفعلين، والفيديوهات التوضيحية، وكيف تسيرين في كل خطوة، من خطوات التعليم المنزلي. كما ينبثق منه جروبات فرعية للمراحل التعليمية المختلفة، حيث يتعاون الأهل في وضع المناهج واختيارها. كذلك جروبات خاصة بكل منطقة سكنية، لتلاقي الأسر التي اختارت التعليم المنزلي، ليستفيدون من تجارب بعضهم بعض.
ميزة الجروب في إمكانية السؤال والاستفسار، عن أي معلومة أو منهج أو منصة تحتاجينها. وفي الأغلب ستجدين إجابات وافرة مِمَن سبقك لهذه الخطوة، ومِن أساتذة مختصين، يدعمون فكرة التعليم المنزلي. لذا فهذا الجروب لا غنى عنه، لكل من اختار هذا الطريق في مصر. وللوصول لجروب التعليم المرن من هنا.
في النهاية فالخطوة ليست سهلة، والطريق طويل ومليء بالصعوبات. ولكن إن كنتِ على اقتناع تام، بأن هذا هو الطريق الأمثل لأبنائك، فلا تترددي. فيوجد كثيرون اجتازوا هذا الطريق بالفعل وسعداء. ولكن عليكِ التأكد من أن هذا هو ما تريدينه حقًا لأطفالك، وهو ما يصلح لهم بالفعل.